مؤشرات الأزمة حتى الإنهيار تراكمت منذ 1997… تفاقمت منذ 2011 وصارت كوارثية في 2015-2016

في سبيل النكتة الساذجة الاعتقاد أن زيادة 6 سنتات على مخابرة «الواتسآب» من قبل وزير الاتصالات محمد شقير (حكومة الرئيس سعد الحريري 2019)، هي التي سببت الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي الذي نتخبط فيه وحوله منذ 4 سنوات. قد تكون هذه الضريبة هي القشة التي «قصمت ظهر البعير» ودفعت اللبنانيين الى كسر محرمات سياسية مثل القيام بثورة (جرى الاجهاز عليها)، والاعتراض على سياسات التلكؤ والنهب والتسويف الاقتصادي الذي مارسته المنظومة السياسية على مدى 30 عاماً. ففي تاريخ الجمهورية الثانية (بعد الطائف) العديد من المؤشرات السلبية التي كان يسجلها الاقتصاد اللبناني بفضل «الأداء المافيوي للمنظومة» لكن تم اخفاؤها ببراعة والهاء اللبنانيين بفقاعات الفوائد العالية على الودائع وغيرها من ألاعيب السحر النقدي والمصرفي الأسود التي أدت في النهاية الى افقار غالبية الشعب اللبناني وتحويل حقهم في الحصول على ودائعهم، الى مجرد حلم لا يعرفون اذا كانوا سيحققونه ام لا.

خلاصة جملة مؤشرات

لم تكن الازمة وليدة ساعتها بل ولدت مع المبالغة في الاقتراض بالدولار، اول المؤشرات الدالة على الانكشاف الخطير على الخارج، وكان يمكن تدارك الأزمة في 2011، لكن مصرف لبنان آثر شراء الوقت للمنظومة. ثم وصلت البلاد الى قمة المخطط الاحتيالي مع الهندسات المالية وتفاقم شفط اموال المودعين الى «المركزي» في 2015-2016. قبل ذلك وبعده يمكن اعتبار تثبيت سعر الصرف خطيئة بثمن باهظ دفعه المقيمون والمغتربون من ودائعهم، في ظل تواطؤ المصرفيين مع رياض سلامة والسياسيين… فهم الذين غشوا المودعين وغامروا وقامروا بكل دولار. وحده سلامة كان قادراً على قول «لا» كما يفعل وسيم منصوري اليوم… لكنه كان يحلم بالرئاسة. وعلى المجتمع الدولي مسؤولية ايضاً لانه ساعد المنظومة وعقد لها عدة مؤتمرات دعم من دون فرض تطبيق الاصلاح. ويجب الّا ننسى ان الناخب مسؤول ايضاً لأنه أمعن ويمعن في انتخاب وتأييد من سرق الدولة وسرق المودعين.

2011 سنة مفصلية باتجاه التدهور

من وجهة نظر كثير من المراقبين شكّل العام 2011 نقطة مفصلية باتجاه الانقلاب السلبي في جميع المؤشرات الاقتصادية، أول هذه المؤشرات هو تقلص حجم الدولار الداخل الى لبنان وزيادة المخاطر على المناخ الاستثماري، وتضاعف عوامل المخاطرة في البلاد والمؤثرة على الفوائد وعلى التصنيف السيادي. وهذا ما ذكرته حينها تقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني (موديز، فيتش، ستاندرد اند بورز)، مع زيادة انغماس الجهاز المصرفي في تمويل العجز المتمادي للدولة ولسدّ حاجات المصرف المركزي من احتياطيات الدولار لزوم تثبيت سعر صرف الليرة (وأمور أخرى!)، في موازاة تدهور في ميزان المدفوعات وازدياد الهوة بين تفاقم دولرة الودائع وهبوط موجودات الجهاز المصرفي بالعملات الأجنبية، وتراجع النمو الاقتصادي الى 1 بالمئة بعد ان لامس في السنوات السابقة نحو 9 بالمئة خلال السنوات التي سبقت العام 2011، وبلغت نسبة الدين العام/ الى الناتج المحلي الإجمالي 134% في 2012، واستأنفت صعودها حتى 184% في 2019 مع تدهور وضع المالية العامة سنة بعد سنة.

