تتحضّر الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها ووزيري البيئة والزراعة للمشاركة في المؤتمر الدولي من أجل دعم “سكان لبنان وسيادته”، المرتقب انعقاده في العاصمة الفرنسية باريس اليوم الخميس، وسط آمال خجولة بالخروج من المؤتمر بسلّة قرارات تتناسب وحجم الحرب التي تُغرق لبنان بوحولها (راجع “المدن”). وإذا كان البعض يعلّق آمالاً كبيرة على ما سينتج عن مؤتمر باريس من توصيات سياسية ودعم مالي وربما عيني، إلا أن الواقع لا يشي بالكثير. ويرى البعض أن المؤتمر يأتي في وقت غير مناسب إذ يفتقد لخارطة طريق سياسية وضغوط جدّية باتجاه وقف إطلاق النار، من شأنها ان تنعكس تلقائياً على حجم وطبيعة المساعدات والدعم الدولي للبنان.
وعلى الرغم من المساعي اللبنانية الرسمية لتوسيع مروحة الإتصالات مع رؤساء الوفود المشاركة لتأمين أكبر قدر ممكن من الدعم والمساعدات للبنان في هذه المرحلة الصعبة غير أنه من غير المأمول أن يرفد مؤتمر باريس المرتقب انعقاده في 24 تشرين الأول إلى لبنان ما خرجت به مؤتمرات باريس السابقة (باريس 1 عام 2001 وباريس 2 عام 2002 باريس 3 عام 2007). لكن هول المعركة التي يواجهها لبنان على مستوى الحرب مع إسرائيل والاقتصاد المنهار تدفعه إلى بذل الجهود لتحقيق بعض المكاسب وإن كانت لا ترقى بقيمتها لمستوى الحاجات، شرط أن يسبقها قرار وقف لإطلاق النار.
آمال ضئيلة
وإذ يستبعد الكثيرون أن يحرز المؤتمر تقدّماً ملحوظاً في اتجاه وقف إطلاق النار، يقول مصدر مقرّب من الوفد اللبناني المرافق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى باريس، بأنه وإن كانت الآمال ضئيلة بالنتائج الفعلية للمؤتمر إلا أن الوفد اللبناني سيحمل معه مطالب تندرج تحت عنوانين اثنين الأول يتعلّق بالمساعدات المالية والعينية لدعم الشعب اللبناني والتخفيف من أزمة النزوح وتداعيات الحرب والثاني يتعلّق بتمكين القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني إلى جانب المطلب الجوهري وقف إطلاق النار. ويُعرب المصدر في حديثه إلى “المدن” عن آمال الوفد اللبناني بأن يثمر المؤتمر مشاركة عربية وأجنبية واسعة إلى جانب الدول الشريكة للبنان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الإقليمية والدولية، وإن كانت المعطيات لا تشي بنتائج سخيّة.
ويلمح المصدر إلى أن الشكوك المحيطة بنتائج المؤتمر مردها إلى التنافس وربما الخلاف الفرنسي الأميركي حول الملف اللبناني، الذي من شأنه أن يفرمل عملية ضخ المساعدات من قبل الدول المانحة ومنها التقليدية كدول الخليج، لاسيما أن الأخيرة صرفت اهتمامها عن الملف اللبناني في السنوات الماضية.
عملياً وبعيداً عما إذا كانت عمليات الإغاثة والدعم التي سيخرج بها المؤتمر مقرونة بشروط سياسية، سيرفع الوفد اللبناني وعلى رأسه الرئيس ميقاتي مجموعة مطالب تحت مظلة دعم الشعب اللبناني والجيش. وكان ميقاتي قد أعلن عبر وكالة الأنباء الفرنسية بأنه سيطلب “مساعدة إنسانية ومساعدة أمنية للجيش وقوى الأمن الداخلي، مبدياً استعداده لتعزيز عديد الجيش في الجنوب”.
تداعيات الحرب أمام المؤتمر
وبحسب المعلومات فإن وزير البيئة ناصر ياسين المرافق لرئيس الحكومة إلى مؤتمر باريس، يحمل معه سلة ملفات تحتوي تقاريراً صادرة عن وزارات الإتصالات والزراعة والصحة وغيرها من القطاعات المتضررة من الحرب مدعّمة بأرقام الخسائر والأضرار المباشرة وغير المباشرة اللاحقة بها. ومن المقرّر أن يتشارك الوفد اللبناني مع الجهات المانحة الدولية بتلك التقارير لتحقيق أفضل الممكن من المؤتمر.
وقد أعدّت وزارة الاتصالات تقريراً عن حجم الخسائر التي مُنيت بها هيئة “اوجيرو” وشركتي الخليوي “ألفا” و”تاتش” خلال الحرب، حيث تم تقديرها بنحو67 مليون دولار، وتم تسليم التقرير إلى الوزير ياسين الذي سيقوم بعرضه في مؤتمر باريس. كما أعدت وزارة الزراعة وثيقة الى المؤتمر تسلط فيها الضوء على تحديات الأمن الغذائي وتؤكد تدمير 68 في المئة من الأراضي المزروعة بسبب القصف الإسرائيلي.
ويتصدّر تقرير الوفد اللبناني إلى مؤتمر باريس تحدّيات القطاع الصحي والضغوط المالية التي يتعرّض لها إلى جانب التعرّض المباشر وغير المباشر للإستهداف الإسرائيلي ولاعتداءات على الجسم الطبي والمستشفيات والمسعفين وسيارات الإسعاف، ليُضاف كل ذلك إلى الخسائر البشرية التي بلغت (حتى يوم الثلاثاء الفائت) 2546 شهيداً و11862 جريحاً. وبحسب المصدر فالقطاع الصحي يحتل أولوية الحاجات ويبقى المسألة الملحّة إلى جانب الشق الأمني، بصرف النظر عما يمكن ان يسفره مؤتمر باريس.
وإذ يكشف المصدر عن توجّه الجانب اللبناني لطلب قرابة مليار دولار لتمويل وتمكين الجيش اللبناني والقوى الأمنية وما يوازيه للتعامل مع تحدّيات الإغاثة وأزمة النزوح، يقول بصراحة “المؤشرات الدولية غير مطمئنة والآمال ضئيلة بتحقيق النجاح المأمول من المؤتمر، فالجميع متجاوب لجهة المشاركة لكننا لم نتلق أي تأكيدات لجهة حجم الدعم”.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أعلنت في وقت سابق بأن المؤتمر الدولي المخصّص للبنان، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيجمع الدول الشريكة للبنان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني. ويهدف إلى تعبئة المجتمع الدولي للإستجابة لحاجات الحماية والإغاثة الطارئة لشعب لبنان، وتحديد سبل دعم المؤسسات اللبنانية، لا سيما القوات المسلحة اللبنانية الضامنة للاستقرار الداخلي في البلاد.
وقد تعهّدت بعض الدول المانحة بتقديم مساعدات منها الحكومة الكندية بقيمة 15 مليون دولار كما رفع الإتحاد الأوروبي حجم مساعداته بقيمة 10 ملايين دولار ثم 30 إضافية كما أرسلت فرنسا وقطر والسعودية والعراق وبعض الدول الأخرى مساعدات أولية تقدّر بشرات الأطنان من الأدوية والمعدات الطبية والمواد الإغاثية. أما مؤتمر باريس فمن الصعب التنبؤ بحجم المساعدات التي قد تقدّمها الدول بمعزل عن أي حلول سياسية في الأفق.