طالعتنا منذ فترة طروحات من جمعيّة المصارف أو بعض القوى السياسيّة في البلد، تدعو إلى تخصيص 20% من العائدات الماليّة المتأتية من استثمار الثروة البتروليّة الموجودة في البحر اللبناني من أجل إطفاء وتغطية الخسارة التي طالت أموال المودعين منذ اندلاع الأزمة. وذلك من خلال الاستعانة بمحفظة التنمية التي يحتويها الصندوق السيادي لهذه الغاية فهل يجوز ربط العائدات البترولية بسدّ فجوة الخسائر والودائع من خلال إعطاء كلّ مودع حصّة بنسبة مئويّة تتناسب مع حجم وديعته المصرفيّة؟
الثروة ملك جميع اللبنانيّين
تقدّر فجوة الخسائر حالياً بحوالي 75 مليار دولار يعجز مصرف لبنان عن تغطيتها، وتعجز السلطات المعنيّة عن إيجاد الحلول المناسبة لسدّها. فالموضوعيّة والمنطق، وفقاً لمصادر مالية، يحتّمان عدم ربط استغلال الثروة البترولية بمسألة ردّ الودائع لعدّة أسباب أهمّها أن هذه الموارد هي للجميع مع الإشارة إلى أن نصف اللبنانيّين هم غير مودعين، لذلك يجب تجنّب هذا الطرح الذي يعني أن تذهب الثروة لشريحة من اللبنانييّن دون أخرى.
وتضيف المصادر: «هذه الثروة هي ملك لجميع اللبنانيين وعوائدها مخصّصة لهم وللأجيال المقبلة وليست للمودعين فقط». في هذا الإطار، أوضح الخبير الإقتصادي أنيس بو دياب عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي لـ»نداء الوطن» أنه «لدينا ثروة وطنيّة هي ملك للأجيال الحاليّة والأجيال القادمة. وبالتالي ما علاقة الأجيال القادمة بالأزمة التي وقع البلد بها لأسباب ذات صلة بالسياسة والسلطة واستخدام سياسات اقتصادية ونقدية خاطئة؟ لذلك يجب أن يكون هناك حتماً فصل بين النفط والغاز وبين إعادة الإلتزامات للناس».
35 ملياراً لـ 12 ألف حساب
تشير المعلومات إلى أن قسماً كبيراً من الودائع ويقدّر بحوالي 35 مليار دولار يعود إلى 12 ألف حساب فقط هم من المقربين من السياسيّين وأركان السلطة ومن أصحاب الحسابات الكبيرة. فربط إيرادات الغاز بالودائع يعني أننا سندفع لهذه الحسابات التي تشكّل نسبة ضئيلة جداً من عدد اللبنانيين وبالتالي سيكون ذلك على حساب الآخرين.
إلا أن النائب غسان حاصباني اعتبر في حديث لـ»نداء الوطن» أن هذا الموضوع غير صحيح. «أساساً لا يوجد بعد قواعد لتأمين السيولة للودائع المرصودة في المصارف. فهناك قواعد يجب أن يتم وضعها في قانون إعادة الإنتظام للنظام المالي، تحدّد على أي أساس سوف تتمّ تغطية الودائع نسبة للسيولة وللأولويات التي تبدأ بالودائع الصغيرة المستحقّة، يعني الودائع الشرعيّة التي ليس عليها شبهات. وبعدها يتم الإنتقال تدريجياً للودائع الكبيرة المستحقة والشرعيّة والتي لم تستفد من أي هندسات أو تركيبات ماليّة خارجة عن المألوف».
مع وضد
أما النائب آلان عون فقال لـ»نداء الوطن» «اليوم وضمن اقتراح قانون الصندوق السيادي تمّ تشكيل محفظتين، محفظة ادّخار ومحفظة تنمية واستثمار. محفظة التنمية فيها 20% من العائدات الضريبيّة تستخدم لعمليات التنمية والمشاريع المنتجة في البلد، كذلك تستخدم أيضاً لأمور لها علاقة بتسديد ديون الدولة وغيرها. نعم من الممكن أن تستعمل لهذا الغرض، فأنا أوافق على هذا الطرح».
أمّا النائب غسان حاصباني فقد أكّد أنه «لا يوجد مع أو ضد. هذا الطرح جيّد بالمبدأ لجهة سعيه لردّ الودائع لكن عملياً عائدات النفط والغاز لن تدخل المحفظة قبل حوالي 15 سنة من الآن. فلكي يصار إلى استخراج الموارد البترولية ويصار إلى استرداد كامل كلفة الإستخراج وتبدأ الشركات بتحقيق أرباح من عائدات الأرباح، عندها تبدأ الدولة بتحقيق مداخيل حقيقية التي من المفترض أن تدخل في هذه المحفظة الاستثماريّة».
ويتابع حاصباني «في المبدأ، فكرة جيدة أن يكون جزء من هذه المحفظة التي تسمّى بمحفظة التنمية المحليّة والتي لها علاقة بالمسؤولية الإجتماعية مخصّصاً لردّ الودائع. لكن لا يجب أن نعوّل على هذا الموضوع فقط لردّ الودائع. فلا يجب تضليل الناس بأن هذا هو الحل الذي سوف يعيد أموال الناس، لأننا أولاً بحاجة إلى أكثر من عشر سنوات ليصبح مردود الثروة مقبولاً، وثانياً لأن كميّة العائدات قليلة فهي تشكّل جزءاً صغيراً من الودائع. لذلك لا يجب أن نعد الناس بوعود كبيرة وبعيدة المدى، ففي المبدأ أنا مع هذا الطرح ولكن عملياً هذه وعود فارغة».
