بدءاً من الأسبوع المقبل، سينتقل مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي، حيث يُفترض أن تنكبّ لجنة المال والموازنة على دراسته تمهيداً لرفعه إلى الهيئة العامة. وهناك، ستكون اللجنة، بعيداً عن المضمون، أمام استحقاق التزام ما سبق أن أوصت به من معايير. وهذا يعني أنها ستكون معنية بالإعلان أن المشروع يخالف القانون الذي يمنع حشو الموازنة بمواد قانونية لا علاقة لها بالإنفاق والجباية، ولا هدف من وجودها سوى الهروب من المساءلة
عرّفت المادة الثالثة من قانون المحاسبة العمومية الموازنة بأنها «صك تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتجاز بموجبه الجباية والإنفاق». أما المادة الخامسة منه، فتنص على أن يحتوي قانون الموازنة على «أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات وإجازة الجباية وفتح الاعتمادات للإنفاق وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة».
هل احترمت الحكومة أثناء دراستها مشروع قانون الموازنة هذه القواعد القانونية؟ بحسب مشروع الموازنة الحالي، يتبين أن الحكومة عمدت إلى حشوه، كما كل قوانين الموازنة التي سبقت، بمواد قانونية لا علاقة لها بتقدير واردات الدولة ونفقاتها. وهذه المواد المنوي تهريبها «على ظهر» مشروع الموازنة، يُطلق عليها اسم «فرسان الموازنة». والمشروع الحالي الذي يضم نحو 85 مادة، بالكاد يتناسب 15 منها مع تعريف الموازنة في قانون المحاسبة العمومية، فيما الأغلبية الساحقة من المواد تتعلق بتعديلات لقوانين سارية المفعول، أقرت بنحو مستقل عن قانون الموازنة ويفترض أن تعدّل بقوانين مستقلة. وهذه التعديلات تشمل عدداً كبيراً من القوانين، أبرزها: قانون السير، قانون الضريبة على القيمة المضافة، قانون الإجراءات الضريبية، قانون ضريبة الدخل، قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية… كذلك يبدو لافتاً أن التعديل يشمل أيضاً قانون المحاسبة العمومية نفسه (المادة 74).
وعليه، فإن الحكومة تتعامل مع الموازنة ليس كصك تشريعي تقدّر فيه النفقات والإيرادات، بل كوسيلة تشريع بالجملة، تعوق المجلس النيابي عن القيام بأبسط واجباته، أي دراسة القوانين بالمفرق، بعدما درجت العادة أن لا تأخذ مناقشة الموازنة في المجلس النيابي أكثر من شهر، فيسهل بذلك تمرير كل ما تريده الحكومة من قوانين… ومن دون نقاش.
كل ذلك ليس مهماً في معايير مجلس الوزراء الممثل بكامل أطرافه في مجلس النواب، أي إنه لن يكون صعباً، نظرياً، تخطي هذه العقبات، وإقرار الموازنة بموادها جميعها، وإن شملها التعديل. لكن مع ذلك يُتوقع أن تعود لجنة المال إلى التمسك بما سبق أن أقرته في عام 2010 من معايير للموازنة. وأول ما تنص عليه، أنه ينبغي أن يقتصر قانون الموازنة على: النصوص التي تحدد النفقات والواردات، إجازة الجباية، فتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، جداول توزيع الواردات على مختلف أنواع الإيرادات وجداول توزيع النفقات على مختلف تناسيب النفقات، النصوص المتعلقة حصراً بتنفيذ الموازنة كإجازة فتح الاعتمادت الاستثنائية وإجازة نقل الاعتمادت المشتركة بين عدة وزارات.
اللجنة نفسها كانت قد اعتبرت أن تضمين مشروع الموازنة نصوصاً ترمي إلى تعديل قوانين نافذة، يهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما:
– تمرير التعديلات دون مناقشة معمقة وجدية، أو حتى دون مناقشة تذكر بفعل ضغط عامل الوقت في إقرار الموازنة.
– التهرب من مواجهة المجلس النيابي، ولا سيما لجنة المال والموازنة، بخطة ضريبية متكاملة تراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتبيّن تأثير التعديلات المقترحة على أحكام أخرى في القانون المقترح تعديله أو على أحكام قوانين ضريبية نافذة من جهة أخرى.
وفيما أعاد رئيس اللجنة إبراهيم كنعان تأكيد هذه المعايير أثناء مناقشة موازنتي 2017 و2018، فإن أي توصية، لتكون مؤثرة، يجب تبنّيها من قبل الهيئة العامة، وهو ما لم يتحقق في العامين الماضيين. لكن مع ذلك، فقد نجحت اللجنة في إلزام الحكومة بالتقيّد بعدد من التوجهات، أبرزها:
– عدم تضمين الموازنة أي قوانين برامج جديدة، وإن كانت الموازنة الحالية تضم تعديلات على الاعتمادات المقررة لسبعة قوانين برامج سبق أن أقرت.
– الإجازة للحكومة بالاقتراض ضمن حدود العجز المقدر وليس المحقق (المادة الخامسة).
– إخضاع القروض والهبات الخارجية لرقابة ديوان المحاسبة حسب الأصول.
وفيما يتوقع أن تبدأ اللجنة بدراسة مشروع الموازنة الأسبوع المقبل، فإن صورة النقاش ستكون الآتية: الحكومة الممثلة لأغلب الكتل النيابية أنجزت موازنة مخالفة للقانون، لجنة المال التي تضم أغلب الكتل ستكون بالمرصاد وستقر المشروع مع إبداء الملاحظات عليه (على الأرجح لن تكون قادرة على حصر النقاش بالمواد التي تراعي المادتين 3 و5 من قانون المحاسبة العمومية)، فيما سيكون الختام في الهيئة العامة بإقرار قانون الموازنة مع كل «فرسانها» غير آبهة لتوصيات اللجنة المعنية، ما دام التوافق السياسي أقوى من القانون.