رغم كل الاوضاع الامنية المضطربة جنوباً وانخراط لبنان في الحرب واستمرار الفراغ الرئاسي، يبدو مستغرباً كيف ان سعر الصرف مقابل الليرة يحافظ على استقراره منذ ما يزيد عن 9 اشهر، ما يدعو للتساؤل هل ان سعر الصرف المعتمد 89500 ليرة هو سعر وهمي ام حقيقي؟ وتالياً هل ان قيمته أعلى أو أدنى؟
أبدت بعثة صندوق النقد الدولي في زيارتها الاخيرة الى لبنان ارتياحها للاستقرار النقدي المحقّق والمستمر منذ الخريف الماضي، لا سيما انه لا يأتي على حساب الاحتياطي الالزامي كما سبق واعتمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في سياسته النقدية والمالية على مدى سنوات، إنما على العكس فقد ترافق هذا الاستقرار مع ارتفاع في اموال الاحتياطي. فما هي هذه الخلطة الهندسية السحرية التي تمكنت من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد؟ وهل يأتي هذا الاستقرار على حساب المودع من حيث لا يدري، خصوصاً اذا ما تبيّن ان سعر الصرف هو أعلى من قيمته الحقيقية؟ وماذا ينفع الابقاء على سعر 89500 ليرة للدولار ولمصلحة من؟
في السياق، يقول الاقتصادي بيار الخوري لـ«الجمهورية» ان سعر الصرف الحالي هو وهمي وحقيقي في الوقت نفسه، حقيقي لأنه السعر الذي يتوافق مع آخر سعر صرف اعتمد في السوق السوداء قبل انسحاب المركزي من السوق، ومذّاك يتحرك بهامش لا يزيد عن 100 او 200 ليرة. وتالياً يمكن القول ان الضخ الكثيف لليرة اللبنانية الذي كان يعتمده المركزي في مرحلة سابقة أدى الى انهيار سعر الصرف، بينما انسحابه من السوق ادى الى تهدئة الوضع، فلو أتى انسحابه بوقت أبكر، تاركاً المجال للعناصر الاقتصادية ان تؤدي دورها، ربما ما كان وصل سعر الصرف الى 90 الفاً ولا حتى الى 140 الفاً.
تابع خوري: أما سعر الصرف فهو وهمي لأنه مُثبت بقرار وغير متروك لعناصر السوق، صحيح ان المركزي ما عاد يتدخل في السوق طابعاً لليرة، انما يتدخل شارياً للدولار. وتساءل: هل كان ممكناً منذ عام الى اليوم تراجع سعر صرف الدولار في ظل توقف المركزي عن طبع الليرة؟ نعم بكل تأكيد، لذلك نقول ونؤكد ان السعر المعتمد اليوم هو وهمي. اضاف: ان ارتفاع فائدة الانتربنك على الليرة والتي وصلت الى 120% و 130% يدل على ان هناك طلباً على الليرة وكان يجب ان ينعكس هذا الامر تراجعاً في سعر الصرف، الا ان المصرف المركزي لم يسمح بذلك وأصرّ على تثبيته على سعر 89500 ليرة.
لماذا يشتري المركزي الدولار؟
وبرّر الخوري تدخل المركزي بالسوق شارياً للدولار لسببين إمّا لرفع احتياطيه من النقد الاجنبي، وامّا لتأمين دولارات تلبية لنفقات الدولة ما حال دون تسجيل اي انخفاض اضافي بسعر صرف الدولار. وأسِف لأنّ هذا التوجه أتى على حساب ثروات الناس ومن خلال الضرائب غير العادلة التي فرضت في موازنة 2025، لافتاً الى ان تراجع سعر الصرف، لو حصل، لكان انعكس ايجاباً على مستوى الاجور وتعويض المودعين وتعويض الثروات التي ضاعت.
واعتبر الخوري ان ما حصل في الاعوام 2022 و 2023 هو انهيار خيالي وغير مبرر ولم يُسمح حتى الان ان يحصل اي توازن حقيقي لسعر الصرف، بل هناك قرار بتثبيته على هذا المعدل لعدة اسباب منها الحفاظ على قيمة الودائع بالليرة، الابقاء على قيمة ديون الدولة بالليرة، والابقاء على مستوى الدخل.
ضخ متعمّد لليرة؟
الى ذلك، لم يستبعد الخوري ان يكون الاسلوب الذي اعتمد في الفترة السابقة من ضخ لليرة في السوق متعمّداً لأنه جاء ليلبّي مجموعات من المصالح الخاصة اعتاشت من هذا الانهيار، فعلى سبيل المثال لا الحصر انّ منصة صيرفة كانت بوابة استفادت منها مجموعات من المصالح الخاصة على مدى سنتين على حساب الليرة، كذلك تعاظمت بعض المصالح عبر بوابة «طبع الليرة» والمضاربة عليها، وأتت «خطة الدعم» تلبية لبعض المصالح ونتكلم هنا عن مبالغ أُهدرت تتراوح ما بين 7 و 14 مليار دولار صُرفت على الدعم الوهمي استفادت منها المصالح الخاصة. وللأسف انّ هذه المصالح الخاصة لا تزال تعمل وتسيطر حتى اليوم ويظهر ذلك جلياً من خلال أزمة الطوابع واحتكارها وبيعها في السوق السوداء في حين تعجز الدولة عن اعتماد الطابع الالكتروني…
ما هو سعر الدولار الحقيقي؟
ورداً على سؤال عن السعر الحقيقي للدولار، قال خوري: من قرابة العام، أي قبل اندلاع حرب غزة، قلت ان السعر الحقيقي للدولار يتراوح ما بين 50 الى 60 الفاً، اما اليوم فلا يمكن تقديره مرجّحاً ان يكون حوالى 70 الفاً. وقال: لمعرفة السعر الحقيقي للدولار يجب تحريره كليّاً بحيث لا يتدخل المركزي لا بائعاً ولا شارياً للدولار. أضاف: بما ان سعر الدولار لا يتحرك صعوداً ولا نزولاً، فهذا يعني ان هناك قراراً بتثبيته مهما زاد عرض الدولارات. وعَزا هذا التثبيت المتعمّد كي لا تضطر الدولة الى رفع مستوى المعاشات، وتجنّباً لتعاظم دينها بالليرة اللبنانية مجدداً، فديونها بعدما كانت مُحتسبة على دولار 1500 ليرة، باتت محررة اليوم وفق سعر صرف 90 الفاً، ما أمّنَ لها وفراً يقدر بنحو 5600%، اي ما يوازي نحو 94% من قيمة الدين. وعليه، انّ اي تحسّن بالليرة سيؤدي الى رفع قيمة الدين بالليرة على الدولة مجدداً، ويؤدي الى ارتفاع قيمة سندات الدين وهذا ما لا تتمناه.