من المؤشرات التي توضع ضمن خانة العام 2011 ايضاً هو التراجع المتتالي بنموّ صافي الودائع منذ العام 2010 بحسب صندوق النقد الدولي، قبل أن يشهد نمواً سلبياً منذ العام 2017، وبالتالي أصبحت الودائع الخارجة من القطاع المصرفي أكبر من الودائع التي تدخل إليه، ولم تعد الأموال المتوافرة بالعملات الأجنبية قادرة على تغطية كل احتياجات النموذج القائم.

2016 بداية الإنزلاق

ثم بدأت مؤشرات بالظهور بقوة كارثية اعتباراً من العام 2016 للدلالة على أن الانهيار قادم، و»سكرة الموت» في ذلك العام تسجيل «فائض اصطناعي» في ميزان المدفوعات جراء استقطاب دولارات من الخارج لتوظيفها في الداخل لا سيما عبر شهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية او «الهندسات المالية»، في محاولة شراء الوقت في غياب الإصلاحات المالية والإدارية والاقتصادية الفعلية وتجديد احتياطيات المركزي بالعملات الأجنبية لاستمرار تثبيت سعر الصرف، في ظل استمرار ارتفاع الدولرة حتى طيلة الـ22 عاماً من تثبيت سعر الصرف.

13 مؤشراً اقتصادياً ونقدياً ومصرفياً

– اول المؤشرات التي ظهرت بدءاً من 2016، هذا ما كشفته صحيفة «Le Temps» السويسرية لاحقا لجهة أن مصرف لبنان المركزي ومحافظه رياض سلامة حذفا 14 صفحة من تقرير لصندوق النقد الدولي في العام 2016، يحذر فيه من الكارثة التي حلت بلبنان بعد 3 سنوات من تاريخه. وتلك الصفحات اكدت ان الاحتياطي الصافي لمصرف لبنان سلبي وان الصرف بات من دولارات المودعين.

– المؤشر الثاني هو الهندسات المالية التي ادّعى المركزي أنّ أحد أهم أهدافها هو «تمتين القاعدة الرأسمالية للمصارف»، ولكن العديد من الاقتصاديين والمصرفيين يعتبرون أنها بداية إفلاس القطاع المصرفي، كونها أدّت إلى سحب نسبة كبيرة من السيولة الموجودة في المصارف المراسلة في الخارج، وإيداعها لدى مصرف لبنان لتعزيز احتياطياته والاستمرار بسياسة تثبيت العملة ودفع الفوائد المترتبة عليه لصالح المصارف وكبار مودعيها، وذلك في محاولة للاستمرار في اللعبة نفسها واستدراج ودائع جديدة إلى النظام المصرفي اللبناني. وهذا ما وصف بالمخطط الاحتيالي (بونزي سكيم).

– المؤشر الثالث هو الامعان في اصدارات سندات اليوروبوندز. حيث قامت وزارة المالية على مراحل بإصدار سندات يوروبوندز بقيمة 17.5 مليار دولار، لم تكن بحاجة إليها لتسديد نفقات مترتبة عليها بالدولار، بل لمقايضتها مع مصرف لبنان بسندات خزينة لبنانية. فيما قام المصرف ببيع هذه السندات إلى المصارف والمستثمرين للحصول على سيولة بالدولار ليتمكّن من تسديد نفقاته، ولا سيّما الفوائد المترتبة على الودائع الموجودة لديه لصالح المصارف نفسها.

– المؤشر الرابع هو إخفاء حسابات الربح والخسارة في البنك المركزي، فمنذ العام 2002 يتخلّف حاكم مصرف لبنان عن تطبيق المادة 117 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أن «يقدّم حاكم المصرف لوزير المالية قبل 30 حزيران من كل سنة الميزانية وحساب الأرباح والخسائر عن السنة المنتهية، وتقريراً عن عمليات المصرف خلالها»، باستثناء مرّة يتيمة، عندما نشر في 14/7/2016 (العدد 36 من الجريدة الرسمية) تقريراً ناقصاً عن العام 2015، تحت ضغوط تقارير صحافية.

