لا عودة للنازحين السوريين إلى بلادهم اليوم، ولا غداً ولا الذي يليه على أحسن تقدير. فالموقف الرسمي اللبناني، الذي عُبّر عنه في مؤتمر بروكسل السادس حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، يبقى غير قابل للصرف، ما لم يعتزم النظام السوري أولاً إرجاع مواطنيه. وهذا ما يبدو لغاية الآن ضرباً من ضروب المستحيل.
الضغط الذي مارسه لبنان قبيل “المؤتمر” لإعادة النازحين، إنطلاقاً من الإنهيار وعجزه عن تحمل الأكلاف، قوّض بعد ساعات من انتهائه. وقد أتى الرد الاممي بشكلين، الأول مباشر حيث لم يلمس الجانب اللبناني نية بإعادة النازحين، إنما ضرورة دمجهم في المجتمعات التي هم فيها وإعطائهم إقامات شرعية وتوفير العمل لهم”. والثاني غير مباشر، من خلال “تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الانسان، أوليفييه دي شوتر”، الذي يصف السوريين الموجودين بـ “اللاجئين” وليس النازحين، وبانهم كبش فداء ويتعرضون للتمييز ويحرمون من العمل في معظم المهن، نتيجة سياسة عدم الإدماج التي تنتهجها الحكومة رسمياً. وأوصى التقرير بـ “ضمان الحق في العمل للاجئين من خلال فتح جميع المهن لهم بشكل قانوني”.
النظام لا يريدهم
في الوقت الذي يصرح فيه “نظام الاسد” بالترحيب بعودة النازحين، لم يقدّم فعلياً بعد هذا النظام أي ضمانات أمنية، سياسية معيشية أو قانونية لعودتهم بشكل آمن”، بحسب وزير الشؤون الاجتماعية السابق د. ريشارد قيومجيان. و”من يزايد اليوم على ضرورة إعادة النازحين، هو في الحقيقة من تصدى للخطة التي اعددناها لاعادتهم في وزارة الشؤون الاجتماعية قبل أعوام”. وبحسب قيومجيان فان “النظام السوري، وحليفه “حزب الله” لا يريدان هذه العودة، وإلا لكانا سهلا عودة النازحين الموالين للنظام الذين شاركوا بالانتخابات الرئاسية الاخيرة، إلى مناطق القصير وغرب الزبداني وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحزب”. وبرأيه إن “لب الموضوع ليس موقف المنظات الدولية التي تنادي بالعودة الآمنة، إنما عدم وجود ضمانات جدية من قبل النظام السوري لحماية هذه العودة. سواء على الصعيد المعيشي والاعفاء من التجنيد الاجباري، أو إرجاع البيوت والعقارات المصادرة. فهم يلقون باللوم على المجتمع الدولي وعلى منظماته، فيما يجب أن يكون لدى لبنان خطة واضحة لاعادتهم”.
موقف الدول المانحة والمنظمات العالمية
خلافا لكل التأويلات فإن “المجتمع الدولي، أو ما يقصد به الدول الكبرى المانحة، يعتبر أن عودة اللاجئين السوريين الموجودين في الدول المضيفة المجاورة لسوريا، كـ (تركيا، الاردن، العراق، مصر ولبنان) محكومة بانجاز الحل السياسي في سوريا، وتطبيق القرار الدولي 2254 لكي يكون هناك عودة مستدامة”، بحسب المشرفة العامة لـ”خطة لبنان للاستجابة للأزمة”، د. علا بطرس، “وباعتبارهم فإن الظروف الحالية في سوريا غير ملائمة للعودة. وقد تعقدت المفاوضات أكثر، ولا سيما بعد تحول روسيا من شريك في القرار الدولي في ما خص سوريا، إلى دولة غارقة في العقوبات الدولية”.
