يشكل تجنب لبنان دخول القائمة الرمادية لغسيل الأموال أحد أكبر التحديات التي يواجهها حاليا في التقييمات المرتقبة لمجموعة العمل المالي (فاتف) بالنظر إلى علاقته الوطيدة مع إيران المعاقبة أميركيا، وأيضا لازدهار الاقتصاد النقدي.
يستعد لبنان لمراجعة رئيسية من هيئة رقابية عالمية على “الأموال القذرة”، على أمل تجنب مشكلة أخرى تنضاف إلى حزمة واسعة من الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي غرق فيها البلد منذ قرابة خمس سنوات.
وتأتي المراجعة بينما يمر البلد بوضع حرج زاد من متاعبه بسبب حرب حزب الله وإسرائيل في جنوب البلاد، حيث تدعم الجماعة المدعومة من طهران، حركة حماس التي شنت معركة طوفان الأقصى ضد الإسرائيليين في أكتوبر الماضي.
وقال محافظ مصرف لبنان المركزي بالإنابة وسام منصوري الخميس إن مؤسسته لا تزال تسعى جاهدة لمنع إدراجها في “قائمة رمادية” للدول الخاضعة لتدقيق خاص من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف).
وستكون إضافة لبنان إلى قائمة فريق العمل المالي بمثابة ضربة كبيرة أخرى لبلد في حالة من التدهور المالي منذ عام 2019. ولا يزال المودعون في القطاع المصرفي محرومين من معظم مدخراتهم قبل الأزمة، وتتجنب العديد من البنوك الأجنبية المراسلة، النظام المالي اللبناني.
ويقدر البنك الدولي أن الاقتصاد النقدي يشكل 46 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي بلغ العام الماضي 18 مليار دولار نزولا من نحو 51 مليارا في 2019، حيث سعى اللبنانيون الذين لا يثقون بالبنوك في أعقاب الأزمة إلى التعامل بالعملة الصعبة.
وأوجد ازدهار التعامل بالنقود أرضا خصبة لغسيل الأموال، وأدى إلى مخاوف من إمكانية وضع البلد على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، ومقرها باريس، والتي تضم البلدان ذات المخاطر العالية فيما يتعلق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولا يزال الدولار مستقرا على ارتفاعه في حدود المئة ألف ليرة، وأسعار السلع في ارتفاع مستمر ومنها الأدوية والصحة والتعليم، والرواتب هزيلة لاسيما لموظفي القطاع العام، وإن حصلوا على بعض الزيادات التي لم تصل كلها إلى 40 في المئة.
وأفادت رويترز لأول مرة في مايو 2023 أن لبنان تلقى تقييمًا أوليا يبرر إدراجه في القائمة الرمادية، مع وجود فجوات في عدة فئات بما في ذلك تدابير مكافحة غسيل الأموال والشفافية بشأن الملكية المفيدة للشركات والمساعدة القانونية في تجميد الأصول ومصادرتها.
وبعد التقييم الأولي، مُنح لبنان عاما لمعالجة تلك الفجوات قبل الحكم النهائي الذي من المقرر الإعلان عنه في الاجتماع العام لمجموعة فاتف في أكتوبر المقبل.
وقال منصوري، في كلمة ألقاها في اجتماع اتحاد المصارف العربية الذي احتضنته العاصمة بيروت “ستصدر مجموعة العمل المالي قرارا هذا الخريف ومازلنا نعمل بجد لمنع وضع لبنان على القائمة الرمادية”.
وأوضح أن بلاده حصلت على درجات منخفضة في التدابير الرامية إلى مصادرة الثروة غير المشروعة أو معالجة غسيل الأموال، وأن البلاد بحاجة إلى وضع خطة عمل لمعالجة الفجوات المتبقية.
وفي عام 2023، ذكر مصدر دبلوماسي ومصدر مالي مطلع على الأمر أن لجنة التحقيقات الخاصة بالبنك المركزي كانت تضغط على الدول الأعضاء في مجموعة فاتف في محاولة لتغيير النتيجة.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن وضع لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي قد يعطل تدفقات رأس المال في أي بلد، مع قطع البنوك للعلاقات مع الزبائن في البلدان عالية المخاطر لتقليل تكاليف الامتثال.
كما أن مثل هذه القائمة تخاطر بإلحاق الضرر بسمعة لبنان، وتعديلات التصنيف الائتماني، وصعوبة الحصول على التمويل العالمي، وارتفاع تكاليف المعاملات.
وفي حالة لبنان، فإن القائمة ستمثل اتهاما للنظام المالي في وقت مؤلم. فقد كانت البلاد بطيئة في إحراز تقدم في الإصلاحات الرئيسية التي طلبها صندوق النقد الدولي في أبريل 2022 كشرط أساسي لإبرام صفقة مع الصندوق.
كما تباطأ الاقتصاد بشكل أكبر بعد أكثر من عشرة أشهر من الأعمال العدائية بين جماعة حزب الله المسلحة والجيش الإسرائيلي بالتوازي مع حرب غزة.
وتتفاقم التحديات، التي تواجه لبنان أكثر مع انسداد الآفاق لإنعاش اقتصاده المتعثر مع بقاء الإجهاد المالي للدولة في دائرة الخطر، والذي زادت من متاعبه الحرب، مما عمّق القلق بشأن مستقبل البلد في ظل متاهة وعود الإصلاح والغرق في المؤشرات السلبية.
ويواجه اللبنانيون وقطاع الأعمال التأقلم بشق الأنفس للتأقلم مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بسنتها الخامسة، نظرا لعدم تغير المشهد كثيرا لأن المشاكل مازالت قائمة والحل يبدو بعيدا، حيث يواجه البلد أسوأ أزمة في تاريخه.
وفي مايو الماضي، نشر البنك الدولي تقريرا أشار فيه إلى أن الفقر في لبنان تضاعف ثلاث مرات على مدار عقد من الزمن انزلقت فيه الدولة إلى أزمة مالية مطولة.
وقال البنك في تقرير يستند إلى مسوحات أجريت في خمس من محافظات البلاد الثماني إن “نسبة الأشخاص في لبنان الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت من 12 في عام 2012 إلى 44 في المئة بنهاية عام 2022”.
وقدمت البيانات صورة الأكثر تفصيلا عن الظروف الاقتصادية لسكان البلاد منذ تفجر الأزمة أواخر 2019، رغم اعتراف مسؤولي البنك الدولي بأنها غير مكتملة حيث لم يُسمح للمساحين بالوصول إلى ثلاث محافظات في جنوب وشرق البلاد.
وأظهرت النتائج اختلافات صارخة في مستويات الفقر بين مناطق مختلفة وبين المواطنين والسكان الكبار من اللاجئين السوريين في البلاد.
ويتفق الخبراء على أنه ما زال هناك الكثير من الأمور المطلوبة لخروج لبنان من أزمته، أبرزها إصلاحات لم تطبق، وشغور رئاسي، حكومة تصريف أعمال وبرلمان شبه مشلول غير قادر على إقرار القوانين ولا انتخاب رئيس للبلاد.
ومع ذلك، يتوقع البنك الدولي أن يسجل لبنان نموا بنسبة 0.5 في المئة خلال 2024، بعدما كانت التوقعات تشير إلى نمو صفري في تقديرات سابقة مقارنة مع انكماش اقتصادي بنسبة 0.2 في المئة خلال العام الماضي و0.6 في المئة في عام 2022.