مصيبة تلو مصيبة، وخديعة تليها خديعة تتناسل من رحم الأزمة المالية على حساب أموال المودعين، بصغارهم وكبارهم لا فرق، بعدما أصبح الكل سواسية أمام “حكم المصرف” الذي حجر على أموال الناس، مقيمين ومغتربين، فأخذهم رهائن بالجملة لديه واستولى على حساباتهم ليجعلها “أثراً بعد عين” ممنوعة من الصرف حتى إشعار آخر. وجديد هذه الخدائع، محاولة تدبيج إطار معلّب لعملية إعادة أصحاب المصارف أموالهم من الخارج إلى الداخل، لا للإفراج عن جنى عمر اللبنانيين بل للإطباق عليها وضمان سلامتها في خزائن المصارف في لبنان خشية الحجز عليها في الخارج.
وفي التفاصيل، حسبما كشفتها أوساط متابعة للملف المصرفي لـ”نداء الوطن”، أنّ أصحاب المال والنفوذ في البلد يعملون على إعداد “خطة جهنمية” تبدو في ظاهرها محاكاةً لطلب إعادة تعويم الملاءة النقدية في البلاد عبر استرجاع الأموال التي سبق أن أخرجتها المصارف من لبنان وأودعتها في حساباتها الخارجية، لكن في جوهر الخطة ثمة “قطبة مخفية” يتمحور حولها السبب الحقيقي وراء الرغبة بإعادة مليارات الدولارت إلى حسابات داخلية، وهو أنه بعدما تسلّطت الأضواء على هذه الأموال وتم وضعها تحت المجهر الدولي أصبحت بالتالي عرضةً لإجراءات قانونية من قبيل فرض الحجز الاحتياطي عليها لصالح المودعين في حال تدحرج حجر الدعاوى القضائية ضد أصحاب المصارف لتسلك طريقها نحو المحاكم الدولية.
ومن هنا، تشير المعلومات إلى أنّ المصارف ومن باب تدارك هذا الخطر، سارع القيّمون عليها إلى وضع خطة تقضي بالحصول على “شبكة وعود وضمانات” تشمل المصرف المركزي والسلطتين التشريعية والتنفيذية لقوننة منع المساس بالأموال المستعادة إلى لبنان وعدم تقييد حركتها بما في ذلك إبقاء الباب مفتوحاً على إمكانية إعادة إخراجها من البلد في حال اقتضت مصلحة أصحاب المصارف ذلك… وهو ما سيصار إلى تغطيته تحت عنوان عريض: “تشجيع المستثمرين على ضخ السيولة في لبنان”.
أما في جديد التطورات المتعلقة بطلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منح المصرف المركزي “صلاحيات استثنائية موقتة”، فأوضحت مصادر معنيّة لـ”نداء الوطن” أنّ هذا الطلب الذي ضمّنه سلامة كتابه بهذا الصدد إلى رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني “دونه عقبات جوهرية ومن الصعب أن يسلك طريقه إلى التطبيق”، ولفتت في هذا السياق إلى وجود “لوبي نيابي” يعمل على التصدي لمنح سلامة أي صلاحيات استثنائية، مشيرةً إلى أنّ “لجنة الإدارة والعدل النيابية عقدت اجتماعاً مطولاً الثلثاء بحضور وزير المال السابق علي حسن خليل، وتم خلاله التداول في كتاب سلامة الذي كان قد أرسله أيضاً في 11 كانون الثاني الفائت إلى خليل طالباً منحه صلاحيات استثنائية لإدارة الأزمة”، وكشفت المصادر أنه “في محصلة النقاش أبدى أغلبية أعضاء اللجنة النيابية رفضهم القاطع لإعطاء حاكم المصرف المركزي أي صلاحيات استثنائية على اعتبار أنّ سياسته المالية والمصرفية هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من تأزّم اليوم”.
ورداً على الكتاب الذي تسلّمه دياب من سلامة بهذا الخصوص، نقلت المصادر عن أعضاء لجنة الإدارة والعدل تأكيدهم خلال الاجتماع أنّ “الحكومة لا يمكنها أن تعطي صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان وفق البنود التي طالب بها بل تحتاج حكماً إلى تشريع قانوني من مجلس النواب”، فكان تشديد في المقابل على أنّ “لجنة الإدارة والعدل لن تسير بأي تشريع في هذا الإطار بل المطلوب من الحكومة نفسها أن تقدّم سياسة نقدية شاملة مع برنامج زمني تلتزم به، وعندها إذا كان التشريع يدعم الخطة فلن يتأخر مجلس النواب في إقرار القوانين اللازمة إذا دعت الحاجة الوطنية، ولكن على أن يكون ذلك محكوماً بإطار زمني محدّد وأن يأخذ أي تشريع بعين الاعتبار أولوية مصلحة المودعين، لا سيما الصغار منهم بشكل لا يفتح أي مجال للمسّ بودائعهم”.