يقصد بالاقتصاد الحيويّ جميع الأنشطة الاقتصادية المرتكزة على الأنشطة البحثية والعلمية الرامية إلى فهم الآليات والعمليات التي تتمّ على مستوى الجينات والجزيئات وكذا تطبيقاتها الصناعية. وهو يهدف إلى توفير حلول مستدامة – من معلومات ومنتجات وعمليات وخدمات – عبر جميع القطاعات الاقتصادية لتمكين عملية التحوّل إلى اقتصاد مستدام.
ويشمل الاقتصاد الحيوي نطاقاً واسعاً، من الزراعة المستدامة وصيد الأسماك والغابات وتربية الأحياء المائية، إلى تصنيع الأغذية والأعلاف، والتكنولوجيا الحيوية والمنتجات والطاقة الحيوية.
جدير بالذكر أن التقنيات الناشئة مثل البيولوجيا التركيبية توفّر فرصاً لتسريع نمو الاقتصادات الحيوية في جميع أنحاء العالم مع تحفيز التحوّلات المستدامة للاقتصاد العالمي في الوقت نفسه.
التركيز على التكنولوجيا
على مدى العقد الماضي، ومع التطوّرات السريعة في التقنيات الناشئة مثل البيولوجيا التركيبية والذكاء الاصطناعي، عمدت بلدان عدّة إلى تحديث سياساتها – مع التركيز على التكنولوجيا- للاستفادة من ثرواتها الطبيعية من الموارد البيولوجية والتكنولوجيات التحويلية لتحقيق أهداف أكثر خضرة في العالم، وبطريقة أكثر قابلية للتطوير. على سبيل المثال، إجراء حوار مجتمعي حول إعادة استخدام المخلّفات الزراعية أو المياه العادمة الحضرية سماداً عضوياً في المزارع. هذا بالإضافة إلى التركيز على تحويل الكتلة الحيوية إلى بدائل بيولوجية نحو مركبات عالية القيمة مثل السكوالين، والتي يتمّ الحصول عليها بطريقة غير مستدامة من أسماك القرش، أو تحويل النفايات الورقية إلى سلائف النايلون، المشتقة عادة من الوقود الأحفوري.
وقد انتهجت عشرات البلدان الآن سياسات شاملة للاقتصاد الحيوي تعمل على دمج المكوّنات الحيوية عبر القطاعات ودمج أهدافها في ما يتعلق بالاستدامة والاقتصادات الدائرية.
ويعتمد تركيز هذه السياسات الوطنية على مجموعة كبيرة من العوامل، بما في ذلك ثرواتها الفريدة من الموارد الطبيعية (التي تشمل الكتلة الحيوية والتنوّع البيولوجي)، وكفاءاتها التكنولوجية في العلوم البيولوجية الحديثة، وكذلك طموحاتهم للمستقبل.
وهناك العديد من المنتديات الدولية التي تدفع هذه المحادثات إلى الأمام، ومنها المنتدى العالمي المعني بالتكنولوجيا التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمنتدى العالمي لاتحاد أبحاث البيولوجيا الهندسية، ومجلس المستقبل العالمي في المنتدى الاقتصادي العالمي. ويتزايد عدد البلدان التي تفكر ملياً في إعادة صياغة سياساتها وخارطة الطريق الفريدة الخاصة بها في مجال الاقتصاد الحيوي، والتي تعتبر بالغة الأهمية للتوزيع العادل للمعرفة والمهارات والتقنيات التي يمكن أن تساعد في تعزيز الاقتصادات المحلية.
أمثلة مثيرة للاهتمام
باستثناء الولايات المتحدة، والصين، والمملكة المتحدة، واليابان، أحرزت العديد من البلدان الناشئة خطوات سباقة في الاستراتيجيات الوطنية للاقتصاد الحيوي. منها على سبيل المثال، كوستاريكا والتي بذلت جهداً فريداً ومشتركاً بين الوزارات لتعزيز جدول أعمال الاقتصاد الحيوي الشامل، وذلك بناءً على قانون التنوّع البيولوجي الخاص بها في التسعينات والعديد من القوانين الأخرى التي تم إقرارها بعد ذلك والتي تغطي التنوع البيولوجي وتنمية الثروة الحيوانية والإدارة المتكاملة للنفايات والزراعة العضوية ومؤخراً خطة إزالة الكربون لدعم اتفاق باريس.
