لبنان يكافح للنهوض من أزمات متراكمة في الميدان الاقتصادي

يواجه الاقتصاد اللبناني عددا من المصاعب في ظل تردي المعيشة وزيادة الغلاء والعزوف عن الاستثمار وانعدام الفرص الوظيفية .. وسط مخاوف من تفاقم هذا الوضع بحسب معظم المؤشرات الدولية والمحلية في البلد الذي يتجاوز فيه الدين العام 80 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المائة من الناتج المحلي .
ولم تصل نسبة النمو فيه إلى 1 بالمائة العام الماضي مقارنة مع توقعات بنمو 1.5 بالمائة وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، في حين توقعت مصادر وزارية لبنانية أن تبلغ نسبة النمو 1.2 بالمائة العام الجاري .
ويرى مراقبون أن الاقتصاد اللبناني سيبقى يعاني خلال هذا العام من تداعيات التوترات الجيوسياسية التي لاتزال تشكل عبئاً على النشاط الاقتصادي، لاسيما تلك التوترات الناتجة عن ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم مليون ونصف نازح سوري، وذلك على الرغم من الآمال الكبيرة التي يعقدها رجال السياسة والاقتصاد على مؤتمر سيدر الذي عقد شهر ابريل العام الماضي في باريس والذي تعهدت خلاله الدول والمؤسسات الدولية المانحة عن تمويلات تبلغ حوالي 11 مليار دولار لمشاريع بنية تحتية مقابل تنفيذ لبنان لجملة إصلاحات أبرزها تخفيض العجز في الموازنة.. وأفادت جمعية المصارف اللبنانية في إحصاءات مؤخرا عن ارتفاع الدين العام اللبناني إلى 86.22 مليار دولار.
وفي هذا السياق قال الرئيس اللبناني العماد ميشال عون في تصريح له ” قد ورثنا ديوناً زادت عن 80 مليار دولار، فضلاً عن غياب سياسة اقتصادية ، واستدانة لتأمين الحاجات اليومية، بتنا نشتري من الخارج ولا ننتج شيئاً ، فيما الانتاج هو أساس الاقتصاد.
ولفت عون إلى أن لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات متراكمة خصوصا في الميدان الاقتصادي.
وقد أقرت الحكومة اللبنانية في شهر مايو الماضي مشروع قانون الموازنة للعام الجاري 2019 وسط عجز مالي تجاوز 4 مليار دولار وبانخفاض نسبة هذا العجز إلى 7.59 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 11.4 بالمائة في العام الماضي .
وبلغ إجمالي الانفاق في موازنة العام الجاري 17 مليار و56 مليون دولار أمريكي وهو ينقسم إلى انفاق عام بقيمة 15مليار و 406 مليون دولار (23340 مليار ليرة لبنانية) إضافة إلى انفاق حوالي مليار و650 مليون دولار سلفة لدعم كهرباء لبنان أي ما يعادل ( 2500 مليار ليرة لبنانية) ، في المقابل تبلغ الواردات 12مليار و552 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل (19016 مليار ليرة لبنانية) وتذهب نسبة 35 بالمائة من الموازنة إلى الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد، و35 بالمائة خدمة دين عام، و11 بالمائة عجز كهرباء، وما يقارب 9 بالمائة انفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة.
وتوقع السيد علي حسن خليل وزير المال اللبناني في تصريح له بعد إقرار الموازنة شهر مايو الماضي أن تبلغ نسبة النمو للناتج المحلي 1.2 بالمائة.
وقال خليل “جاءت هذه الموازنة ونقاشها في ظرف اقتصادي ومالي ضاغط جداً، بعدما مررنا في العام 2018 بظروف استثنائية، من تأخير تشكيل الحكومة بعد إجراء الانتخابات النيابية، وضغوطات مختلفة، وأزمات المنطقة، أدت كلها إلى رفع العجز الفعلي في الموازنة إلى ما يقارب 11.4 بالمائة العام الماضي . وهذه الموازنة جاءت في سياق مالي متضخم، من دين عام كبير وما زال يكبر، وخدمة دين تكبر بدورها”.
وكان مشروع الموازنة أثار قلقاً بين المواطنين اللبنانيين، ما دفع عدداً من موظفي القطاع العام بينهم العسكريون وأساتذة الجامعة اللبنانية إلى اعتصامات وإضرابات متتالية لعدة أسابيع رفضاً لأي اقتراحات تلحظ اقتطاعاً من رواتبهم أو من امتيازات بعضهم.
ويعول المراقبون في لبنان أن تساعد الميزانية في الإفراج عن تمويلات تبلغ حوالي 11 مليار دولار لمشاريع بنية تحتية جرى التعهد بها في مؤتمر سيدر للمانحين العام الماضي .
وقال السيد سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني في تصريح له إن الموازنة ستكون الأكثر تقشفاً في تاريخ البلاد للحصول على قروض وهبات بمليارات الدولارات تعهد المجتمع الدولي تقديمها شرط تخفيض العجز.
ويرى محللون ماليون أن الاقتصاد اللبناني يعيش مرحلة صعبة قد يصعب الخروج منها في العام المُقبل حتى ولو استطاعت الحكومة الإيفاء بتعهداتها في ما يخص عجز الموازنة وقد عقدت لجنة المال والموازنة النيابية الأسبوع المنصرم عددا من الاجتماعات بهدف بحث مشروع الموازنة تمهيدا لرفعه إلى الجلسة العامة وإقرارها في مجلس النواب.
