“مئوية الدولار” الأولى

الحدث الذي يصحّ وصفه بالمتوقع والمباغت في آنٍ واحد، فكان “نجمه” مرّة أخرى ​الدولار​، الذي يصرّ على مواصلة تسجيل الأرقام القياسية، بعدما أنجز “مئويته الأولى”، التي أسهمت سريعًا في رفع الأسعار إلى مستويات غير معهودة، في ظلّ نظام “الدولرة الشاملة” الذي باتت تعتمده معظم القطاعات، لكنّها لم تنجح في “تعبئة” الجماهير من جديد، بعدما استسلموا على ما يبدو لمواجهة الأزمة بـ”الكوميديا السوداء” في أحسن الأحوال.

ورغم أنّه  مرّ من دون أيّ تأثيرات أو انعكاسات مباشرة على الوضع السياسي، خصوصًا على مستوى الانتخابات الرئاسية، فإنّه طرح الكثير من علامات الاستفهام، فهل يبقى فعلاً بلا انعكاسات “رئاسية” على المدى الطويل؟ وما سرّ “الجمود” المسيطر على البلاد والعباد رغم كلّ شيء، في وقتٍ لم ينسَ أحد كيف أنّ “ضريبة مزعومة” على خدمة “الواتساب” في زمن الـ1500 فعلت فعلها، في زمنٍ بات “جميلاً” مقارنة مع الحالي؟!.

بالنسبة إلى “مئوية الدولار”، فإنّها رغم وقعها “الصادم” في الشكل قبل المضمون، باعتبار أنّ الورقة النقدية “الأعلى” في الليرة اللبنانية ما عادت تساوي من حيث القيمة، الورقة النقدية “الأدنى” في الدولار الأميركي، تبقى حدثًا “طبيعيًا” في مسار تدهور العملة الوطنية، الذي بدأ بالتدحرج منذ ما قبل ربيع عام 2019، ولو أنّ الوتيرة “المجنونة” التي سجّلها في الأسابيع الأخيرة، أثارت “نقزة” الكثيرين ممّن اعتبروها “غير بريئة”.

وفي حين رُبِطت هذه الوتيرة بالكثير من الاستحقاقات، من بينها الإضراب المفتوح الذي استأنفته جمعية المصارف، والتحقيق الأوروبي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إضافة إلى تواصل عمليات “التهريب”، فضلاً عن “الدولرة” التي لم توقف “التلاعب” بالأسعار كما أضحى واضحًا، ولكنّها سرّعت في معدلات الانهيار، فإن ما بدا “صادمًا” أكثر منها، تمثّل في ردّة فعل اللبنانيين، الذين تبادلوا “النكات”، بدل الدعوات إلى “المواجهة”.

وفيما يرى كثيرون أنّ ما قد يفسّر هذه “الظاهرة” التي باتت تحيّر علماء النفس إلى حدّ بعيد، هو أنّ اللبنانيين باتوا “أعجز” من القدرة على التحرك في مواجهة هذه الفوضى، ربما بناء على “تجربة 2019” التي نجحت المنظومة في “شيطنتها”، علمًا أنّ الكثير منهم فقدوا القدرة على الصمود والتحمّل، بعيدًا عن محاولة البعض تصوير الأمور بشكل مغاير للواقع، عبر الحديث عن المتاجر التي تغصّ بالزبائن، والمطاعم الممتلئة أو “المفوّلة”.

في خانة “المراوحة” إذًا، يبقى ملف الرئاسة اللبنانية، رغم كلّ الأحداث والمتغيّرات من حوله، وسط “ترقب حذر” لتداعياتها وانعكاساتها لبنانيًا، تداعيات لا يبدو أنّ “الدولار” قادر على التأثير عليها، مهما ارتفع بعد اليوم، بعدما استسلم الناس لواقعهم السيء، لكن “الرهان” يبقى على الخارج، الذي يراهن كثيرون على أنه سيغادر مربع “الانكفاء” عاجلاً أم آجلاً، وعندها قد يجد الجميع بانتظار “كلمة السر” التي ستصدر عنه، تمامًا كما درجت العادة!.

مصدرالنشرة
المادة السابقةمقترح إصلاح سوق الكهرباء الأوروبية يقلل أثر ارتفاع أسعار الغاز
المقالة القادمةالفارق بين الإفلاسين الاحتيالي والتجاري: كيف يستعيد المودعون أموالهم؟