لماذا تُرفض خطّة الطوارئ الكهربائية؟

يبدو أن فريقي التيار الوطني الحرّ وحركة أمل يعودان إلى تموضعهما السابق في ملف الكهرباء. يعمل التيار الوطني عبر وزير الطاقة وليد فياض، على تقديم الخيار تلو الآخر. الخيار الأخير، المتمثّل في «خطّة الطوارئ»، وهو الأكثر منطقياً من كل خطط الكهرباء، لكن رئيس مجلس النواب نبيه برّي لديه ملاحظات تستند إلى أن الخيار المطروح يبدو ناقصاً. بينما يرى التيار في موقف بري «رفضاً مسبقاً لأي خطّوة يقترحها التيار حتى لا يُمنح «العهد» أي إنجاز»

لماذا خطة الطوارئ منطقية أكثر من الخطّة الأصلية؟

الخطة تعالج مسألة موضعية في ظل غياب المعالجات الاستراتيجية. التي كانت تركّز على زيادة القدرة الإنتاجية، بينما المشكلة الحقيقية الحالية في ملف الكهرباء هي مشكلة تمويل. لذا، فإن اقتراح خطّة تعالج القدرة التشغيلية بدلاً من التركيز على القدرة الإنتاجية، هو مسار أوضح في ظل الأزمة الراهنة. فعلى افتراض أنه جرت زيادة القدرة الإنتاجية (بسحر ساحر) إلى 3000 ميغاوات بدلاً من 1400 ميغاوات حالياً، لكن لا وجود للأموال المطلوبة لتشغيل وحدات إنتاج بقدرة تفوق 400 ميغاوات، فنكون عندها أمام هدر موصوف. لذا، من المنطقي أن يكون المطلوب تشغيل الـ1400 ميغاوات المتوافرة لدى لبنان، أو نسبة كبيرة منها. وهذا يتطلب نحو 130 مليون دولار شهرياً ضمن دورة زمنية تبلغ 390 مليون دولار كل 3 أشهر. وبالفعل، هذا ما اتفق عليه وزير الطاقة وليد فياض مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هذا الأخير أبلغ فياض أنه ينوي وقف تمويل استيراد البنزين على سعر صيرفة علماً بأن 85% من واردات البنزين مموّلة بهذه الطريقة وبقيمة شهرية تفوق 130 مليون دولار. لكن سلامة وافق على أن يخصّص مؤقتاً هذه الـ130 مليون دولار من أجل زيادة القدرة التشغيلية للمعامل القائمة والتي يتم تشغيلها حالياً بأقل من 30% من قدرتها الفعلية. وهذا الأمر سيكون في انتظار مجريات عقود استجرار الكهرباء من الأردن، واستيراد الغاز من مصر. لكن الأمر يتطلّب أيضاً تمويلاً بالليرة اللبنانية، أي زيادة التعرفة. وهذه الزيادة ستكون حاصلة حكماً في أي وقت تتم فيه زيادة التغذية بالتيار الكهربائي إلى ما بين 8 ساعات و10 ساعات يومياً بحسب ما ورد في خطّة الكهرباء التي أقرّها مجلس الوزراء. زيادة التعرفة ستؤمن إيرادات كافية لتحويلها كل 3 أشهر إلى دولارات عبر مصرف لبنان لتسديد ثمن الفيول أويل المستورد.

رغم وضوح هذا المشهد، إلا أن الرئيس برّي لديه وجهة نظر مختلفة. وتقول مصادر عين التينة: «نحن لم نرفض خطّة الطوارئ، بل الخطّة هي غير منجزة بالكامل، وليس لدى الوزير تصوّر جاهز. كل ما على وزير الطاقة فعله، هو عرض الخطّة على مجلس الوزراء ونيل موافقته وعلى هذا الأساس نتخذ قرارنا».