ويشدد المهتمون بالشأن الاقتصادي على أن التحدي الاقتصادي الأبرز يكمن في الحد من حلقة النمو البطيء، لاسيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره 1.8 بالمائة خلال السبع سنوات الأخيرة .
ويستدل من التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أن لبنان لا زال يرزح تحت وطأة الوضع الاقتصادي المترهل على وقع التوترات الجيوسياسية، وأبرزها الأزمة السورية المستعرة منذ العام 2011 ، حيث لم يتجاوز نمو لبنان 2.5 بالمائة منذ العام 2012 مقارنة بنحو 8 بالمائة عامي 2009 و2010.
ويرى مراقبون أن التأخر في إقرار موازنة العام 2019، في مجلس النواب التي يعول عليها لبنان للمباشرة بتطبيق بنود “سيدر”، يزيد من الأضرار الاقتصادية مع توقعات سلبية من ناحية زيادة العجز في هذه الموازنة بعد انتهاء لجنة المال والموازنة من دراستها، تمهيدا لإقرارها في مجلس النواب.
وتترافق هذه المرحلة مع توقف القروض السكنية في لبنان مما دفع إلى تراجع القطاع العقاري بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى ما شهده لبنان في الأشهر الأخيرة من بث شائعات حول وضع الليرة اللبنانية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي كما تثبته الأرقام، بحيث تم استخدام الدولار بدل العملة المحلية على اعتبار انه أكثر أمنا، والذي كانت نسبة استخدامه 68.35% في مايو 2018 لتبلغ 70.87% في أواخر يناير 2019 وفقا لمؤشرات المصارف اللبنانية، وذلك رغم تأكيد حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة على أن الليرة اللبنانية مستقرة كذلك السوق المصرفي حيث الأوضاع تحت السيطرة.
وأكد الدكتور أنيس أبو ذياب عضو المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في لبنان في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية .. لافتا إلى أن الوقت الطويل الذي اتخذه مسار إقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء الذي استغرق 20 جلسة جراء السجال السياسي بين الوزراء.
ونبه عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي من التأخير في إقرار الموازنة في مجلس النواب، بسبب ما وصفه “بالمزايدات الشعبوية” التي قد يلجأ اليها بعض النواب… مشددا على وجوب إقرار الموازنة في مجلس النواب بالسرعة القصوى، نظرا لما شهدته الأسواق اللبنانية من ارتياح عام بعد إقرارها في مجلس الوزراء ولكن الخلافات السياسية الجديدة في البلاد حالت دون هذا الارتياح.
ورأى أبو ذياب أن نسبة العجز في الموازنة للعام الجاري 2019 التي تم إقرارها في الحكومة مؤخرا مقبولة والتي تقدر بحوالي 7.59 بالمائة مقارنة مع 11.4 بالمائة العام الماضي.. لافتا إلى أن مؤتمر سيدر هو فرصة أساسية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من براثن الانهيار.
وأكد على ضرورة وقف الخلافات السياسية اللبنانية خاصة في ظل الوضع الإقليمي المتأزم الذي يمكن أن يتفاقم الى ما لا تحمد عقباه مما يؤثر سلبا على الاقتصاد اللبناني .
وحذر من انعدام الثقة بين السلطة السياسية اللبنانية والشعب اللبناني، نظرا لتأثير عامل الثقة على قوة ومتانة الاقتصاد… مشيرا إلى ضرورة اتخاذ سلسلة خطوات لتدعيم الاقتصاد اللبناني منها تطبيق خطة الكهرباء، بسبب حجم الإنفاق في الموازنة على هذا القطاع إلى جانب إقرار الموازنة في مجلس النواب في القريب العاجل وهو ما قد يؤدي الى رفع التصنيف الائتماني للبنان من قبل مؤسسات التصنيف الدولي الذي يساهم بدوره في المرحلة المستقبلية بخفض كلفة خدمة الدين العام، وبالتالي خفض الفائدة وهو ما يشجع الاستثمار المستقبلي في لبنان .
وتطرق أبو ذياب الى دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في محاولة منه للمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية بالبلاد، من خلال مبادرته بوضع ورقة متكاملة تتضمن إجراءات فورية سريعة لمعالجة الوضع الاقتصادي… لافتا الى أن دور المجلس هو دور استشاري لمجلس الوزراء بناء على طلب الأخير.
ويؤكد المراقبون للشأن الاقتصادي اللبناني أن الأزمات المعيشية في لبنان تهدد بانفجار الأمن الاجتماعي وأبرزها البطالة التي تتجاوز نسبة 35 بالمائة، الى جانب وجود عدد كبير من النازحين السوريين والذي يضغط على الوضع اللبناني .
وأفادت إحصاءات صادرة عن الجمارك اللبنانية بانخفاض الاستهلاك عامة، حيث بقي الاستيراد من الخارج على حاله في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بحجم صادرات هزيل إذ واصل عجز الميزان التجاري تسجيله أرقاما تفوق الـ 15 مليار دولار أمريكي سنويا، ومعه ميزان المدفوعات الذي يؤدي دورا أساسيا في تصنيف لبنان الائتماني وفي سعر صرف الليرة اللبنانية.
ويبقى السؤال هل يستطيع لبنان اتخاذ إجراءات سريعة لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصاد المالي والاقتصادي خاصة في ظل الجدل السياسي الدائر بين الفرقاء .
/قنا/

بواسطةmayssaa abdul khalek seid
مصدر وكالة الأنباء القطرية
المادة السابقة“يوتيوب” يحذف مقاطع الفيديو المروجة للنازية أو حادث “ساندي هوك”
المقالة القادمةسوريون يدعون الى اضراب في لبنان