ما حقيقة تخلّي الدولة عن المشاركة في قطاع البترول؟

على ضوء الضجة القائمة على القطاع النفطي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هناك بعض النقاط التي ينبغي التوقف عندها، والتي يتم التركيز عليها بشكل أساسي، تتعلق بمخالفة المرسوم رقم ٤٣ لقانون المواد البتروليّة في ​المياه​ البحرية، لناحية مشاركة ​الدولة​ في ارباح شركات الاستخراج، وتخلّي الدولة عن دورها في انشاء الشركة الوطنيّة، بالإضافة إلى وجود شركات وهميّة تستفيد من القطاع.

في البداية، من الضروري الإضاءة على نقطة جوهريّة تتم اثارتها وتتعلق برفض ​حكومة​ تمّام سلام السابقة اصدار مرسومين خاصين بهذا القطاع، صدرا لاحقاً في حكومة العهد الأولى التي سبقت ​الانتخابات النيابية​ الأخيرة، حيث أن المعلومات، التي حصلت عليها “​النشرة​”، تؤكد أن سلام كان يفضّل عدم إقرار المرسومين في ظل حالة ​الفراغ الرئاسي​، وبالتالي كان الموضوع مؤجلا إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، مع العلم أن هناك توصية صادرة عن ​لجنة الأشغال العامة​ والنقل و​الطاقة​ والمياه، بتاريخ 30-8-2016، تدعو إلى استكمال المنظومة التشريعية لحوكمة القطاع، عبر استكمال اقرار المرسومين العالقين في ​مجلس الوزراء​ (مرسوم تقسيم المياه البحريّة إلى بلوكات، والمرسوم المتعلق بدفتر الشروط ونموذج اتفاق الاستكشاف والانتاج).

بالإضافة إلى ذلك، خلال حكومة ​تمام سلام​، قبل إنتهاء ولاية الرئيس الأسبق ​ميشال سليمان​، قدمت الهيئة عرضاً خلال جلسة لمجلس الوزراء، وتم تشكيل لجنة وزارية عملت مع الهيئة على دراسة المرسومين، ما ينفي فرضيّة عدم إقرارهما بسبب وجود تزوير.

في هذا الإطار، هناك تكرار لمقولة أن المرسوم رقم 43 خالف المادة السادسة من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية والمتعلقة بمشاركة الدولة، التي تنص على أن “الدولة تحتفظ بحق القيام أو المشاركة في الانشطة البترولية وفقا لأحكام هذا القانون، وتحدد حصتها في الرخصة البترولية و/أو في اتفاقية الاستكشاف والانتاج بموجب مرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير بالاستناد الى رأي الهيئة”، حيث أن المادة الخامسة من المرسوم نصت على أنه “ليس للدولة نسبة مشاركة في دورة التراخيص الأولى”، لكن ما يجب التنبّه إليه أن المادة السادسة لم تنصّ على المشاركة، بل تركت الحريّة في اتخاذ القرار، سواء بالمشاركة أو عدمها.

ما تقدّم يقود إلى إيضاح أمرين جوهريّين، الأول يتعلق بنوعية المشاركة المقصودة وأسباب قرار عدم المشاركة في دورة التراخيص الأولى، أما الثاني فيتعلق بحقيقة القول ان هذا يعني تخلي الدولة عن أرباحها، وهو ما ينبغي البحث به بشكل دقيق، كي لا يبقى الموطن عرضة للوقوع في فخ الشائعات.

بالنسبة إلى نوعية المشاركة المقصودة فهي التجارية، مثل عملية الحفر التي من المفترض أن تبدأ، -كما ورد في التقرير السابق الذي نُشر أوّل من أمس-، في شهر كانون الثاني المقبل، بالإضافة إلى كل الأنشطة البترولية اللاحقة، والتي تتضمن، نظراً إلى أن هذا البئر هو الأول في ​لبنان​، مخاطر كبيرة، منها أن هذا الاستثمار قد يصل إلى نتيجة سلبيّة، مثل عدم وجود البترول أو أخرى متعلقة بكلفة الاستخراج، وفي هذه الحالة لن تكون الدولة مجبرة على دفع أيّ تعويض للشركات عن الأعمال التي قامت بها.

في المقابل، بناء على الاتّفاقية الموقعة مع ائتلاف شركات “TOTAL S.A” و”ENI INTERNATIONAL B.V” و”JSC NOVATEK”، فإن الدولة عملياً لم تتخلَّ عن أرباحها، نظراً إلى أنّ حصتها عند بدء الإنتاج ستتراوح، في البلوك رقم 4، بين 65 و71%، أما في البلوك رقم 9 فهي بين 55 و63%، وهي مجموع ما يعرف بـ”الاتاوة” و”حصة الدولة من بترول الربح”، بالإضافة إلى ​الضرائب​، مع العلم أنه تم احتساب حصّة الدولة الكاملة في كل رقعة بناء على 9 سيناريوهات، تشمل 3 أحجام للاكتشافات و3 أسعار للبترول.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري التأكيد على أن الدولة حاضرة في اتخاذ القرارات على 3 مستويات (هيئة إدارة ​قطاع البترول​، وزير الطاقة والمياه، مجلس الوزراء) في جميع المراحل: من منح التراخيص إلى وقف التشغيل، وطالما أن العمل بات في مرحلة الاستكشاف فإن من المفيد ابراز هذا الدور انطلاقاً من هذه المرحلة: الموافقة على خطة الاستكشاف (الوزير)، الموافقة على برامج العمل والميزانية السنويّة (الهيئة)، اصدار رخص حفر الآبار (الوزير)، الموافقة على خطّة التقويم (الوزير)، الإعلان عن الجدوى التجاريّة (الوزير).

بالنسبة إلى مشاركة الدولة في اتخاذ القرارات في مرحلة تطوير الإنتاج، فهي تتضمن الموافقة عليها (الهيئة والوزير ومجلس الوزراء)، بالإضافة إلى اصدار رخص الإنتاج (الوزير)، أما في مرحلة وقف التشغيل، فهي تتضمن الموافقة على الخطّة التمهيدية وقف الأنشطة البترولية (الهيئة)، الموافقة على الخطّة النهائية وقف الأنشطة البترولية وحساب الوقف الدائم للتشغيل (الوزير).

في المحصّلة، يمكن القول انّ الدولة فريق من فريقي الاستشكاف والانتاج، لكنها لا ليست كشريك تجاري ضمن إئتلاف الشركات، من دون تجاهل الدور الرقابي الذي تقوم به الجهات المسؤولة: مجلس الوزراء، الوزير، الهيئة، الوزارات المعنية، ​مجلس النواب​ من خلال دوره الطبيعي في مراقبة عمل الوزارات.

مصدرماهر الخطيب -  النشرة
المادة السابقة“أمازون” تخطط لتوظيف 200 ألف شخص
المقالة القادمةإستهلاك البنزين في إيران إنخفض بنحو 20 مليون لتر يومياً