إنعكست الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سادت في لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 سلباً على القطاع المصرفي. فأزمة الثقة التي تعرض لها والتي ترافقت بقية الأزمات… كبّلت يديه طيلة العام. فهل ينجح هذا العام في لملمة الفوضى؟
الخيارات التي تبدأ وتنتهي مع “إعادة الهيكلة” تتطلب من المصارف الإختيار بين الإحتمالات التالية: إما الدمج، أو التصفية، أو تعيين مدراء جدد، أو إعلان الإفلاس. ففي 16 تموز 2020، أعلن مصرف لبنان إنشاء “لجنة إعادة هيكلة المصارف” التي من شأنها أن تقوم بدراسة التعديلات المقترحة على القرار الأساسي رقم 12713 الصادر في تاريخ 7 تشرين الثاني 2017، والقرار الأساسي رقم 6939 الصادر في 25 آذار 1998، ودراسة اقتراح هيكلة المصارف اللبنانية، واقتراح التعديلات الضرورية على الضوابط الاحترازية (Prudential Regulations) لعمل المصارف، بالإضافة إلى دراسة الأداء المالي للمصارف اللبنانية واقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع المصرفي. وأضاف القرار بأنه في حال تعارضت هذه المهام مع أية مهام واردة في مذكرات سابقة تُعتمد المهام الجديدة. ولفت إلى أن اللجنة تجتمع بدعوة من رئيسها وترفع تقاريرها واقتراحاتها عبر رئيسها الى الحاكم، مشيراً إلى أنه يُعمل بالمذكرة الإدارية فور صدورها.
بدوره، يؤكد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الابحاث لدى “بنك عوده” الدكتور مروان بركات، “أهمية إصلاح القطاع المصرفي بجهود إعادة الهيكلة لتعزيز وضعيته المالية وحوكمته وقدرته على مواجهة الضغوط”. ويوضح أن “المطلوب أولاً وقبل كل شيء هو توحيد إجراءات ضبط حركة الأموال بموجب مشروع قانون “كابيتال كونترول” Capital Control، يعتمده مجلس النواب من أجل ضمان معاملة عادلة ومنصفة لجميع الزبائن، وخفض الاستنسابية بين المصارف، والحدّ من المخاطر القانونية إزاء القطاع المصرفي”. ويشدد بركات على “ضرورة إعادة الهيكلة. إذ انه في ظل وجود قطاع مصرفي يتجاوز حجمه 3 مرات الناتج المحلي الإجمالي، من الطبيعي القول إن بُعد القطاع المصرفي اللبناني ضخم بالمقارنة مع بُعد الاقتصاد الوطني”. ويضيف: “في الواقع، يُعتبر القطاع المصرفي اللبناني أحد أكبر القطاعات في العالم من حيث نسبة الأصول المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن حجم هذه الأصول المصرفية أكبر مما هو مطلوب لتحقيق تمويل الاقتصاد المنتج. من هنا، يجب أن يتقلّص إجمالي أصول القطاع المصرفي في لبنان إلى حوالى 150% من الناتج المحلي الإجمالي، بُعيد إعادة الهيكلة تماشياً مع البلاد ذات البنى الاقتصادية المشابهة للبنان”.
إعادة رسملة المصارف
وفيما يحاول مصرف لبنان إنعاش الاقتصاد المحلي إثر الازمة التي طالت مختلف قطاعات البلد، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً طلب من المصارف ان تزيد من اموالها الخاصة، اي رساميلها، بنسبة 20% وإعادة تكوين سيولة في الخارج تصل الى 3% من الودائع بالعملات الأجنبية حتى نهاية شباط 2021. وأفاد سلامة أن المصارف اللبنانية غير القادرة على زيادة رأسمالها، يجب ان تخرج من السوق.
وفي هذا السياق، يؤكد بركات على أهمية هذه التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان قائلاً إننا “نعتقد ان المصارف التي لها تواجد في الخارج هي من تتمتع بالقدرة الأكبر على ملاقاة هذه المتطلبات من خلال بيع المؤسسات التابعة لها في الخارج”. وتابع: “يجدر الذكر ان 18 مصرفاً لبنانياً لها تواجد في الخارج في 32 بلداً مع موجودات اجمالية تناهز 37 مليار دولار”.
فهل يمكننا الجزم بأن المصارف ستعاود حركتها الطبيعية ابتداءً من شهر آذار وسيتمكن اللبنانيون من استعادة ودائعهم؟
رغم المعايير الجديدة التي وضعها سلامة، لا يعتبر موضوع استعادة الودائع مهمة سهلة في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان. فمَن أخرج أمواله من المصارف لن يعيدها، ولن يكون هناك اي تجديد من قبل المستثمرين في هذا القطاع بعدما فقدوا الثقة به.
ويبدو ان حاكم مصرف لبنان يحاول إنقاذ القطاع المصرفي كي “يقف على قدمَيه” مجدداً، إذ انه لا يرغب بوقوع “مجزرة مصرفية” تسفر عن خروج مصارف عدة من السوق. لذلك سهّل الحاكم على المصارف عملية اعادة الرسملة المطلوبة بحيث تمّ افراغها من بعض ادواتها وأهدافها، وباتت تسمح للمصارف بتحويل بعض الودائع الى أسهم. هذه العملية لن تؤدي الى زيادة السيولة في المصارف، إنما الى تقليص حجم التزامات المصارف لصالح المودعين مقابل تحقيق زيادة دفترية في الرساميل المصرفية. هذا وفتح الحاكم المجال امام بيع هذه الأسهم وتحويل مردودها الى الخارج في حال تمّ بيعها لطرف خارجي. وتسمح ايضاً هذه التعاميم بإعادة تقييم العقارات الموجودة أساساً لدى المصارف. كما تسمح لمساهمي المصارف بتقديم موجودات عقارية بدل تقديم سيولة إضافية. وفي الحالتين، يتوجّب على المصارف تسييل العقارات لاحقاً لتصبح قابلة للاستعمال.
بالتالي، لن تساهم هذه التعاميم فعلياً في إعادة رسملة المصارف، إذ لا تغيير في سيولة المصارف وإمكانياتها على تسديد التزامات المودعين. وعلى الرغم من أن سلامة كان قد أكّد ان ودائع اللبنانيين موجودة في المصارف، يبقى مصير الودائع مجهولاً وإلى المزيد من التعقيد في الأيام القادمة.