مؤشر تجار بيروت – فرنسَبنك: إنهيار في القدرة الشرائية

أظهر «مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة» للفصل الرابع من العام 2021 (Q4 – 2021)، مزيداً من الانهيار في القدرة الشرائية ومزيداً من التراجع في الحركة الاستهلاكية، ليسجّل 2.44 مقابل 4.42 في الفصل السابق.

ولفت التقرير إلى أن «الأسواق شهدت تدهوراً متسارعاً لليرة اللبنانية في الفصل الأخير من سنة 2021، لتلامس هذه الأخيرة عتبة الـ30,000 ليرة مقابل الدولار الأميركي في الشهر الأخير من السنة (من مستوى 23,000 ليرة لبنانية في الشهر السابق له)، الأمر الذي تسبّب تلقائياً بمزيد من التدهور في القدرة الشرائية للأسر والأفراد، في حين لم يتمّ المباشرة بطرح البطاقة التمويلية الموعودة، ولا صرف أي من المساعدات الإجتماعية خلال الفترة قيد الدرس.

وفي الأسواق التجارية، كان للغلاء الناتج عن تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار أثر كبير لجهة تقليص المصروف الإستهلاكي وحصره بالسلع والمواد المعيشية الأساسية، من غذاء ودواء ووقود، مع محاولة معظم الأسر تغطية الحدّ الأدنى من المصاريف المتعلّقة بالعودة إلى المدارس لجهة الأقساط والكتب والقرطاسية … أما موجة الوافدين من المغتربين اللبنانيين خلال فترة الأعياد فكانت خاطفة، وضخّهم الدولارات لم يكن كافياً لإحداث تحسّن ملموس في أرقام الأعمال الحقيقية حيث كان الصرف بمعظمه بالليرة اللبنانية!

ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى الصعوبات التي ظلّ التجار يواجهونها في تسعير البضائع يومياً تماشياً مع الإنخفاض المضطرد للعملة الوطنية، وإصرار الجهات المختصة – ولا سيما وزارة الإقتصاد والتجارة، على عدم إعطاء الإذن للتجار بالتسعير بالدولار واحتسابه عند البيع بالليرة اللبنانية حسب سعر السوق.

أرقام قياسية غير مشهودة

وبالتزامن مع كلّ تلك السلبيات، كان مؤشر غلاء المعيشة يسجّل أرقاماً قياسية غير مشهودة على الصعيد المحلي (من الأعلى عالمياً)، وبالطبع لم يظهر أيّ مؤشر إيجابي يبشّر بإمكانية تعافٍ مالي قريب في الدولة – لا سيما في ظلّ توقّف اجتماعات مجلس الوزراء، وعدم انطلاق المشاورات مع صندوق النقد الدولي، والمقاطعات التي فرضتها معظم دول الخليج مع ما سبّبته من شلل في الحركة التصديرية وإدخال العملة الصعبة إلى البلاد، الأمر الذي زاد من حجم الإنكماش الذي من المتوقّع أن يسجّله الناتج المحلي لهذه السنة والذي قد لا يبلغ أكثر من 22 مليار دولار بعد أن كان قد وصل إلى 55 ملياراً سابقاً، يرافقه طبعاً انخفاض قياسي في حجم الإيرادات الحكومية ونسبة مديونية تكاد تكون الأعلى عالمياً، مع استمرار في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات بالرغم من تقلّص العجز في الميزان التجاري.

ومن جهة أخرى، لم يتمّ – لغاية نهاية الفصل الرابع لسنة 2021، إقرار أي تخصيص نهائي لكل أو جزء من مبلغ الـ1,135 مليون دولار الذي حظي به لبنان من خلال حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي.

وفي هذه الفترة أيضاً، ظلّ البنك المركزي يحاول امتصاص ما أمكن من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية المتضخّمة جداً (والتي كان من المتوقّع أن تتخطّى في نهاية الفصل الرابع من هذه السنة الـ55 ألف مليار ليرة بالمقارنة مع أقل من 35 ألف مليار ليرة في نهاية السنة السابقة) وذلك من خلال إصدار تعاميم وتدابير نقدية – ولا سيما تفعيل التداول من خلال منصّة صيرفة في ما بين العملة اللبنانية والدولار الأميركي، لتقليص حجم التداول من خلال المكاتب ومحاولة ضبط سوق القطع ..

وبالتلازم مع كل تلك المعطيات، سجّل مؤشر غلاء المعيشة الرسمي الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي (CPI) إرتفاعاً شديداً ما بين الفصل الرابع لسنة 2020 والفصل الرابع لسنة 2021 حيث سجّل نسبة + 224.39 % (بعد أن كانت تلك النسبة قد بلغت + 144.12% في الفصل السابق)، في حين بلغت النسبة + 50.08% ما بين الفصلين الثالث والرابع لسنة 2021 (بعد أن كانت قد سجّلت + 47.95 % في الفصل السابق له)، وبذلك تكون قد سجّلت إستمراراً للتسارع في ارتفاع الأسعار، من دون أن تكون الحكومة بادرت باتخاذ أي تدابير للجم هذا الإنهيار والإرتفاع الجنوني في الأسعار.

التضخّم وتجارة التجزئة

وفي ضوء أرقام التضخّم السابقة، المرافقة لارتفاع مستمر لسعر صرف الدولار في الأسواق، نشهد معدلات تضخّم قطاعية غير مسبوقة، إن في قطاع النقل، أو المواد الغذائية والمخابز والمطاعم، أوحتى في قطاعات الصحّة من جهة والملبوسات والتجهيزات المنزلية من جهة أخرى – أي في كل القطاعات الحيوية والأساسية …

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةحِرفتنا هويتنا… لا وزارة ترعاها وتحميها
المقالة القادمةإرفعوا أياديكم عن المصارف