المؤشر الخامس: توقف المستثمرين الاجانب عن شراء اليوروبوندز التي كانت تطرحها الحكومة اللبنانية، اذ بدأ تراجع المستثمرين عن الشراء في العام 2016، وتوقفوا نهائياً عن ذلك في العام 2017.

المؤشر السادس: العودة إلى مؤتمرات الدعم الدولية: وعقد مؤتمر سيدر في نيسان 2018، بعدما جرى استنهاض فكرة المؤتمرات الدولية في محاولة لتعويم نظام فاشل عشية انتخابات نيابية موعودة، فعقد «سيدر» بهدف استقطاب نحو 11 مليار دولار ولكنّه فشل في استدراج دولار واحد منها، لتتوالى بعده صدور تقارير تخفّض التصنيف الائتماني للبنان وتعبّر عن تراجع قدرته على إيفاء ديونه.

المؤشر السابع: لجوء مصرف لبنان إلى سلسلة من الإجراءات للحدّ من نزيف الدولارات عبر وقف القروض السكنية في مطلع العام 2018، بالتوازي مع فرض قيود مصرفية غير مُعلنة على سحب الودائع عبر إقناع المودعين بتجميدها مقابل فوائد عالية، عدا عن فرضه إجراءات تمنع كسر الوديعة قبل استحقاقها، وصولاً إلى التوقّف عن الدفع في تشرين الأول 2019. ثم بدأت سلسلة تهرّب المصارف والمصرف المركزي من أي مسؤولية.

المؤشر الثامن: في النصف الأول من عام 2018، شهدت محفظة التسليفات المصرفية تراجعاً بقيمة 500 مليون دولار. هو التراجع الأول من نوعه بعد سنوات من النموّ. أسعار الفوائد بدأت ترتفع على الودائع بالليرة والدولار إلى مستويات كانت سائدة قبل أكثر من 18 عاماً. الفائدة على الليرة وصلت إلى 15 بالمئة والفائدة على الدولار إلى 9 بالمئة.

المؤشر التاسع: الشيكات المتقاصة (المتبادلة) سجّلت تراجعاً في قيمتها من 33.7 مليار دولار في نهاية حزيران 2017 إلى 32.8 مليار دولار في نهاية حزيران 2018، أي بتراجع قدره 900 مليون دولار (2.5 بالمئة)، معظمها من الشيكات المحرّرة بالدولار. أما الشيكات المرتجعة، فقد ارتفعت بنسبة 5.7 بالمئة خلال النصف الأول من 2018 بزيادة قيمتها 50 مليون دولار. في النصف الأول من 2017 ارتجع 112 ألف شيك، وفي النصف الأول من 2018 ارتجع 130 ألف شيك.

المؤشر العاشر: قبل سنتين من الانهيار (2017) بلغت البطالة بين الشباب أكثر من 30 بالمئة. (بحسب الاحصاء المركزي) كذلك انخفض عدد الصفقات العقارية المسجلة في الدوائر العقارية بنسبة 18 بالمئة من 33584 معاملة في النصف الأول من 2017، إلى 27472 معاملة في النصف الأول من 2018.

المؤشر الحادي عشر: من المؤشرات المكتومة حجم الديون المستترة التي تزايدت منذ 2017 الى 6 مليارات دولار، وهي عبارة عن ديون بين التجار غير مسجلة في الدفاتر المصرفية، أي أنها فواتير غير مسدّدة بين التجّار. أما نسبة الديون المتعثّرة المصرّح عنها أو المسجّلة لدى المصارف، فهي قدرت بنسبة أقل من 6 بالمئة آنذاك. ومردّ ذلك الى أن المصارف كانت خلال تلك الفترة تعيد جدولة ديون الزبائن للحؤول دون خفض تصنيفها الائتماني.

