أقرّت الحكومة في آخر جلسة لها قبل ان تتحوّل الى حكومة تصريف أعمال، استراتيجية النهوض بالقطاع المالي ومذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية. ورغم الاعتراضات المسجّلة والتي ستُسجلّ في مجلس النواب، حول تلك الاستراتيجية، إلّا انّ نسفها وإعادة صياغة خطة اخرى من نقطة الصفر، كما يسعى البعض، تحت عنوان حماية اموال المودعين، لن يصبّ فعلياً في مصلحة المودعين ولا في مصلحة نمو الاقتصاد والنهوض به، وسيقضي بالتالي على 4 ملايين لبناني يعانون من تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، مع كلّ تأخير في بدء مسار الإصلاح.
إنّ مناقشة هذه الاستراتيجية لمجرد نقضها والاعتراض عليها «بالجملة» كما حصل في العام 2020 عندما تمّ طرح خطة «لازارد»، لن تلحق سوى المزيد من البؤس بالمواطنين والمودعين على حدّ سواء، لأنّ الاستراتيجية الجديدة انطلقت من خطة «لازارد» نفسها وعدّلتها لتتلاءم مع المؤشرات الحديثة والتدهورات الإضافية التي لحقت بأرقام المالية العامة والقطاع الصرفي، نتيجة التجاذبات والمناكفات السياسية التي عطّلت وأخّرت عملية الاصلاح.
وبالتالي، فإنّ المطلوب اليوم التعامل مع هذه الاستراتيجية على قاعدة رئيسية أولية، وهي الاعتراف بحجم الخسائر المالية والتوقف عن إيهام المودعين، على الاقلّ أصحاب الودائع الكبرى، انّهم سيستعيدون ودائعهم كاملة كما يزعم ويعد النواب (القديم والجديد منهم)، وبدلاً من ذلك استئناف النقاش حول كيفية تعديل او إضافة بنود على تلك الاستراتيجية، لأنّ المماطلة او نسف الخطة الحالية، سيقضي على آخر فرصة او أمل للبلاد في النهوض مجدداً.
بموازاة ذلك، على مجلس النواب المنتخب حديثاً، الإسراع في إقرار قوانين ملحّة تعتمد استراتيجية النهوض بالقطاع المالي عليها من أجل تطبيق بنودها، منها قانون «الكابيتال كونترول»، قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، قانون السرّية المصرفية وغيرها…
تشدّد استراتيجية النهوض بالقطاع المالي التي وافقت عليها الحكومة، والتي حصلت «الجمهورية» على نسخة منها، على ضرورة الاعتراف اوّلاً بخسائر القطاع المصرفي المقدّرة بحوالى 70 مليار دولار، بهدف التخلّص من عنصر الشكّ الذي يحوم حول الاقتصاد، «وعلينا تطبيق استراتيجية النهوض بالقطاع المصرفي بالوقت المناسب، وذلك بالاستناد الى الركائز والمبادئ التالية:
– حلّ الترابط بين ميزانيات المصارف التجارية – الديون السيادية- ميزانية مصرف لبنان.
– إعادة رسملة مصرف لبنان وتحسين عملية إعداد تقاريره المالية لإعادة بناء الثقة.
– إعادة هيكلة ورسملة المصارف التجارية القابلة للاستمرار، وذلك من خلال جلب رأس المال جديد بعد استيعاب الخسائر القائمة.
وضمن مبادئ استراتيجية النهوض بالقطاع المالي:
– الشفافية
– احترام تراتبية الحقوق- المطالب عند استيعاب الخسائر عن طريق إلغاء رأسمال حاملي الأسهم وسندات الديون الثانوية ومن ثم ودائع الأطراف ذات الصلة.
– حماية صغار المودعين الى أقصى حدّ ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار، وذلك تبعاً للتقييم الرقابي. ولهذه الغاية، سيتمّ وضع حدّ أدنى لحماية موحّدة، تُطبّق على جميع ودائع المودع الواحد في أي مصرف من المصارف التي تُعتبر قابلة للاستمرار. ولن تستفيد من هذه الحماية أي زيادات طرأت على رصيد المودع بعد تاريخ 31 آذار 2022.
