توحي المؤشرات بأنّ مسار الدولار التصاعدي الذي شهدناه في الشهرين الأخيرين من العام 2021 قد توقف، وانّ الدولار سيُنهي السنة على سعر قريب من سعره الحالي. لكن السؤال، كيف سيكون وضع النقد في العام 2022، وهل ينبغي ان نتوقّع عاماً اسوأ، على المستويين المالي والاقتصادي؟
بدأت مفاعيل التعميم 161 تظهر بوضوح في سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويبدو انّ التجديد لهذا التعميم قد يستمر شهراً بعد آخر وصولًا الى موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل. وهناك احتمال، وفي حال الوصول الى اتفاق إطار مع صندوق النقد الدولي في نهاية شباط، كما يأمل السفير بيار دوكان، والذي نقل رغبته هذه الى المسؤولين اللبنانيين عندما التقاهم في بيروت، ان يُصار الى وقف العمل في التعميم، استناداً الى المراهنة على العوامل النفسية الإيجابية التي قد تساهم في حينه، في تخفيف الضغط على الليرة.
لكن التعميم 161، ورغم إفادة الموظفين من مفاعيله، الّا انّه قد لا يكون كافياً، وستكون هناك حاجة الى مواصلة تعزيز مداخيل موظفي القطاع العام، ومن ضمنهم العسكر، لضمان الصمود المجتمعي في المرحلة الفاصلة عن تغيير المشهد، والانتقال الى مسار التعافي بعد الانتخابات، إذا حصلت. والرهان على الانتخابات لا يعني انّ المنتظرين يتوقعون سقوط ما يُعرف بالمنظومة، بل يكفيهم سقوط الأكثرية الحالية من بين يدي «حزب الله»، وتكوين كتلة من الوجوه المستقلة القديمة والجديدة، بحيث تصبح هذه الكتلة بيضة القبان، قادرة على منح الأكثرية النيابية الى الفريق الذي تميل اليه. وبالتالي، سيطمئن المجتمع الدولي الى انّ أي اتفاق مع صندوق النقد سيُنفّذ، ولن يُعلّق ويتعرقل في مجلس النواب، بدفعٍ من قوى لا ترفض الاتفاق علناً، لكنها تعمل ضمناً على إجهاض أي برنامج يموّله الصندوق.
من هنا، يبدو المشهد في النصف الاول من 2022، شبيهاً بالمشهد الذي شهدناه في كانون الاول من 2021، اي استمرار المراوحة، واستمرار المحاولات لكبح جماح الدولار، ومنعه من التفلّت، ولو انّه سيواصل حتماً ارتفاعه التدريجي، ولو البطيء.
في المقابل، ستكون هناك استحقاقات اخرى حسّاسة الى جانب زيادة الاجور تحت مسمّيات مختلفة (مساعدات او خلاف ذلك)، تتعلق بتحسين المالية العامة للدولة. إذ انّ صندوق النقد يتوقّع إنجاز موازنة يتمّ خفض العجز فيها الى مستويات قياسية. وهذا المطلب، وهو إجراء ضروري لتمهيد الارض لخطة التعافي، يستوجب إلغاء او خفض الدعم عمّا تبقّى من سلع. وباستثناء القمح (الخبز)، سيكون مطلوباً وقف دعم الكهرباء من خلال تحسين الجباية، ورفع التعرفة، خصوصاً وفق نظام الشطور، الى مستويات تحقيق التوازن المالي في المؤسسة لتمكينها من تمويل نفسها.
كذلك سيتحتّم إلغاء ما تبقّى من دعم على البنزين. ومن المتوقّع رفع تعرفة الاتصالات والانترنت. ولن يبقى الدولار الجمركي على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، وسيتمّ رفعه على معظم السلع الاستهلاكية. لكن الامر الغامض في هذا المسار هو التوقيت. هل تُقدِم الحكومة على إجراءات من هذا النوع قبل الانتخابات النيابية، ام انّها ستحاول التملّص من هذه الاستحقاقات بانتظار تمرير استحقاق الانتخابات، تحاشياً لإثارة غضب الناس؟
في الاعتماد على ما يسمعه الزوار من المسؤولين، لن تحول الانتخابات دون اتخاذ اي إجراء ضروري للوصول في اسرع وقت الى خطة التعافي. صحيح انّ الاعتماد على الوعود فيه شيء من السذاجة، بناءً على كل التجارب السابقة، خصوصاً منذ مؤتمر «سيدر» حتى اليوم، لكن الصحيح ايضاً، انّ الزوار الأجانب الذين يبدون تفاؤلّا اكثر من اللبنانيين أنفسهم، يستندون في تفاؤلهم، من دون الإعلان عن ذلك، على العقوبات الجاهزة في وجه اي مسؤول سيتبيّن انّه عرقل مسيرة التقدّم نحو الإنقاذ. ويبدو انّ بعض الزوار أبلغ هذه الحقائق مباشرة الى من يعنيهم الأمر، وانّ المسؤولين يصدّقون هذه المرة انّ التهديدات ستُنفّذ، ولن تبقى مجرد تهويل. انّه الأمل الوحيد الذي قد يدعو الى التفاؤل بأنّ العام 2022، ورغم انّ الظروف المعيشية للناس لن تتحسّن، لكنه قد يكون بداية نقطة التحوّل التي ستقود الى الخروج التدريجي من الهاوية. فهل تصحّ التوقعات، وتنجح العقوبات في إنجاز ما فشلت في تحقيقه كل الإجراءات الأخرى؟