المؤشر الثاني عشر: في آذار 2019 خفّضت وكالات التصنيف العالمية «ستاندر أند بورز»، تصنيف لبنان ما يُعرف بـ»النظرة المستقبلية» من «مستقر» إلى «سلبي» وأبقت على تصنيفه-B، وفي آب 2019 خفضت وكالات تصنيف لبنان مرتبة واحدة وإبقاء وكالة أخرى تصنيفها على ما هو عليه مع نظرة سلبية، ما عكس الضغط المتزايد على النظام المالي اللبناني وزادت المخاطر ازاء قدرة الحكومة على خدمة الدين.

المؤشر الثالث عشر: في حزيران 2019 وبعد حادثة قبرشمون، بدأ سعر الدولار بالتفلت ولم يعد ممكنناً تثبيته مقابل الليرة، اذ بدأ سعره بالارتفاع رويداً رويداً بالرغم من تدخل المركزي لتثبيته، ثم تدحرج الانهيار النقدي بعد 17 تشرين…

أفيوني: كنت أشرح لهم مؤشرات الإنهيار… لكن معظمهم جاهل اقتصادياً وعديم المسؤولية !

يشرح وزير الدولة السابق لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني (كان مشاركاً في حكومة الرئيس الحريري عند حصول الانهيار) لـ»نداء الوطن» أن كل المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية كانت تشير منذ مطلع 2019 وحتى قبل ذلك الى ان الوضع على شفير الانهيار. وقد استمرت هذه المؤشرات في التدهور خلال العام 2019 بدون اي رادع، وكانت معروفة وواضحة ومتوفرة للجميع. ورافقتها تقارير من خبراء ومؤسسات دولية ومستقلة تنذر بعواقب تراجع هذه المؤشرات»، لافتاً الى أن «من هذه المؤشرات على سبيل المثال التدهور المستمر في عجز ميزان المدفوعات حسب نشرات مصرف لبنان الشهرية، ونتيجة هذا التدهور كان مزيد من الضغط على سعر الصرف الثابت وبالتالي على احتياطي مصرف لبنان. وكذلك التدهور المستمر في عجز الميزانية وازدياد الفارق شهرياً بين العجز الذي التزمت فيه الحكومة في الموازنة في مؤتمر سيدر، وبين واقع الانفاق الذي تجاهل هذه الالتزامات، وهو تدهور كان ينذر بطبيعة الحال بانهيار وشيك».

يضيف: «كما أن تراجع تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية، حتى شارفت درجة لبنان الائتمانية في صيف 2019 مستوى التعثر، هو دليل واضح على انهيار ثقة المستثمرين وعلى ان الدولة اللبنانية اصبحت عاجزة عن اعادة تجديد ديونها وعن الحصول على مزيد من التمويل في اسواق المال العالمية، وان وكالات التصنيف العالمية والاسواق المالية قد حكمت على الدولة اللبنانية بالتعثر الوشيك»، مضيفاً أن «مؤشراً آخر على الانهيار كان ظاهراً و هو تراجع اسعار سندات الدين اللبنانية في الاسواق العالمية بشكل غير مسبوق خلال اشهر صيف 2019، وهذا كذلك يدل على انهيار ثقة الاسواق العالمية في الدولة اللبنانية واستحالة اعادة تمويل الدين العام بالعملات او الاستدانة الاضافية لسد العجز، اذ ان الفوائد التي كان بدأ يطلبها السوق لاعادة التمويل باتت باهظة جداً ومستحيل الالتزام بها».

ويرى افيوني أنه «كانت هناك مؤشرات عملية بدأ اللبنانيون يشعرون بها في صيف 2019 وتفاقمت في ايلول وتشرين، ومنها الشح في الدولارات المتوفرة في المصارف وصعوبة سحب الدولارات من البنوك والعقبات التي كانت توضع امام التحويلات الى الخارج، او الفوائد الباهظة التي كانت تعرضها البنوك على العملاء لتجديد ودائعهم»، مشدداً على أنه «بالمختصر لم يكن هناك اي شك لدى الخبراء وغير الخبراء في تلك الحقبة الحساسة، في خطورة الوضع المالي والنقدي وتفاقمه في الاشهر الاخيرة التي سبقت اندلاع الاحتجاجات في 17 تشرين وعلى ان البلد صار على شفير الهاوية».

