فعلياً، خرجت الدائرة الماليّة التابعة لبلدية بيروت عن سيطرة البلدية وتحوّلت إلى جزيرةٍ معزولة. اسمياً، لا تزال الدائرة تتبع للسلطة البلديّة الممنوحة لمحافظ بيروت القاضي مروان عبّود. لكن، واقعياً، تحوّلت إلى «شركة خاصة تديرها عصابة محمية من الأحزاب السياسيّة – الطائفيّة، ويتم فيها تقاضي الرشاوى على عينك يا تاجر»، وفق مُتابعين للشأن البلدي.وبذريعة أن الراتب لا يكفي، صارت «الإكرامية» بالدولار «واجباً» على كلّ صاحب معاملة، حتّى بات «البرّاني» يفوق قيمة الرسوم! ووفق «الإكرامية» قد «ينام» عقد إيجار في لجنة التخمين طويلاً، أو «تدبّ فيه الروح» فوراً من دون حاجة حتى إلى مروره باللجنة، ووفق قيمة التخمين الذي يرغب به مقدّم الطلب.
وفيما ينصّ القانون على أنّه في حال عدم التصريح عن إشغال شقّة أو محل في العاصمة وعدم دفع الرسوم، فإنّ البلديّة تستدرك رسوم السنوات الخمس الماضيّة مع الغرامات، فور التصريح عن الإشغال. غير أن الرسوم «المكسورة» منذ 5 سنوات يمكن أن تُلغى من «السيستم» ويُعفى المخالف من دفعها بكبسة زر في حال دفع «المعلوم» للموظف المعني.
وفي ظل ضعف جباية الرسوم «يتطوّع» بعض موظفي الدائرة للقيام بأكثر من واجباتهم الوظيفية، إذ يعملون على إعداد جداول بسكان المناطق الميسورة المتخلّفين عن دفع مستحقاتهم والاتصال بهم لتسديدها، متبعين سياسة «تهبيط الحيطان» أو التواصل مع بعض الفنادق والمطاعم مطالبين بالرسوم، ليتحوّل الأمر في بعض الأحيان إلى نوعٍ من الابتزاز بدل التبليغ عن المتهرّبين من دفع الرسوم. في المقابل، فإن من يحاول من المواطنين سلوك السبل القانونية لدفع مستحقاته، يُعاقب بـ«تنييم» معاملته إلى ما شاء الله.
ما يحصل في «مغارة» الدائرة الماليّة معلوم لدى كل المعنيين، فيما المُراجعات تصطدم بمقولة: «ما باليد حيلة»! إذ إنّ نفوذ هؤلاء الموظفين أكبر من سطوة المحافظ نفسه، إلى حدّ أنهم نجحوا في منع مكننة الدائرة، حتّى لا يُضبط «العمل السائب» ويتوقّف التلاعب في المستندات الرسميّة، والمُفارقة أنّ «المحسوبيات» جعلت من محامٍ مسؤولاً عن عملية المكننة في دوائر البلديّة!
أكثر من ذلك، تحوم الشكوك حول هؤلاء الموظفين تحديداً في قضيّة العطل التقني الذي أصاب الخوادم (servers) الخاصة ببيانات بلديّة بيروت، السنة الماضية، وأدّى إلى «تطيير» جزء من «داتا» العاملين والمواطنين وجداول الرسوم المدفوعة أو المستحقة وإنجاز المعاملات وغيرها، لأسابيع.
تذهب المستحقّات المتراكمة على شاغلي الشقق والمحالّ، وحتّى «المولات» الكبيرة والفنادق، بمعظمها إلى جيوب بعض الموظفين، فيما يصل «الفتات» إلى خزائن البلديّة التي تشكو من عجز مالي «يضطرها» إلى بيع الأرصفة والشوارع وتوقيف الدراجات الناريّة، بدل قمع المُخالفات داخل «مغاراتها»!