يناقش مجلس الوزراء اليوم تمديد عقد ليبان بوست لعشرين سنة إضافية. التعديلات على العقد محدودة، لكنّ أبرزها يتعلق برفع نسبة الدولة من العائدات، وإيجاد حلّ للمقاصة العالقة منذ عشرين عاماً. في المقابل، لا يبدو أن للوزارة رؤية لمستقبل القطاع. الأمر متروك للشركة وللمساهمين فيها، بالرغم من أن 40 في المئة منهم مجهولون
البند الأول على جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم يتعلق بطلب وزارة الاتصالات الموافقة على تمديد مدة اتفاقية إعادة تأهيل البريد في لبنان. تفاصيل الطلب بسيطة. المطلوب تمديد عقد «ليبان بوست»، الذي مرّ على توقيعه 20 عاماً، 20 سنة إضافية. لا مناقصة ولا مزايدة ستجري، بل تعديل محدود على العقد، ثم يبقى الوضع على ما هو عليه.
بالنسبة إلى مصادر «ليبان بوست»، ليس في الأمر تمييز لشركة على أخرى. فـ«بشهادة كل المؤسسات الدولية، خدمات ليبان بوست من الأفضل في العالم، أما الأسعار التي يدفعها المواطن، فليست كبيرة وفقاً للمقاييس العالمية». هذه رسالة واضحة إلى من يعتبر أن في الصفقة أرباحاً طائلة: خدمات البريد في العالم تخسر. لذلك، صارت المصارف تملك شركات البريد، في سعي منها لتعويض خسائرها. لكن، لماذا تريد «ليبان بوست» الاستمرار في الاستثمار في قطاع خاسر؟ يقول رئيس مجلس إدارة الشركة خليل داود، إن هذه خدمة تؤمن وظائف لـ1050 موظفاً، وما نربحه من خدمات البريد، مبلغ زهيد، مقارنةً بتوظيف الأموال في البنوك على سبيل المثال. مصادر مطلعة تقدّر مجموع الإيرادات في عام 2018 بنحو 45 مليار ليرة، حصة كل من الشركة والدولة منها لا تتخطى ملياري ليرة. يرفض داود تأكيد الأمر أو نفيه، مشيراً إلى أن هذه معلومات سرية. لكن مهما كان المبلغ، فهو يؤكد أنه زهيد، ولذلك فالتعويض بالنسبة إلى الشركة يكون من خلال الخدمات الإضافية التي تقدمها، إضافة إلى التجارة الإلكترونية التي تزدهر باطّراد، والتي تسعى الشركة للاستفادة منها، خاصة في وجود الموارد البشرية اللازمة لذلك.
مشروع العقد الجديد يرفع حصة الدولة من 5% من العائدات إلى 10%
المشكلة الأكبر التي تواجه الشركة منذ إنشائها تتعلق برفض الدولة إجراء المقاصة معها. هذا يعني أن الدولة لم تحصل يوماً على حصتها من الشركة، وهذا يعني أن الشركة لم تحصّل يوماً ثمن الخدمات التي تقدمها إلى الوزارات والمؤسسات العامة. الشركة قدمت مراراً طلبات لإيجاد حل لهذه المعضلة، إلا أن الجواب كان دائماً سلبياً. ثمة قلق دائم من توقيع جداول الحسابات، من قبل المعنيين في وزارة المالية. ولان إيجاد حلّ لمسألة المقاصة كان في سلّم أولويات وزارة الاتصالات، إضافة إلى مسألة تمديد العقد، طلب وزير الاتصالات السابق تفويضاً من مجلس الوزراء للتفاوض مع الشركة بشأن احتساب الفارق بين مستحقاتها من الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، لقاء نقل بريد هذه المؤسسات، وبين مستحقات وزارة الاتصالات من الشركة (إجراء المقاصة). وكان له ما أراد في 26 نيسان 2018. أنجز وزير الاتصالات السابق جمال الجراح المهمة، فاتفق مع الشركة على رفع حصة الدولة من 5 في المئة من مجمل العائدات البريدية إلى 7.5 في المئة كحد أدنى (شطر الدخل الذي يصل حتى 20 مليون دولار). واتفق معها أيضاً على تخفيض رأس المال من 20 مليون دولار إلى مليون دولار، بحجة أن الشركة قامت باستثمارات في الأصول الثابتة وغير الثابتة تزيد على 20 مليون دولار. كذلك اتُّفق على أن تستثمر الشركة مبلغاً حده الأدنى 10 ملايين دولار خلال مدة العقد (التمديد الرابع) يخصص لتطوير الخدمات البريدية والخدمات الجديدة وللإنفاق الاستثماري. ورفع الجراح قيمة البدل الذي تدفعه الشركة لوزارة الاتصالات مقابل استعمالها مركز بيروت للفرز في مطار بيروت ومركز رياض الصلح، إضافة إلى المراكز المستأجرة من قبل الإدارة بنسبة 10 في المئة، لكنه أبقى على حق الشركة في إشغال المكاتب المملوكة من الإدارة من دون مقابل.