يعبر أفيوني عن «أسفه من أنه بالرغم من كل هذه المؤشرات ومن كل الانذارات ومن كل التقارير، عجزت الحكومة آنذاك عن اتخاذ اي اجراء جدي وعن تنفيذ اي اصلاح لتلافي الانهيار، لأسباب كثيرة ومتشعبة».

يضيف: «اذكر انني في تلك الاشهر كنت أكرر في كل جلسة مجلس وزراء او اجتماع وزاري، التحذير من عواقب تجاهل كل هذه المؤشرات الخطيرة، وكنت أفنّد الارقام وأشرح معنى هذه المؤشرات وانعكاساتها الكارثية واحياناً بالتفصيل. حتى أنني اذكر ان أحد الوزراء تذمّر منّي ومن كثرة التكرار واستخف بتشاؤمي وبالسيناريو القاتم الذي كنت احذر منه، وصار يريد ان يلقّني دروساً في السياسة اللبنانية والاعجاز اللبناني كأن الدولة قادرة على تحدي الارقام وتحقيق المعجزات الى ما لا نهاية»، مؤكداً أنه «كانت هناك اقلية من الوزراء في الحكومة لديها الخبرات التقنية وتعي خطورة الوضع، وضرورة المعالجة الفورية باجراءات جذرية. اما الغالبية العظمى فلم تكن تكترث اما عن جهل بالشؤون الاقتصادية او عن استهتار بالمسؤولية. وكان لدى هذه الغالبية قناعة ان البنك المركزي لديه عصا سحرية، او ان المجتمع الدولي سيستمر بتأمين شبكة امان مالية او ان الوقت سيعمل لمصلحتنا وان النفط وعائداته على الابواب».

ويلفت الى أنه «كانت نتيجة هذا التخبط مناقشات عقيمة بلا نهاية وخلافات بالسياسة، مثل ازمة قبرشمون التي سببت 6 اسابيع من التعطيل في صيف 2019 وتضارب مصالح كبيراً، واختلافاً في الخيارات الاقتصادية وفي تشخيص ومعالجة اسباب الازمة. وكل هذا ادى الى عجز فاضح عن اتخاذ اي قرار اصلاحي جذري او اجراء انقاذي بالرغم من تفاقم الوضع وتدهور المؤشرات».

ويختم: «للاسف لم نتعلم من دروس هذا الماضي القريب، بل بالعكس يستمر نفس نهج التعطيل والاستهتار وتفضيل المصالح الخاصة على المصلحة العامة الذي ساد قبل اندلاع الازمة، ولم يتغير بعد اندلاعها كما لم تتغير الاحزاب الحاكمة، والثمن يدفعه الوطن والمواطن الفقير».

شيخاني: البنك المركزي إرتكب خطأين جسيمين… تثبيت سعر الصرف والهندسات المالية

يشير الخبير المصرفي المتخصص بالاقتصاد والتمويل نيكولا شيخاني لـ»نداء الوطن»، أن «الازمة في لبنان بدأت في العام 2001، حين سجل ميزان المدفوعات عجزاً مقداره مليار دولار. وهذا مبلغ كبير مقارنة مع الناتج المحلي، عندها تم عقد مؤتمر باريس 1 ثم 2 وضخ مليارين و200 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني من دون القيام باي اصلاحات لانعاشه»، لافتاً الى أن «هذا الامر استمر حتى العام 2006، حيث تعرض الاقتصاد اللبناني لانتكاسة جديدة نتيجة العدوان الاسرائيلي، وتمّ ضخ اموال كمساعدات لمساندة الاقتصاد من دون القيام باي اصلاحات. وفي الـ2008 حصلت الازمة المالية العالمية واستقطبت المصارف اللبنانية اموالاً من الخارج مما ساعد في تحسين الوضع وتأجيل الازمة، فالحكومات المتعاقبة لم تقم بأي خطط للنهوض بالاقتصاد بل اتكلت على المساعدات الخارجية. واستمر هذا الامر حتى العام 2011 حيث انفجرت الحرب في سوريا مما اثر سلباً على لبنان من الناحية الاقتصادية، وسجل ميزان المدفوعات خسارة قدرها 3 مليارات خلال 6 اشهر»، ثم توالى العجز سنة بعد سنة.