ويعترف الاقتصاد الحيوي في البلاد بالتنمية الريفية باعتبارها أولوية، ويعزز الصناعات الأوليّة مثل الزراعة ومصايد الأسماك والغابات وحماية المجتمعات المحلية. ويتوازن هذا التركيز مع الأهداف نحو الاقتصاد الحيوي المتقدم القائم على التكنولوجيا ونهج فريد لمفهوم التصميم الحضري للمدن ذات المبادئ الحيوية.
في السياق ذاته، قامت ماليزيا بتطوير برنامج شامل للاقتصاد الحيوي، مع إيلاء التركيز على النهج القائم على الكتلة الحيوية لتطوير مدخلات حيوية عالية القيمة لمختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الزراعة والبستنة والمواد الكيميائية والمواد والرعاية الصحية.
ومن الطبيعي أن تقود بلدان الشمال الأوروبي، التي تتمتع بغابات كبيرة وكتلة حيوية بحرية، سياساتها المتعلقة بالاقتصاد الحيوي من خلال هذين القطاعيْن. وهي تفعل ذلك من خلال الإنتاج الأولي (الزراعة وتربية الأحياء المائية)، واستخدام التكنولوجيا في التنقيب البيولوجي، وتحسين الإنتاج والمعالجة المستدامة لهذه الموارد.
وقد سعت جنوب أفريقيا، بفضل سياستها المتعلقة بالاقتصاد الحيوي، إلى توسيع إنتاج قطاع زراعي كبير بالفعل، مع الاستفادة من تنوّعها البيولوجي الغني من خلال التنقيب البيولوجي المسؤول وتعزيز قاعدتها المعرفية والتكنولوجية في مجال التكنولوجيا الحيوية.
التحوّل الأخضر
في البداية، كان يُنظر إلى الاقتصاد الحيوي على أنه مجال فرعي في إطار الاقتصادات الدائرية، لكنه يُعتبر الآن محركاً رئيسياً للتحول الأخضر عبر القطاعات الاقتصادية، وهو اقتصاد حيوي مدفوع بأحدث التقنيات. بدأت البلدان المستوردة للنفط الغنية بالتنوع البيولوجي والكتلة الحيوية بالاستفادة من تقنيات مثل البيولوجيا التركيبية للتوصل إلى طرق جديدة لإنتاج منتجات عالية القيمة باستخدام الكتلة الحيوية الطبيعية وكذلك (النفايات) المتبقية من قطاعات مختلفة مثل المواد الحيوية عالية الأداء، البلاستيك الحيوي والأدوية والمغذيات مع دول مثل البرازيل والأرجنتين تتقدم على الكثير في مجال الطاقة الحيوية.
وتتطلع البلدان التي تتمتع بقدرات علمية وتكنولوجية متقدمة إلى «إضفاء الطابع البيولوجي» على الصناعة من خلال المضي قدماً إلى استبدال مصادر بيولوجية مدعومة بأدوات متقدمة مثل علم الجينوم وبيولوجيا النظم والبيولوجيا التركيبية بمصادر الطاقة والمواد الكيميائية القائمة على البتروكيماويات. في أعقاب الجائحة، انكشفت أخطاء العديد من البلدان في ما يتعلق بسلاسل التوريد والتأهب للكوارث في مواجهة الوباء.
وقد سلطت العديد من البلدان الضوء على الكيفية التي ساعدت بها البنية التحتية القوية للاقتصاد الحيوي، أو كان من الممكن أن تساعد، في بناء القدرة على الصمود في مجال الصحة العامة والاقتصاد الأوسع. ومع ذلك، تواجه هذه التقنيات تحديات لم يتم حلّها بعد، خاصة في ما يتعلق بالبيئة التنظيمية غير الناضجة، ومعايير صناعة التصنيع الحيوي وقابلية التوسع.
لا يزال الاقتصاد الحيوي يقدم الركيزة الأساسية التي يمكنها مساعدة الحكومات على دمج المجالات القائمة على النشاط الحيوي في اقتصادها مع الفرص التي توفرها أحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا الاصطناعية. وفي الوقت ذاته، فإنه يرسم اتجاهاً واضحاً وشاملاً نحو التحول المستدام، حيث تقوم كل مدينة وبلد ومنطقة بواجبها نحو كوكب صحي ومزدهر.(المنتدى الاقتصادي العالمي، أرقام)