– حلّ المصارف التي تُعتبر غير قابلة للاستمرار بما يتماشى مع القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف الذي سيقرّه مجلس النواب والذي من المرجح ان يؤدي الى ان يحصل المودعون في هذه المصارف على مبالغ من ودائعهم دون الحدّ الادنى الذي تمّ ذكره.
– ينبغى ألّا يُستخدم دعم الحكومة إلّا إذا كان متسقاً مع القدرة على تحمّل الديون لإعادة رسملة مصرف لبنان الذي يستفيد منه جميع المودعين».
تطبيق استراتيجية النهوض المالي:
1- سيتمّ إلغاء تعددية اسعار الصرف الرسمية، بحيث يكون هناك سعر صرف رسمي واحد فقط، يتمّ تحديده على منصّة صيرفة.
2- سيتوجب وضع مجموعة من الافتراضات حول طريقة إعادة هيكلة سندات اليوروبوند.
3- سيتمّ تعديل قانون السرّية المصرفية بحيث يتمّ تمكين لجنة الرقابة على المصارف و/أو شركات التدقيق، من التحقق من بنية ودائع المصارف، لغرض معايرة مقاييس التعامل مع كل مصرف على حدة.
في الخطوة الاولى، ستتمّ إعادة تكوين رأسمال مصرف لبنان، حيث تشير التقديرات الى ضخامة رأس المال السلبي في مصرف لبنان، حيث يزيد عن 60 مليار دولار، غير انّ القيمة الحقيقية بحاجة الى المزيد من التدقيق. يتمّ حالياً العمل على إجراء تدقيق خاص لميزانية مصرف لبنان.
وبناءً على نتائج هذا التدقيق، سيتمّ إلغاء بداية، جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية تجاه المصارف، وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان وإغلاق صافي مركز النقد الاجنبي المفتوح للمصرف.
– تنطوي هذه الاستراتيجية على إعادة رسملة جزئية لمصرف لبنان بسندات سيادية قدرها 2,5 مليار دولار، يمكن زيادتها إذا اتسق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل الديون. اما ما تبقّى من الخسائر السلبية في رأس المال فسوف تُلغى تدريجياً على مدى 5 سنوات.
في الخطة الثانية، ستتمّ إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار بالتوازي مع حلّ المصارف غير قابلة للاستمرار. سيتطلب ذلك مساهمات كبيرة من قِبل مساهمي المصارف والدائنين من غير أصحاب الودائع. ومع ذلك، لن يكون كافياً لإعادة النظام المصرفي إلى حالته الصحية نظراً لحجم الخسائر. ونظراً لعدم وجود خيارات اخرى، سيستلزم الامر مساهمات من قِبل كبار المودعين. وفي هذا الإطار ترتكز الاستراتيجية على المراحل التالية:
– تحديد حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة. (يتمّ العمل على تقييم خسائر كل مصرف على حدة وتحليل بنية الودائع وهيكلية الودائع لاكبر 14 مصرفاً (83 % من الاصول)
– إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف، مما يعني انّ الودائع التي تتخطّى الحدّ الادنى للحماية، سيتمّ إما تحويلها الى اسهم (bail in) (من خلال حذف جزء منها او التحويل الى اسهم) و/أو تحويل ودائع العملات الاجنبية الى الليرة بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر صرف سوق القطع.
– ضخ رأس مال جديد في المصارف القابلة للاستمرار.
– حل كافة المصارف غير قابلة للاستمرار.
– لأغراض تتعلق بالسيولة، يمكن ان تتمّ اعادة الودائع المتبقية في المصارف القابلة للاستمرار، بالدولار و/أو الليرة على سعر السوق، وسيتاح سحب تلك الودائع وفقاً للحدود التي يفرضها قانون «الكابيتال كونترول».