بالنسبة للباحثين عن عمل والذين يجرون مقابلات للحصول على وظائف، يعتبر الحصول على عرض عمل في النهاية مدعاة للراحة والابتهاج، خصوصاً بعد قبول العرض وتوقيع عقد العمل.
لكن التحول سريعا من عرض جديد للعمل إلى عرض آخر أفضل منه ربما لن يكون يدمر فرصك الوظيفية، ولكنه سوف يؤثر سلبيا على فرصتك في تلقي عروض عمل في المستقبل.
ما الذي يحدث عندما ترغب أكثر من شركة في التعاقد معك، وبعد أن تقوم بتوقيع عقد مع إحدى هذه الشركات، تتلقى فجأة عرضا أفضل من شركة أخرى. قد يقول البعض إنك في وضع تحسد عليه. لكن بالنسبة للكثيرين، تعتبر هذه مشكلة حقيقية. هل تتراجع عن العقد الأول وتوافق على العرض الذي طالما حلمت به؟
ما هو الأنسب بالنسبة لك؟
إذا جاءك عرض بعد فترة قصيرة من توقيعك العرض الأول أو بعد مباشرتك للعمل بفترة وجيزة، فليس من الخطأ أن تتفحص وضع الشركة الأخرى، كما يقول فريد كييل الشريك المؤسس لشركة الاستشارات كي أر دبليو KRW التي تتخذ من مينابولس مقراً لها.
ويضيف: “تغيير رأيك في الأيام الأولى لعملك الجديد لا غبار عليه” لأن هذه الشركة لم تنفق بعد من وقتها ولا من مواردها لاستيعابك بالكامل. ويتابع: “كل منا يمكن أن يجد نفسه في وضع مشابه، وأن تستقيل بعد أيام من مباشرتك للعمل لا يعتبر إثماً لا يغتفر”.
فضلا عن ذلك، من الأفضل لكلا الطرفين أن تكون في عمل تشعر فيه بأنك في المكان الصحيح الذي ترتاح فيه، كما يقول يورغ ستيغيمان، رئيس مؤسسة كينيدي للبحوث التي تنتشر مكاتبها في باريس وفرانكفورت وميلان وبراغ وقريبا في أمستردام.
“من واقع تجربتي، إن لم تلتزم بنسبة 100 في المئة، فلن تنجح في معظم الوظائف التي تتولاها. هذا يعني أنك لن ترتقي في عملك، ولن يتم تثبيتك بعد فترة السنوات الثلاث التي تعتبر فترة الحياة العادية لأي وظيفة. ويعني كذلك أن عدم التزامك الكامل سيؤدي إلى إشاعة الإحباط لديك ولدى الشركة التي تتعاقد معها.”
معضلة أخلاقية
عليك أن تكون حذراً. فترك وظيفة ما يمكن ألا يتسبب في ضياع مستقبلك، إلا أنه يمكن أن يلحق أضراراً فادحة في فرص تشغيلك في المستقبل، خصوصاً في مجالات يكون فيها الوسط مغلقاً تماماً مثل مجال الأمن الإلكتروني والأزياء.
ويتراوح القرار في ذلك بين الاعتبارات الشخصية والأخلاقية، حسب ما يقول أدام لويد، رئيس مؤسسة البحث العالمية “ويبر كير أسوشيتس” في تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية، ويضيف: “يعتبر ذلك الخيار حساساً جداً بالنسبة للحصول على وظيفة، خصوصاً في ظل عدم وضوح نتائج مبشرة. فبمجرد أن وقعت عقداً مع شركة ما والتزمت به، فسوف يسبب فسخ العقد أمرا ضارا جداً لدرجة لا يمكن إصلاحها.”
ويتابع: “فالعاملون في المجالات المختلفة عبارة عن مجتمعات صغيرة، وتعرف ما يجري في داخل بعضها البعض، ولذلك سيؤثر ذلك على سمعتك وعلى فرصة حصولك على عمل في المستقبل.”
