أصدر مرصد الازمة في الجامعة الاميركية «مؤشر المونة» مؤكداً أنه يرتفع في موازاة مزيد من آليات التأقلم السلبية في مواجهة أزمة الكهرباء. وجاء في التقرير الخاص بمؤشر المونة ما يلي:
أصبحت أسعار المواد الغذائية في لبنان الأعلى بين الدول العربية، مع إستمرار الإرتفاع في معدلات التضخم وسط أسوأ الأزمات الاقتصادية في البلاد حتى الآن. وأشار البنك الدولي الى أن «ارتفاع أسعار المواد الغذائية القياسية تسبب في أزمة عالمية ستدفع ملايين آخرين إلى الفقر المدقع في البلاد، وتضخم الجوع وسوء التغذية، بينما تهدد بمحو المكاسب التي تحققت في التنمية».
الحرب في أوكرانيا
أدت الحرب في أوكرانيا، واضطرابات سلسلة الإمدادات الدولية، والتداعيات الاقتصادية المستمرة لوباء كورونا ومسارات التعافي غير المتساوية بين الدول والمناطق والتجمعات السكانية إلى عكس سنوات من مكاسب التنمية المحققة في السنوات الأخيرة ما قبل حدوث الجائحة. وغيرت الحرب في أوكرانيا الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك للسلع الأساسية بطرق من شأنها أن تحافظ على الأسعار عند مستويات عالية حتى نهاية عام 2024، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والتضخم. فبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، تصاعدت سياسات التحفظ المتعلقة بالتجارة التي فرضتها الدول.
ماذا عن لبنان؟
وفي لبنان، أدى ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة العالمية الى نفاد الطحين والخبز في بعض المتاجر الكبرى في نهاية فصل الصيف، حيث عطلت الحرب شحنات القمح من أوكرانيا، التي كانت توفر في السابق حوالى 60% من واردات لبنان من الحبوب. ولارتفاع أسعار المواد الغذائية تأثير أكبر على الناس ذوي الدخل المنخفض والمتوسط في لبنان، حيث يشكل الإنفاق على الغذاء الحصة الأكبر من الدخل مقارنة مع هيكل الإنفاق الإستهلاكي للناس في البلدان مرتفعة الدخل.
أرقام الإحصاء المركزي
وفق بيانات إدارة الإحصاء المركزي، إرتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 416% عام 2020، و1633% عام 2021، وصولاً الى 4871% عام 2022. وكان مؤشر الأسعار قد سجل ارتفاعاً بنحو 203% عام 2020، و517% عام 2021، ليسجل 1223% عام 2022.
اللجوء الى المونة
ومع استمرار تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية في لبنان، يلجأ اللبنانيون، اليوم أكثر من السابق، إلى اعتماد المونة ذات المدة الأطول للتخزين على الرف لأنها غير قابلة للتلف على حرارة الطقس العادية، وذلك نظراً للإنخفاض الكبير جداً في قدرتهم على الحصول على الكهرباء من أجل حفظ المواد الغذائية في الثلاجة.
وفي هذا الإطار، تمت دراسة إنتاج المونة في لبنان خلال موسم الصيف للأعوام 2019 الى 2022، من خلال تجميع بيانات حول كميات الإنتاج من 10 تعاونيات من مناطق بعلبك والبقاع الغربي وصور وعكار وبشري. وقسمت المونة الى ثلاث مجموعات هي: المربيات (ومنها المشمش والكرز والتين)، ومنتجات القمح (كشك وفريكة وقمح حب وبرغل وطحين)، ومنتجات زراعية مصنعة أخرى (الزيتون، المكدوس، البندورة المجففة، معجون الطماطم، معجون الحر، الزعتر، دبس الرمان، دبس التفاح). وتم وضع مؤشر المونة بالإعتماد على هذه المنتجات. وتم توحيد أوزان المنتجات المشابهة لتسهيل جمعها، واعتمد الوزن بالكيلوغرام. ووضع رسم بياني لتوضيح مسار التطور في إنتاج هذه المواد الغذائية غير القابلة للتلف عبر تخزينها على الرف.
نتائج الدراسة
وكشفت الدراسة إرتفاعاً بارزاً في كمية الإنتاج لسلة المونة خلال الفترة المذكورة، وخصوصاً عام 2022. وارتفعت كمية الانتاج من منتجات القمح بنسبة 24% و29% و63% على التوالي خلال الأعوام 2020 و2021 و2022 على أساس سنوي. كما ارتفعت كمية الإنتاج من مجموعة «المنتجات الزراعية المصنعة الأخرى» بنسبة 17.5% و28% و20.5% على التوالي خلال الأعوام 2020 و2021 و2022 على أساس سنوي. أما المربى، فارتفع إنتاجه بنسبة 25.5% خلال عام 2020 بالمقارنة مع العام السابق، لينخفض بشكل بسيط بنسبة -18% خلال عام 2021 على أساس سنوي، قبل أن يرتفع مجدداً خلال عام 2022 بنسبة 23%.
وتوضح هذه المسارات إزدياداً عاماً في إنتاج هذه المواد الغذائية بالتحديد، بما يعكس توجه الناس نحو إنتاج واستهلاك المواد الغذائية التي لا تتلف بسرعة والتي يمكن توضيبها وتخزينها في خزائن عادية دون الحاجة الى البرادات أو الثلاجات، خصوصاً مع التراجع في قدرة الكثير من الناس على استهلاك الكهرباء، بشكل يضمن الحفاظ على جودة المواد الغذائية خلال فترات تخزينها في المنازل.
إستنتاج
تعتبر العودة إلى الإنتاج الزراعي المحلي وإلى إعادة إنعاش الصناعات الغذائية من الأمور الجيدة في التأقلم مع أزمة الغذاء العالمية. وهي تساهم في إعادة إدماج الكثير من المدخلات، من الموارد الطبيعية واليد العاملة الماهرة، في الدورة الإقتصادية الوطنية، وتساعد في تحقيق التنمية المناطقية المستدامة، وفي تحقيق جزء من الأمن الغذائي خصوصاً لذوي الدخل المحدود. وفي المقابل، يستمر اللبنانيون في ابتكار آليات للتأقلم مع الأزمة الإقتصادية والنقدية الداخلية. وغالباً ما يعتمدون إجراءات تكون ذات آثار سلبية كبيرة على حياة الناس ومستقبلهم الصحي، جسدياً ونفسياً.
إستهلاك الكهرباء؟
وفي سياق موازٍ، كانت دراسة ميدانية أعدها مرصد الأزمة خلال النصف الأول من العام 2022، وشملت 931 مستجيباً من اللبنانيين (ممن يزيد عمرهم عن 18 سنة من النساء والرجال) يعملون في سبعة قطاعات إقتصادية هي: الزراعة، البناء، التعليم، المطاعم، الصحة، الصناعة، والبيع بالتجزئة)، قد أشارت إلى تراجع كبير في قدرة اللبنانيين على دفع بدل لاستهلاك الكهرباء من المولدات الخاصة في المناطق والأحياء، بالتزامن مع شبه الغياب لخدمة الكهرباء من منشآت القطاع العام. وقد وصلت ساعات التغذية من شركة كهرباء لبنان الى صفر في الأشهر الأخيرة.