تحميل الثروة عبء الأزمة؟
ويجزم النائب عون «أن الموضوع ليس تحميل الثروة البترولية عبء الأزمة، فالدولة اليوم سوف تضع خطّة تعافٍ وسوف تبدأ بتحسين وضعها. أمامها حلّان الأول هو الصندوق الائتماني المخصّص لأصول الدولة والذي يجب تفعيله بحيث سوف تنتج عنه أرباح ومن هذه الأرباح يمكن ردّ ديون الدولة على سبيل المثال لا الحصر. فلهذا الصندوق أهداف أخرى ليست محصورة بموضوع الدين. والثاني مرتبط بالصندوق السيادي، ففي المنطق نفسه يمكن الإستعانة بمحفظة التنمية حصراً وليس بالصندوق بكامله فهذه المحفظة ستستخدم للإنماء الداخلي في البلد من الممكن أيضاً بمكان ما أن يتم استخدامها لهذا الغرض، فلم لا؟».
من جهته اعتبر حاصباني أن ليس لهذا الأمر معنى. «فالموضوع تمّ طرحه فقط بهدف المزايدة الإعلامية والشعبوية، فهو لا يتعدّى كونه سمكاً بالبحر». وأكّد أن «عدم إعادة الودائع أو إيجاد حلّ لها قبل البدء بالإستفادة من عائدات الثروة البترولية يعد مشكلة كبيرة، فتجميد الموضوع كل ذلك الوقت مصيبة».
يعتبر حاصباني أن «محفظة التنمية التي ينصّ عليها اقتراح قانون الصندوق السيادي هي أساساً للإستثمارات التي لها علاقة بالتنمية (الاستثمار بالتنمية من بنى تحتية ومشاريع كبرى وغيرها). ففي حال تم تخصيص جزء منها لرد الودائع، فبرأيي هذا الأمر ممكن، لكن عملياً لا أعتقد أن هذا الأمر سوف يؤثر على المحفظة ولن يكون له علاقة فعليّة لأن موعد الإستفادة من عائدات الثروة بعيد».
الأزمة لا تنتظر
من المتوقّع أن تكون نتائج حفر البئر الإستكشافيّة الأولى في البلوك رقم 9 في الأسابيع المقبلة مبشّرة. إلا أن هذه الإيجابيّة لا تعني أن تدفّق الأموال بات وشيكاً وقد أصبح قريباً. بل إن القطاع ما زال بحاجة إلى الكثير من الجهود بدءاً بإطلاق دورات تراخيص متلاحقة لتلزيم بلوكات جديدة وصولاً إلى البدء بالإنتاج، فالمسار ما زال طويلاً للبدء بجني المكاسب.
بحسب عون فإن «الأزمة بداية تتطلّب حسم الأمور بموضوع الإصلاحات وإعادة هيكلة المصارف وبأصول الدولة وغيرها من المواضيع التي لا تنتظر التنقيب عن النفط. وعندما يبدأ القطاع البترولي بالإنتاج سوف يأتي بالتوجّه نفسه وتكون الأمور سائرة في سياقها الطبيعي». أمّا حاصباني فقد أكّد أن ليس للأمر علاقة. «فمن يريد التعويل على النفط لكي يدفع كلفة الأزمة فهو يبيع سمكاً بالبحر وبالتالي فهو يبيع أوهاماً».
مصادر أخرى تؤكد أن الأزمة الماليّة المتعدّدة الأوجه التي يواجهها لبنان لا تنتظر، فهي تستدعي السير بإجراءات واعتماد تدابير جديّة وسريعة تناسب عمق الفجوة ومتطلبات حلّها بالطرق المناسبة. وليس الذهاب إلى الحلول السهلة من الإنفاق العشوائي الذي يؤدّي إلى ضياع الثروة البتروليّة فالمطلوب خطّة إنقاذ تؤمّن إصلاحات بنيويّة تعالج العجز الحاصل بعيداً عن المصالح السياسية والفئوية المتناقضة والضيّقة. بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الانهيار والتي تبدأ بالإفراج عن النتائج التي توصّل إليها تقرير التدقيق الجنائي. لذلك، فالحل السريع أصبح حاجة ماسّة وضروريّة وإلّا سوف تضيع الثروة مثلما ضاعت أموال المودعين!
إدارة أصول الدولة
وفي سياق حديث النائب حاصباني لـ»نداء الوطن» فقد أكّد أن «الحل يكمن بإدارة أصول الدولة بطريقة جيدة لكي يصار إلى تحقيق الدولة مداخيل صحيحة وليس مهدورة، ضبط الحدود، جباية الجمارك، بالإضافة إلى تنظيف الودائع الموجودة من الودائع غير الشرعيّة… إذاً يوجد الكثير من القواعد يمكن وضعها لتخفيض حجم الودائع الشرعيّة والمستحقة، من ناحية ثانية على الدولة أن تقوم بواجباتها اللازمة لتستطيع أن تؤمّن جزءاً من السيولة لإعادة رسملة مصرف لبنان وبالوقت نفسه يجب على المصارف وأصحاب المصارف تأمين السيولة لإعادة رسملة مصارفهم وهكذا يستطيعون تغطية الجزء المستحقّ من الودائع. باختصار، المطلوب خطة إنقاذ متكاملة وتنفيذها يمكن أن يعيد الجزء الأكبر من الودائع المستحقة والقانونية والشرعية، فهي تساعد في تحديد الخسائر بشكل كبير».