ففي الوقت الذي يعتبر القرار الأخلاقي هو الوفاء بالعقد الأول، يكون العرض الثاني أحياناً بدرجة من الجودة يصعب معها مقاومته. في تلك الحالة، ينصح لويد بأن تقوم بحساب السلبيات والإيجابيات، سواء الحالية أو المستقبلية لكل عرض من العرضين بدقة متناهية قبل أن تتخذ قرارك.
“الجانب المالي في العرض هو جانب واحد فقط من الاعتبارات التي يجب أن تأخذها بالحسبان عند تفضيلك عرض على آخر. لذا فعليك أن تفكر بثقافة وطبيعة الناس الذين ستتعامل معهم، فرص التقدم والارتقاء في الوظيفة، أو أي شيء تعتبره مهماً لراحتك المهنية في مكان العمل”.
فإذا قررت أن العرض الجديد له أفضلية، إذن عليك أن تبدأ بتطبيق القرار.
قدم اعتذارا
بمجرد أن تقرر أن العرض الجديد أفضل من الأول، عليك مراجعة النواحي القانونية في عقدك الحالي، والتأكد من أن العرض الجديد من الشركة الثانية حقيقي وليس مجرد كلام.
بعد ذلك، يحين موعد الاعتذار. يقول لويد الذي شهد حالة اعتذر فيها موظف ما عن العرض الأول، بل وطرح عرضا بديلاً: “لا تدع كثيرا من الوقت يمر قبل أن تتواصل مع الشركة الأولى وتخبر القائمين عليها بالوضع بطريقة مهذبة واعتذارية. ليس سهلاً أن يمر الإنسان بهذه التجربة، لكن اعتذارك بكلمات وطرق محسوبة بدقة يساعد كثيراً”.
إذا كان الأمر قد تم عن طريق شركة للتوظيف، فعليك أن تتصل بهم. يقول ستيغيمان: “نعم، هذه مكالمة مؤلمة”، لكنها أفضل شيء يمكن أن تفعله لتحويل الوضع من خسارة للطرفين إلى مكسب لكليهما. أنت حصلت على العمل الذي طالما حلمت به، والشركة من جانبها ليست بحاجة للتعايش مع موظف يفضل أن يعمل مع شركة أخرى.”
تجنب إرسال رسائل بالبريد الإلكتروني في مثل هذا الموقف، بحسب نصيحة كيرستن كوبنز، المديرة في مجموعة “بروفيشينال ستافنغ” في بوسطن، والتي تضيف: “الاعتذار عن الوظيفة وإبداء الرغبة في الانتقال إلى العمل الجديد ينبغي أن يتم بالحديث المباشر أو على الأقل بالهاتف؛ لأن هذه أفضل طريقة تنم عن احترام. واشرح الوضع ببساطة، لكن بطريقة مباشرة. وقل إنك اتخذت قراراً صعباً لكنه الأفضل لك من ناحية مهنية، ومن حيث المستقبل الوظيفي”.
لكن الأفضل في كل الأحوال هو تجنب المرور بمثل هذه التجربة، كما تقول كوبينز. وتضيف: “من المهم جدا أن تبحث جيدا وأن تعرف المواقيت المختلفة، على سبيل المثال: متى سيصلك العرض، وكم هي صلاحيته الزمنية. احرص على أن يكون الإطار الزمني لكل هذه الأشياء واضحاً لديك.”
مارك زافرة، المسؤول بشركة للخدمات المالية في شمال كاليفورنيا يقول عبر رسالة بالبريد الإلكتروني: “إنه أمر مثير للغضب وبعيد عن المهنية أن يتراجع مرشح لوظيفة معينة بعد قبوله لها”.
ومن وجهة نظر زافرة، تعتبر أفضل طريقة لتجنب وقوع ذلك هي أن تضبط مواقيتك جيداً، وأن تكون صريحاً وواضحاً.
ويضيف: “دائماً كنت أتعمد التأخر في الرد لكي يتسنى لي الاطلاع على العرض الثاني، وبالتالي يكون أمامي العرضان. كما أنني أحرص على إخبار الشركة التي تقدم لي عرض العمل أولاً بأنني أتوقع أن أتلقى عرضاً آخر في الأسبوع القادم، خصوصاً إذا كنت أرغب في الحصول على عرض آخر بالفعل”.