ظهر أخيراً إلى العلن الخلاف بين وزير الاقتصاد أمين سلام وشركات التأمين. من حيث المبدأ، إدانة سلام لشركاتٍ احتالت على متضرري انفجار الرابع من آب، وقضمت حقوقهم، في محلّها. لكن توقيت إثارة القضية بعد عامين من الحادثة أثار الشكوك حول الخلفيات. في البحث تبرز رواية بطلها شقيق الوزير الذي يشغل رسمياً منصب مستشاره المالي، ويشغل بطريقة غير رسمية منصب المدير الفعلي لهيئة الرقابة على الشركات الضامنة الخاضعة قانوناً لوصاية وزير الاقتصاد.
يبلغ مجموع مستحقات شركات الضمان لمتضرري انفجار مرفأ بيروت أكثر من مليارٍ ومئة مليون دولار. وفي حين تقول الشركات إنها غطّت 80% من متضرري الانفجار، تفيد وزارة الاقتصاد بأن الشركات لم تدفع أكثر من 500 مليون دولار، وحتى هذا المبلغ لم تتضح طريقة تسديده. فيما هناك شكاوى كثيرة من المتضررين بأن بعض الشركات دفعت الأموال باللولار، وأخرى دفعت بين 10% و20% من مجمل المبلغ بالدولار الفريش، مقابل توقيع أصحاب الحقوق على تنازل عن المبلغ المتبقي وتبرئة ذمة الشركة. وهو ما لا يمكن النظر إليه بشكل منفصل عن الأزمة الاقتصادية الحاصلة، واستغلال الشركات لحاجة الناس للأموال وإجبارهم على التوقيع تحت الضغط، ما دفع بسلام إلى اعتبار الأمر «إثراء غير مشروع» و«سرقة موصوفة»، متوعداً بـ«تحميل كل من يقف في وجه هيئة الرقابة ووزارة الاقتصاد مسؤولية التواطؤ مع كل من تُسول له نفسه سرقة أموال الناس»، خصوصاً أن الشركات اللبنانية ستتقاضى هذه المبالغ كاملة بالدولار من الشركات الأساسية في الخارج. يتحدّث سلام من موقع الواثق، متحصناً بـ 40 قراراً أصدرها في الأشهر الماضية لفرض غرامات على شركات مخالفة لم تقدّم ما يلزم من بيانات مالية توثّق المبالغ وطريقة إنفاقها أمام هيئة الرقابة، واعتراف الشركات المعنية بأحقية الغرامات.
هي خطوات كان الأجدى ربما باتخاذها قبل زمن. فأكثر من عامين مرّا على جريمة المرفأ لم يسمع خلالها الرأي العام بفضيحة شركات التأمين. في الأجواء همس، عن أن كريم سلام، وهو شقيق الوزير الذي يشغل منصب مستشاره المالي نظراً لخبرته في المجال، «يساوم الشركات على تسوية أوضاعها في هيئة الرقابة مقابل مبالغ مالية معيّنة». حاولت «الأخبار» التواصل مع سلام من دون جدوى. لكنه في مؤتمره الصحافي قبل يومين رد بأن شقيقه يشغل منصب مستشاره. إلا أن ما هو غير واضح: كيف لمستشار الوزير أن ينوب مكان رئيس هيئة الرقابة، ولماذا يتواصل مع الشركات حتى وإن كان بتوجيهاتٍ من الوزير. ما يتقاطع مع كلام المصادر، عن أن الرئيس الحالي للهيئة هو «رئيس صوري».
وفي التفاصيل، فإن رئيس الهيئة إيلي معلوف استقال قبل 6 أشهر للعمل في القطاع الخاص، فعيّن الوزير سلام بموجب الصلاحيات الممنوحة إليه، رئيساً جديداً من أحد أعضاء الهيئة، فيما تؤكد المصادر أن «كريم سلام هو الرئيس الفعلي، وقد عيّن في الأشهر الأخيرة موظفين جدداً في الهيئة، مخالفاً بذلك قانون منع التوظيف في القطاع العام».
المشكلة الأساس هي أن هيئة الرقابة على الشركات لا تتبع لوزارة الاقتصاد إنما مباشرة لوصاية الوزير نفسه. هو من يعيّن رئيسها ويحرّك حساباتها. فيما رواتب رئيسها وأعضائها تُدفع من صندوقٍ خاص يموّل من عائدات شركات التأمين نفسها، التي على الهيئة مراقبة عملها. ما يجعلها مرجعاً غير مستقل، بالتالي غير موثوق. هذه التركيبة الهجينة، المخالفة لمبادئ الشفافية، حولت وفق المصادر الهيئة على مدى سنوات إلى ما يشبه «الصندوق الأسود». إذ إن رواتب العاملين فيها تتخطى رواتب موظفي الفئة الأولى، وكانت تصل إلى حدود نحو 30 مليون ليرة قبل الانهيار، أي ما كان يوازي 20 ألف دولار.