قبل أسبوع على انعقاد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية على وقع ترقب حلول 30 تموز موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتسلّم نائبه الأول وسيم منصوري المهام، يثار التساؤل حول موضوع توحيد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والذي طالما شكّل المطلب الأساس لصندوق النقد الدولي، ومسعى حثيثاً للحاكم سلامة.
الهدف واضح أما الآلية فلا تزال في كواليس البحث والقرار… ماذا يقول خبراء المال والاقتصاد في الآلية الواجب اعتمادها لتوحيد سعر الصرف؟
رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل يقول لـ “الديار”: إننا بحاجة اليوم إلى توحيد أسعار الصرف كإجراء ضروري لانتظام الحركة الاقتصادية، وهو أحد الإجراءات المسبقة الواردة ضمن الاتفاق المبدئي الموقَّع بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.
ويؤكد أن “أي اقتصاد طبيعي يجب أن يكون لديه سعر صرف واحد. هناك بلدان عديدة لديها تعدّد في سعر الصرف حتى التي تملك موارد طبيعية، لكن ذلك يشوّه الحركة الاقتصادية”.
ويعتبر أن “سعر منصّة “صيرفة” يجب أن يكون السعر المرجعي الوحيد عند توحيد سعر الصرف”. لكنه يعقّب بالقول: إن توحيد سعر الصرف لا يتم تحت الضغط، بل يستوجب خلق جوّ إصلاحي واستعادة للثقة ووضوح في الرؤية، وصولاً إلى التوقيع النهائي مع صندوق النقد الدولي ليبدأ تدريجاً بتحويل مبلغ الـ3 مليارات دولار المرصود للبنان كل 6 أشهر.
ولم يغفل التأكيد على أن “يكون العرض والطلب في السوق هو الذي يقرّر سعر الصرف الحقيقي، والاستغناء عن السوق الموازية كهدف رئيسي لتوحيد سعر الصرف. وفي الغضون يبقى سعر منصّة “صيرفة” السعر المرجعي للصرف”.
ويذكّر في هذا السياق، بأن “مصرف لبنان أعلن مطلع شباط 2023 اعتماد سعر صرف جديد بـ 15 ألف ليرة، كخطوة نحو توحيد سعر الصرف وليس هدفاً بحدّ ذاته، ولاحظنا في التعاميم (التعميم 151 والـ158) كيف توحّدت أسعار صرف السحوبات”، ويتابع: أما الخطوة التالية فيجب أن تكون إلغاء تعدديّة أسعار الصرف، وبالتالي اعتماد سعر صرف واحد. إذ أن فواتير الكهرباء والاتصالات تُسدّد وفق سعر “صيرفة”، والاتجاه اليوم إلى أن يكون سعر الصرف المعتمد على منصّة “صيرفة” هو السعر المرجعي، وتصبح تداولات العرض والطلب بالتالي من خلال المنصّة.
وليس بعيداً، يؤكد غبريل رداً على سؤال، أن منصّة “صيرفة” ستسمر إلى ما بعد ولاية الحاكم رياض سلامة، “كونها مشروع مصرف لبنان مجتمعاً”.
أما الخبير السابق في صندوق النقد الدكتور منير راشد فيرى في حديث لـ”الديار”، أن “الطريقة الأسهل لتوحيد سعر الصرف هي أولاً: إلغاء أسعار الصرف المتداول بها حالياً والبالغة نحو 12، أبرزها: سعر صرف السوق الموازية، سعر الصرف المعتمد في التعميمَين 158 و161، سعر صرف منصّة “صيرفة”، سعر الصرف المعتمد للدواء والتعليم …إلخ. يجب إلغاؤها كلها باستثناء سعر صرف “صيرفة” الذي يبقى قيد التداول، ثم السماح للمصارف التعامل في سعر صرف السوق الموازية، تماماً مثل الصرافين. على أن تتبع منصّة “صيرفة” سعر السوق لاحقاً. عندئذ يصبح سعر صرف السوق الموازية هو السعر الأوحد المعتمد لدى الجميع”.
ويقول: لو تم السماح للمصارف سابقاً باعتماد سعر صرف السوق الموازية لصرف التحويلات من الخارج، لكانت حصّلت مليارات الدولارات…
لذلك، يعتبر راشد، أن “الأهم هو إلغاء أسعار الصرف كافة المرتبطة بتعاميم البنك المركزي، والسماح للمصارف بالتعامل بسعر صرف السوق الموازية، عندها تتبع منصّة “صيرفة” سعر السوق، وتصبح بالتالي شكليّة. وإذا أراد مصرف لبنان التدخّل في السوق، فيقوم بذلك من خلال المصارف ويرفع سقف الأموال المرصودة لها من البنك المركزي”.
ويشدد في هذا السياق، على أن “توحيد سعر الصرف” يكون من خلال “تحرير سعر الصرف”، ويضيف: إن توحيده لا يتم من دون تحريره، وإن لم نفعل ذلك فسيبقى هناك سعران لسعر الصرف: المنصّة والسوق السوداء. في حين يجب أن يكون لدينا سعر واحد، الأمر الذي يستوجب تحريره. فمصرف لبنان لا يمكنه تحديد سعر صرف معيّن ويلزم السوق به. وإلا عاد كما في السابق إلى معادلة تثبيت سعر الصرف عبر إعلانه كل صباح عن سعر الصرف اليومي، فهو لم يعد قادراً اليوم على تلبية عمليات البيع والشراء المرتفعة التي تسجّلها السوق.
ويخلص إلى القول “إن تحرير سعر الصرف يبقى الطريقة الوحيدة لتوحيده” .