يضيف: «في موازاة موجات النزوح السوري الى لبنان كان يخرج من البلاد بين مليارين و3 مليارات دولار خلال العام الواحد، في الوقت الذي كان دخول الدولارات شحيحاً وهذا ما ادى الى تفاقم عجز في ميزان المدفوعات وخلق ازمة كبيرة في ظل اقتصاد مأزوم، مما اجبر المصرف المركزي على التدخل لتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وهذا ما ادى الى خسارته المليارات من الاحتياطي، كما ورد في تقرير صندوق النقد في العام 2016 والذي تم اخفاؤه بعد وعد من المركزي باعادة تكوين الاحتياطي. فسعى الى ذلك من خلال الهندسات المالية في العام 2015 و2016، وكانت كلفة هذه الهندسات نحو 20 الى 30 مليار دولار بحسب تقرير الفاريز اند مارسال. تم اغراء المودعين بفوائد عالية وحين عجز المركزي عن دفع هذه الفوائد (20 بالمئة) خلق ارصدة وهمية للمودعين تظهر انهم يملكون المال من دون امكانية تسديد هذه الفوائد على ارض الواقع»، مشدداً على أن «هذا ما أدى الى خسارات هائلة في المركزي تمّ وضعها في حساب اسمه «الاصول الاخرى»، وهذه الخسارات تراكمت على مدى سنوات بمليارات الدولارات، وكان الحاكم رياض سلامة يخفيها ويظهر للرأي العام ان المركزي يحقق أرباحا قدرها 40 مليون دولار سنوياً يتم تحويلها لوزارة المالية». يؤكد شيخاني أن «الانزلاق بدأ في العام 2016، ولو تمت معالجة الامور حينها كما طلب صندوق النقد، لكانت الازمة انتهت خلال 6 اشهر وبعدها تعافى لبنان. الخسارات المتتالية والمتراكمة منذ 2016 حتى 2019 وصلت الى 60 مليار دولار، علما ان خطة التعافي ذكرت ان الخسارات بلغت 72 مليار دولار»، مشدداً على أن «الهندسات المالية دمرت الاقتصاد لأن تعديل الفوائد ورفعها بشكل مبالغ فيه، تسببا بعدم قدرة قسم من القطاع الخاص على تسديد قروضه مما أدى الى تراجع العجلة الاقتصادية وانكماش اقتصادي. وهذا ما حصل بين 2016 الى 2018. السياسة النقدية التي اتبعها المركزي هي خطيئة عبر امرين، الاول هو تثبيت سعر الصرف والثاني الهندسات المالية».

ويرى أن «خطأ المصارف مخاطرتها ووضع 80 مليار دولار في المركزي وهي من اموال المودعين، كي تربح فوائد عالية وتعطي في المقابل فوائد عالية للمودعين، بمعنى أن المصارف وضعت في المركزي وبالدولار 400 و500 بالمئة من رأسمالها وهذا غير مسموح به دولياً، وعند افلاس المركزي لم يعد بقدرة المصارف اعادة اموال المودعين».

ويختم: «في العام 2019 أقفلت المصارف ما ادى الى ضرب الثقة بالقطاع المصرفي، وهكذا حصل الانهيار بالاضافة الى تعثر الدولة عن دفع سندات اليوروبوندز ما ادى الى خسارة المصارف 15 مليار دولار من اموال المودعين».

 

 

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةعلى من تقع المسؤولية أولاً: المصارف أم مصرف لبنان؟
المقالة القادمةصندوق النقد امتنع عن دق ناقوس الخطر للبنان!