لوبي تشريعي لقوننة إصدار فئات جديدة من العملة؟

ما إن أرست محلات بيع المواد العذائية والسوبرماركت في الأسبوع الماضي قاعدة تسعير البضائع بالدولار، حتى كرّت السبحة على سائر المنتجات، وصولاً حتى إلى أصغر الخدمات المقدّمة. صحيح أنّ وقع السعر بالدولار قد يبدو أقلّ وطأة على مسامع المستهلك، إلا أنّ الحقيقة تكمن في أنّ الدولار الواحد فاق بسعره في اليومين الماضيين أعلى فئة في العملة الوطنية، أي المئة ألف ليرة. وفيما منحاه التصاعدي المستمرّ ترك إنطباعات بأنّ سعر السوق السوداء يسير بوتيرة سريعة لتسجيل أرقام قياسية جديدة في الأيام المقبلة، لفتت في الآونة الأخيرة نزعة الناس الى عدم تبديد دولاراتهم، في مقابل امتناعهم عن قبول أي مبلغ بالليرة اللبنانية.

هذا الواقع أضاء عليه أيضا النائب ميشال ضاهر إثر إتصالات قام بها مع عدد من نواب الكتل المعارضة لعقد جلسة تشريعية، حيث أعرب عن خشيته من زوال الليرة اللبنانية، معتبراً أنه «عندما تصبح أعلى فئة من العملة اللبنانية لا توازي الدولار، فمعناه أنّ هذه العملة وصلت إلى الزوال»، مضيفاً «أنّ خطورة الموضوع تكمن في كون الناس لم تعد تحمل العملة اللبنانية أو ترغب بحملها في تداولاتها».

وهذا صحيح إلى حدّ بعيد حيث باتت الشكوى عارمة من حجم الكتل النقدية التي بات على الناس التعامل بها يومياً، وصار أسهل عليهم أن يسدّدوا كل مدفوعاتهم بالدولار. وهنا أيضاً يؤكّد ضاهر «أنّ هناك صرّافين ما عادوا يعدّون الأموال بل يتداولونها بالوزن، فيما الشركات الكبرى باتت ترفض التعامل بالعملة اللبنانية، وذلك ليس فقط بسبب عدم إستقرار سعر الصرف والتدهور السريع بسعر الليرة، وإنّما لكون بعض التعاملات باتت عبئاً لوجستياً كبيراً عليها». ويضيف: «تصوروا مثلاً إذا كانت هناك شركة حجم تداولاتها مليون دولار يومياً، فهي ستحتاج إلى كونتينر لنقل الأموال»، بينما هو يحذّر من أنّه «إذا لم تعد الشركات تقبل بالليرة فمعناها أنّ السوبرماركت أيضا ستحصر تعاملاتها بالدولار، وتطلب الدفع به حصراً، فمن أين يأتي إبن البقاع والشمال حينها بالدولار ليأكل ويشرب؟».

ورأى ضاهر «أنّ المشكلة الآن لم تعد محصورة بالإرتفاع الجنوني لسعر الدولار وعدم استقراره، بل بما خلّفته من عقبات لوجستية أيضاً، حيث باتت هناك صعوبة فعلية في التعاطي مع حجم الكتل النقدية المطلوبة في أي صفقة أو عملية بيع وشراء تجرى»، مشيراً إلى أنّه «إذا أراد أحدهم أن يقصد المستشفى، عليه أن يحمل حقيبة من الليرات، وإذا كانت فاتورته ألف دولار معناها أنّ عليه أن يعدّ أكثر من مئة مليون ليرة». ومن هنا إعتبر ضاهر «أنّ الحل بات يحتاج إلى علاج تقني». وبرأيه أنّه «إذا كانت تكلفة طباعة المئة الف ليرة توازي تكلفة طباعة فئة أعلى من العملة، فإنّ الأجدى طباعة هذه العملات تسهيلاً لأمور المواطنين».

إلا أنّ طباعة فئة جديدة من العملة يحتاج إلى تعديل في قانون النقد والتسليف، ولا سيّما للمادة الخامسة منه. وهذا يستوجب وفقاً لضاهر إنعقاد المجلس النيابي في جلسة تشريعية. وبينما كان ضاهر من بين النواب الذين وقّعوا عريضة ترفض عقد أي جلسة تشريعية قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، رأى «أننا إذا كنّا في أمور فوق الطبيعة غير متّفقين على عقد جلسة تشريعية معناها أنّه ليس علينا سوى الإستقالة وملازمة منازلنا».

وإنطلاقاً من هذه القناعة باشر ضاهر إتصالات مع زملائه المعارضين لعقد جلسات تشريعية، شملت وفقاً لما ذكره كلّاً من النواب جورج عدوان وإبرهيم كنعان والياس بوصعب وميشال معوض ونواب تغييريين، حيث طرح التوافق على عقد جلسة تشريعية إستثنائية يكون جدول أعمالها محصوراً ببندين وحيدين، وهما: تعديل المادة الخامسة من قانون النقد والتسليف بما يجيز لمصرف لبنان طباعة أوراق نقدية تفوق قيمتها المئة ألف ليرة، وطلب التمديد للمجالس البلدية، وخصوصاً بعدما تبين حتى الآن أن لا اعتمادات مالية تسمح بإجراء هذه الإنتخابات، ما يهدّد برأيه بحلّ المجالس البلدية لدى انتهاء ولايتها، وبالتالي الدخول في الفوضى العارمة.

ويشرح ضاهر أنّه لم يتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ليطالبه بعقد جلسة تشريعية لأنّه لا يعارض بالأساس هذه الجلسة، وإنّما تواصل مع زملائه النواب المعارضين لهذه الجلسة، والذين أوضح أنّهم متفقون بالأساس على البندين اللذين طلب بحثهما، ومشكلتهما هي مع عقد الجلسات التشريعية. وإذ يرى ضاهر أنّ موضوع المهلة الداهمة للإنتخابات البلدية يوازي بخطورته موضوع زوال الليرة، يلفت في المقابل إلى أنّ هناك إقتراح قانون في المجلس النيابي قدّمه النائب زياد حواط منذ شهر تشرين الأول من العام 2022، يهدف وفقاً للمعلومات إلى تعديل قانون النقد والتسليف من أجل السماح لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية من فئات تفوق المئة ألف ليرة. وحذّر من أنه «إذا لم يقرّ هذا القانون واستمرّ تدهور سعر العملة بالشكل الحاصل ربما نصل إلى يوم تكون فيه كلفة الطباعة موازية لحجم العملة المطبوعة».

مصدرنداء الوطن - لوسي بارسخيان
المادة السابقةما هي الصيغة القانونية الفضلى لحماية أموال المودعين؟
المقالة القادمة“الصندوق العربي للتنمية” في لبنان: جدولة الديون تمهيداً لمشاريع جديدة