أمّا في ما يتعلق بـ”الامم المتحدة” فهي تعمل بحسب بطرس بـ”معايير دولية، تنص على وجوب احترام مبدأ عدم الاعادة القسرية، واحترام مبدأ الامان. وليس باستطاعة الأمم المتحدة القيام بأي خطوات لتشجيع العودة الشاملة، قبل تأمين الدعم المالي الكبير الذي يضمن استعادة النازحين لحياتهم الطبيعية في مناطقهم الاصلية والبدء بعملية الاعمار التي ينتظر أن تمول من مساعدات الدول المانحة”.
المساعدات غير كافية
مما لا شك فيه أن نظرة المجتمع الدولي ومعايير اللجوء العالمية، تختلف عن نظرة اللبنانيين للأمر. فالولايات المتحدة والدول الاوروبية موقعة على “اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين” وبروتوكول 1967، اللذين ينصان على وجوب إعطاء اللاجئ إقامة وإذناً بالعمل وتأمين حق السكن اللائق. الامر الذي يساهم في المقابل بتنمية اقتصاد الدولة المضيفة ويسهل انخراط اللاجئين في المجتمع. وبغض النظر عن وضعية السوريين في لبنان ما إذا كانوا نازحين يستطيعون العودة أو لاجئين فان المفارقة بحسب بطرس أن “معايير المجتمع الدولي لا تنطبق على لبنان وتطبيق هذه الشروط يواجه بالعديد من المعوقات القانونية والتقنية والسياسية، وأهمها:
– لبنان من الدول غير الموقعة على اتفاقية 1951، وهو غير ملزم بالتالي بتطبيق بنودها.
– النزوح لم يكن خياراً لبنانياً، إنما فرض عليه تبعاً لسياسة الحدود المفتوحة التي اعتمدت مع بداية الحرب السورية في العام 2011.
– عدد النازحين السورين كبير جداً يناهز مليوناً ونصف المليون.
– غرق لبنان بأزمة اقتصادية غير مشهودة على الصعيد العالمي منذ 150 عاماً بحسب توصيف البنك الدولي.
– ارتفاع معدلات الفقر، حيث تقدر نسبة الرازحين تحت الفقر متعدد الابعاد بـ 80 في المئة من السكان.
– ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير (ارتفع معدل البطالة نحو ثلاثة أضعاف بحسب مسح جديد أجرته الحكومة اللبنانية والامم المتحدة ووصل إلى 29.6 في المئة في كانون الثاني الماضي).
كل هذه العوامل تجعل من لبنان فعلاً لا قولاً عاجزاً عن الاستجابة لمتطلبات المجتمع الدولي في الاستمرار باستضافة “اللاجئين” وتأمين متطلباتهم. في المقابل فان ما حصل عليه لينان من مساعدات تقدر بـ 9 مليارات دولار، يبقى “أقل بكثير مما دفعه لبنان بشكل مباشر وغير مباشر لخدمة نحو 1.7 مليون لاجئ، منهم 1.5 مليون سوري و180 ألف فلسطيني و29 ألف فلسطيني سوري و20 ألف عراقي”، بحسب بطرس. و”المساعدات التي وعد لبنان بها لم تأت كاملة. حيث لم يصل من أصل 2.6 مليار دولار مقرة في العام الماضي إلا 1.6 مليار. والدولة تطالب اليوم بـ 3 مليارات دولار للحاجات التنموية الاساسية”. ومن وجهة نظر بطرس فان “المطلوب اليوم ليس فقط تقديم المساعدت المالية، إنما دعم المشاريع التنموية. وهذا ما يتم العمل عليه مع الجهات المانحة والمساعِدة لكي يكون لهذه المساعدات تأثير أكبر على المجتمع”.
في الوقت الذي يهاجر فيه عشرات آلاف اللبنانيين بشكل شرعي وغير شرعي وطنهم، يبدو أن عودة السوريين من نازحين ولاجئين مؤجلة. فطالما نظام الاسد قائم، سيبقى هذا الملف عرضة للرفض تارة وللتلاعب تارة أخرى وسيستمر لبنان بمجتمعه واقتصاده بدفع الثمن الاكبر.