“الفساد مُقونَن والهدر مُقونَن والنهب مُقونَن والحصانة مُقونَنة”، لازمة كلاميّة “مُثبتة واقعيّاً” تتكرّر، بشبه استسلام، على ألسِنَة العاجزين لتبرير الفشل الجامع في تحقيق الإصلاح المنشود داخل مؤسسات وإدارات وأجهزة الدولة، أمّا الأهم فهو معرفة من أوصل المسؤولين والمواطنين إلى ترديد هذه اللازمة والتلطّي وراءها؟
“السلطة المُشترعة”، التي تمثّلها المجالس النيابيّة المُتعاقبة وآخرها مجلس النوّاب الحالي، هي المسؤولة عن تعطيل عمليّة الإصلاح، وذلك بالاستناد إلى ما يلي:
– الحكومة “مجتمعة” مُلزَمة بالعمل وفق تشريعات وقوانين سنّتها “السلطة المُشترعة”، وبالتالي يتحمّل كل مجلس نوّاب “سيّد نفسه” كامل المسؤوليّة عن تقصيره في تحديث تلك التشريعات والقوانين عبر تنقيتها من شوائب التخلّف وتعزيزها بكل ما هو إصلاحي وعصري ورادع، ما عرقل العمليّة الإصلاحيّة وأدّى إلى توجيه الضغط السياسي والشعبي نحو الحكومة وحدها.
– مسؤوليّة أخرى تتحمّلها “السلطة المُشترعة”، فهي مَن أعطى الوزير “منفرداً” صلاحيّات “مباشرة واستثنائيّة واستنسابيّة” بذريعة تحصين دوره السياسي، ما وفّر للوزير “سلطة” تجميد أي قرار إصلاحي تتخذه الحكومة، ويقع ضمن اختصاص وزارته، في حال لم يتناسب ومصلحة مرجعيّته السياسيّة و/أو الطائفيّة، بمجرّد رفض التوقيع عليه، حيث كل وزير مدعوم ومحميّ من كتلة نيابيّة هو عضو فيها أو يمثّلها وهي قادرة على قلب الطاولة وتعطيل الإصلاح ساعة تشاء.
– مسؤوليّة إضافيّة تقع على عاتق “السلطة المُشترعة” وستبقى تُثقل كاهلها، إذ ليس لائقاً بحق “سيّد نفسه” الإحجام “طوعاً” عن تحديث التشريعات والقوانين، التي بسبب سوئها وتخلفها وصلت البلاد والعباد، وأيضاً الحكومة، إلى هذه الحال المزرية، ديمقراطيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً وماليّاً واجتماعيّاً ومعيشيّاً. “سيّد نفسه” الذي يعلم أنّ سحب الثقة من أي حكومة، أو إسقاطها بطريقة أخرى، لن يُبدل شيئاً على أرض الواقع، حيث تداول السلطة التنفيذيّة في لبنان يتم على قاعدة “بيروح العاشق وبيجي المشتاق”، والمصيبة أنّ العاشق والمشتاق لرئاستها هما الشخص نفسه وكذلك المشاركين فيها هم القوى السياسيّة – الطائفيّة نفسها.
حاليّاً، كل الأبواب مغلقة أمام الإصلاح، بإستثناء باب واحد مفتاحه بيد مجلس النوّاب، الذي لو أراد إنقاذ البلد حقّاً وفتح طريق الحكومة نحو الإصلاح الجدي، لبادر المجلس النيابي “مجتمعاً”، بكتله وتكتلاته والمنفردين “موالين ومعارضين ومستقلّين” حيث جميع الأفرقاء السياسيّين مُمثّلون بأحجامهم “شبه الحقيقيّة”، من دون إستبعاد أو إقصاء كما في الحكومة، إلى عقد ورشة نيابيّة مفتوحة بهدف “صناعة إصلاح مُستدام” يرتكز إلى تشريعات وقوانين مُحدَّثة وعصريّة ورادعة.
وإلا، فسيبقى المواطن عرضة للإبتزاز، والأحزاب تأسر مجلس النوّاب الذي بدوره يأسر الحكومة، وهلم جرّا.
مَن يحارب الفساد والهدر والنهب بقوانين بالية، كمَن يحارب طواحين الهواء بسيف من ماء.