مع انتقال الملف إلى الوزير محمد شقير، نتيجة عدم طرح الموضوع على النقاش في آخر جلستين عقدتهما الحكومة السابقة (كان البند مدرجاً على جدول الأعمال)، أعاد التفاوض مع الشركة على شروط العقد، فتبنى أغلب ما سبق أن أقره سلفه، مع تعديله حصة الدولة من الخدمات البريدية، رافعاً إياها، على الشطر الأول، من 7.5 في المئة (بحسب اقتراح الجراح) إلى 10 في المئة.
أما في الشق المتعلق بتسوية الحسابات العائدة إلى السنوات من 2001 إلى 2015 ضمناً، فكان التوافق عليه أيضاً وفقاً للتقارير والجداول المنظمة من قبل مدقق الحسابات المعين من قبل وزارة الاتصالات ومن مدققي الحسابات المعينين من قبل ليبان بوست («أرنست أند يونغ» و«سمعان، غلام وشركاهم»). وقد تبين بالنتيجة أن على ليبان بوست 961 مليون ليرة فقط للوزارة. مع الإشارة إلى أن هذا الإبراء لا يشمل الضرائب والرسوم واشتراكات الضمان المستحقة على الشركة. كذلك اتُّفق على تسوية حسابات المالية من 2016 إلى 2018 وفقاً لآلية تدقيق سبق أن اتُّفق عليها.
بعد 15 سنة… للدولة مليار ليرة في ذمة الشركة
كل هذه النقاط سيكون على مجلس الوزراء حسمها، موافقةً أو رفضاً، اليوم. علماً أنه في حال تمديد العقد، ثمة اقتراح لحلّ مسألة المقاصة، يقضي بإصدار طوابع بريدية خاصة بالوزارات والإدارات العامة، على أن تُجرى المحاسبة بين الشركة ووزارة الاتصالات على أساس ما تستهلكه الدولة من الطوابع ذات الإصدار الخاص. وإذ يتبين أن المدير العام للبريد محمد يوسف، قد وافق على اقتراح إصدار الطوابع البريدية، إلا أن في الكتاب المرسل من قبله إلى وزير الاتصالات في 9 آذار 2018، الكثير من الملاحظات التي لم يؤخذ بها. في الأساس، هو يذكّر بأن المديرية لم يسبق أن اطلعت على العقد الحالي ودراساته وتعديلاته قبل صدوره. تلك واحدة من الإشكاليات التي رافقت الملف منذ بداية الألفية. فإقصاء الإدارة المعنية بالقطاع عن التدخل في مصيره، جاء متناغماً مع مساعي إعلاء المصالح السياسية على المصلحة العامة. وهنا لا بد من الإشارة إلى تعديل أخير في العقد يتعلق بالمساهمين. يشير البند 2 إلى الإجازة لليبان بوست إدخال مساهمين جدد يحلّون محل كامل المساهمين الحاليين أو بعضهم على النحو الآتي: تملّك مجموعة سرادار أغلبية الأسهم (بما لا يقلّ عن 50 في المئة)، ناقصةً سهماً واحداً، تملّك رئيس مجلس الإدارة الحالي خليل داود، نسبة 10 في المئة، ناقصةً سهماً واحداً، تملّك مجموعة مساهمين جدد أربعين في المئة من رأس مال الشركة بواسطة شركة هولدينغ لبنانية قيد التأسيس. ما هي هذه الشركة، ومَن أصحابها؟ لا جواب.