باتت ظاهرة اعتماد عدد غير قليل من العائلات على الخادمات في رعاية أبنائها وأداء المهام المنزلية من الأمور التي ترتبط بالأم العاملة أكثر من غيرها بسبب غيابها لساعات عن المنزل بعيدا عن أطفالها، ويعتبر الجانب الأكثر سلبية هو الاعتماد الكلي على الخادمة في تربية الأبناء والانفصال عنهم جسديا وعاطفيا مما يؤثر على بناء شخصياتهم سلبا.
كثير من الأمهات يحمّلن الخادمة مسؤولية رعاية الأبناء وتربيتهم وتدبير شؤونهم رغم أهمية ما يحتاجه الأطفال من أجواء تتسم بالعطف والحنان والإشراف المباشر، فمرحلة الطفولة المبكرة هي المرحلة الأساسية في بناء الشخصية، ولا شك أن تربية الأبناء من الأمور الأساسية في حياة الأم.
تقول الموظفة أماني علي:«لدي طفل يبلغ من العمر سنتين، ومنذ الشهر الثالث وضعته في الحضانة، لأنني لا أثق في تربية الخادمة،
فكثير منهن يتم استقطابهن من بيئات مختلفة تماما عن بيئتنا، فنجد الأبناء يكتسبون عادات سيئة وغير مستحبة بالنسبة لنا مع انني لا انكر أن كثيرا من الأمهات يعتمدن على الخادمات بشكل كبير في رعاية اطفالهن.
سعاد يوسف عاشت معاناة كبيرة مع خادمتها، وتقول:«لم استطع تحمل تصرفاتها أكثر من عام، واضطررت الى ارجاعها لمكتب استقدام العاملات والاستغناء عن خدماتها». وتضيف: «عندما أحضرتها لمنزلي لم تكن تعرف شيئا وبدأت تعليمها الأمور المنزلية والعناية بأطفالي، فأنا ربة منزل ولكن عمل زوجي خارج البلاد اضطرني لاحضار الخادمة للعناية بأطفالي عند ذهابي لقضاء وشراء الحاجات المنزلية التي تأخذ مني وقتا خارج المنزل».
وتوضح: «بدأت معاناتي مع الخادمة عندما أخبرني أبنائي أنها تضربهم وتشتمهم أثناء غيابي عن المنزل، وتعلمهم أمورا وعادات تختلف تماما عما هو سائد في مجتمعنا، عندها انتابني الخوف والقلق على أطفالي فما كان مني الا إرجاعها للمكتب الذي احضرتها منه.
يشير اخصائي علم النفس الدكتور وائل سمارة إلى أن وجود خادمة أصبح ظاهرة في المنازل الاردنية بسبب الحاجة أحيانا وبسبب عمل ربة المنزل، وفي أحيان اخرى يعتبر وجود الخادمة نوعا من الوجاهة لاعتبارها من علامات الثراء، فنرى كثيراً في المولات والاسواق العامة العديد من الخادمات يحملن أكياس الخضار والفاكهة ومستلزمات البيت وهن يمشين خلف سيدات المنازل.
ويضيف سمارة ان وجود الخادمة في المنزل يؤثر تأثيرا مباشرا على الطفل في فترة بناء الشخصية، حيث يتعلم الطفل في هذه الفترة من والدته او جدته ولكن مع وجود الخادمة فإنه يكتسب مهاراته اللغوية من الخادمة بحيث يتعلم اللغة العربية الركيكة مما يجعل الطفل متردداً فيسمع الحروف بطريقة نطق مختلفة تؤدي الى التأتأة عند الحديث مع الأطفال الذين في عمره.
وينبه سمارة إلى تأثر الأطفال الذين يتربون مع الخادمة سلوكيا لأنهم يكتسبون عاداتها وسلوكياتها وليس عادات أبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وبيئتهم.
ويؤكد ايضا ان التأثير الآخر هو خلل في ثقافة الطفل من حيث القيم الدينية، فمع مرور الوقت لا يشعر الطفل بالانتماء للغته ومجتمعه وعندما يكبر يصبح منكسراَ عاطفياً ومعرضاً للانحراف، وينتج عن ذلك ما يسمى انفصام (اللاشعور) ويترسب في داخله وليس ضروريا ان يلاحظ عليه في مرحلة الطفولة وإنما يبدأ معه في مرحلة الكبر.
يقول الخبير والمستشار التربوي الدكتور زكريا المباشر إن تغير الحياة إلى الرأسمالية ألقى بظلاله على كل من الرجل والمرأة وأصبحت المرأة جزءاً لا يتجزأ من عجلة المجتمع الاقتصادية شأنها شأن الرجل، وبالاضافة الى كونها الأم الحامل والمرضع والمربية والزوجة أصبحت الأم العاملة التي يشكل عملها جزءاً من ميزانية المنزل، فكان لذلك تبعات كبيرة على الأسرة وخصوصاً على الأبناء فقد أصبحت عبارة الخادمة في المنزل امراً شائعاً وغير مستغرب.
ويلفت المباشر إلى أنه بحسب الدراسات فإن الأبناء من أكثر ضحايا وجود الخادمات، لأن الأطفال ينشأون في رعاية الخادمات وغالبا ما تكون لديهن مشاكل نفسية واجتماعية بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها الأطفال في النمو اللغوي والقدرة على التعبير.
وينوه المباشر الى ان وجود الخادمة بالمنزل يبعد الطفل عاطفيا عن والدته والتي تعتبر مصدر الحنان والعاطفة فيصبح لديه مشاكل في النمو الانفعالي العاطفي.
ويخلص المباشر الى أن السنوات الأولى من عمر الطفل أهم وأخطر سنوات حياته، ويحتاج الأطفال في هذه المرحلة العمرية الى اكبر قدر من التفاعل الجسدي والحركي المهاري والعاطفي الانفعالي مع امهاتهم، لأنها السنوات المعول عليها في صقل شخصيته، وإذا ترك في رعاية الخادمة فإن الطفل سيدفع ثمنا غاليا من مستقبله في مرحلة الشباب وهذا ما قد يفسر لنا الكثير من المشكلات السلوكية التي يعاني منها شبابنا.
وترى الاستشارية التربوية والنفسية شذى مبيضين أن سلوك الخادمات يؤثر على سلوك الاطفال خاصة اذا اعتاد الأطفال على الخادمات أكثر من والديهم ومن الآثار السلبية التي قد يتعرض لها الطفل سوء المعاملة من قبل الخادمات والتي تؤثر سلبا على شخصيته وتفاعله مع الآخرين بالاضافة الى الاعتماد على الخادمة في القيام بكل الأعمال الروتينية فتتعزز لدى الطفل سلوكيات الاعتمادية الزائدة.
وتلفت مبيضين الى أهمية معرفة الوالدين بمن يهتم بأطفالهم معرفة جيدة ومراقبة سلوكياتهم والاستماع لهم كجزء من الوقاية وقضاء وقت كاف معهم.