يعرف اللبنانيون أنّ كهرباء “الدولة”، بالكاد تضيء بيوتهم ساعة أو اثنتين خلال الـ24 ساعة في اليوم. ويحاولون التأقلم مع ساعات “حرَد” الموتورات عندما تتوقّف عن العمل لساعات طويلة بسبب شحّ المازوت أو لـ”ترييح” المولّدات الكهربائية المتعبة من قيظ تموز وحرارة الاستعمال المستمرّ. فباتت “طلعة الدرج” إلى بيوتهم ومكاتبهم، والاستيقاظ كلّ يوم عند الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً، أمراً عادياً. حتى أصبحنا لا نتوقّف كثيراً عند أخبار الموت المرتبطة بالعتمة، إمّا خنقاً مع توقّف ماكينات الأوكسجين أو سقوطاً من أعالي خزّانات المياه… وغيرها من الأحداث غير الاعتيادية.
لكن ما لا يعرفه اللبنانيون أنّ السمسرة مستمرّة حتّى على تلك الدقائق القليلة التي تتكرّم بها مؤسسة كهرباء لبنان علينا يومياً، فنرى “الخيار والفقوس” محلّقاً في مناطق على حساب مناطق أخرى، مع سبق الإصرار والترصّد.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، وعبر استطلاع رأي مقيمين في عيّنة عشوائية من المناطق اللبنانية نرى التالي:
الشويفات: أقلّ من ساعة.
المنصورية – المتن: 3 ساعات.
جونيه: 2 ساعة.
الجمهور – بعبدا: 8 ساعات.
المنية: ما يقارب ساعة واحدة.
الهرمل: ما يقارب ساعة واحدة.
البترون: بين 4 إلى 5 ساعات.
الجديدة – المتن: 2 ساعة.
صيدا: 4 ساعات.
طريق الجديدة: 4 ساعات.
هذا التفاوت غير مرتبط بمعامل الكهرباء وتفاوت قدرتها على الإنتاج أو حصولها على الفيول، بحسب معلومات “أساس”، بل مرتبط بغياب غرفة التحكّم الوطني المسؤولة عن مراقبة توزيع الكهرباء من المحطات على المناطق، أو نقلها إلى محطات “لا رقابة” للسمسرة براحتهم على كهرباء “لا تأتي”.
وترتّب على عدم تشغيل غرفة الإدارة والتحكّم الاحتياطية أنّ بعض محطات التحويل الرئيسية يتمّ فيها بيع الكهرباء لأصحاب المولّدات، وفي ظل عدم تشغيل غرفة الإدارة والتحكّم في محطة الحرش واستبدالها بمحطة بصاليم غير المجهّزة للمراقبة والتحكّم بالشبكة، باتت المؤسسة غير قادرة على معرفة ومراقبة ما يحدث. وبسبب غياب الرقابة وغياب التفتيش المركزي فإنّ الكهرباء يتمّ بيعها بعشوائية من قبل بعض مسؤولي المحطات في مؤسسة كهرباء لبنان مقابل مبالغ مالية من أجل زيادة التغذية بالكهرباء لساعة أو ساعتين يومياً في أحياء ومناطق دون غيرها. فيتم التلاعب ببرامج التقنين وتعديلها بصورة غير عادلة بين المناطق. وتشير المعلومات إلى أنّ الهدف الرئيسي لعدم تشغيل غرفة التحكّم الاحتياطية هو تمكين وزارة الطاقة من التحكّم والتوزيع غير العادل للطاقة، والتلاعب ببرنامج التقنين بهدف زيادة التغذية لبعض المناطق.
وهكذا لا تقتصر مشكلة الكهرباء على محدودية الإنتاج، بل تتعدّاها إلى غياب الرقابة الفاعلة لكيفية توزيعها، بسبب عدم اعتماد غرف التحكّم المتطوّرة، القادرة على تحديد كمّية الطاقة المنتجة والموزَّعة، والمكان الدقيق للتوزيع، والتي تُمكِّن المراقب من معرفة هل تُزوَّد بالكهرباء منطقة على حساب أخرى خلافاً لجدول توزيع التقنين، بالإضافة إلى تحقيق مصالح أصحاب المولّدات الخاصة من خلال تزويد مناطقهم بالكهرباء، فيوفّر صاحب المولّد المازوت، فيما يتقاضى مبلغاً شهرياً مقطوعاً من المشتركين، وفقاً للحسابات السياسية والانتخابية للمسيطرين على وزارة الطاقة والمعامل وغرف التحكّم.