وعما إذا كان هذا الرفض يتعلّق بالخلاف السياسي القديم ما بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، أشارت المصادر إلى أنه «لا مشكل سياسياً أبداً». لكن التذرّع بوجود خطّة منقوصة يفترض أن تكتمل لتعرض على مجلس الوزراء، هو أمر يناقض فكرة «خطّة الطوارئ» من أساسها. فالفكرة تقوم على أنه خلال وقت قصير سينتهي العقد الموقع بين لبنان والعراق لاستيراد كميات محدودة من الفيول أويل لا تكفي لتشغيل المعامل أكثر من ثلاث ساعات حالياً. بالتالي سنصل إلى العتمة الشاملة التي سيكون اعتماد الناس الأكبر فيها على مولدات الأحياء. وسعر الكيلوات الواحد لدى هذه الأخيرة يبلغ 50 سنتاً، بينما سعر الكيلوات المقترح في خطّة الطوارئ سيكون 27 سنتاً. لذا، سيكون لبنان أمام خيار العتمة الشاملة والاعتماد على المولدات حصراً، في مقابل خطّة الطوارئ.

في الواقع، تأتي معارضة بري لرفع تسعيرة فاتورة الكهرباء رغم موافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عليها، وموافقة حاكم مصرف لبنان على تأمين التمويل اللازم لتشغيل المعامل. إذ كان وزير الطاقة قد تبلغ من سلامة أنه ينوي وقف تمويل استيراد البنزين عبر منصّة صيرفة وترك الأمر للشركات لتحصل على الدولارات من السوق الحرّة. وأن قيمة المبالغ التي كانت مخصصة لاستيراد 85% من كميات البنزين تبلغ 150 مليون دولار. سوف يصرفها البنك المركزي لمصلحة إنتاج الكهرباء. واتفق على أن يخصّص 130 مليون دولار عبر منصّة صيرفة حتى يتم استخدامها في خطّة الكهرباء. على أساس أنها حالة مؤقتة تتوقف عند توقيع عقود استيراد الغاز المصري، واستجرار الكهرباء من الأردن.

أما إنجاز هذه العقود بصورة عملية، فهو أمر يتطلّب موافقة الولايات المتحدة الأميركية على منح الجانبين المصري والأردني والشركات الخاصة فيهما، إعفاءات من قانون قيصر الخاص بالعقوبات على سوريا. وهذا أمر يحتاج إلى توافق إضافي مع البنك الدولي الذي يفترض به توفير تمويل هذه العملية. إذ يتوقع بعد إنجاز العقود بين لبنان والبلدان المعنية، أن ترسل نسخ منها إلى البنك الدولي لتقييم وتحديد خطّة التمويل. ثم يقوم البنك الدولي بإرسال خطّة التمويل إلى الإدارة الأميركية للاستحصال على موافقتها وعلى الإعفاءات اللازمة من وزارة الخزانة.
حتى الآن، أنجز العقد مع الحكومة الأردنية اتفاقية استجرار الكهرباء عبر الشبكة السورية. ويتوقع أن يوقع لبنان ومصر، يوم الثلاثاء المقبل، اتفاقية توريد الغاز المصري إلى سوريا عبر الأردن، ثم من سوريا سيتم توريد كميات مماثلة من حقول منطقة حمص، بواسطة خطّ الأنابيب بين البلدين، إلى معمل دير عمار في الشمال. وتتضمن الاتفاقات بين مصر والأردن من جهة، وبين سوريا من جهة ثانية، بدل مرور الكهرباء أو الغاز عبر أراضيها في اتجاه لبنان، على قاعدة أن سوريا لن تحصل على أموال نقدية بل على كميات عينية من الغاز والكهرباء تمثل نحو 11% من الكمية المتفق على توريدها.

هنا أصل المشكلة في هذا المسار كلّه، أي العقوبات على سوريا والإعفاءات الأميركية المطلوبة. لكن وزير الطاقة، سبق له أن بحث الأمر مع المسؤول الأميركي المعني بالطاقة عاموس هوكشتين خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. وقد تبلغ فياض من هوكشتين، بحضور السفيرة الأميركية أن واشنطن ستدعم المساعي لإنجاز الموافقة من وزارة الخزانة ومن البنك الدولي. وتقول المصادر، إن هوكشتين طلب من فياض الإسراع في توقيع الاتفاقات وإرسال نسخ من العقود إلى واشنطن، واعداً بأن يتولى هو شخصياً مهمة التسريع في العملية.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةحوكمة الموارد الطبيعية: انسوا الغاز
المقالة القادمةمولّدات الضاحية تعيد حساباتها: نعم للعدّادات