تتمّ اليوم محاولات لتعديل قانون النقد والتسليف، وبعد مباحثات استمرت لشهور لم تتوصل اللجنة الى أية تعديلات جذرية او قانون جديد يعيد تنظيم العلاقة بين المصرف المركزي والمصارف بطريقة سليمة، بعدما شهدت العقود الاخيرة تجاوزات خطيرة.
انّ إقرار اي قانون جديد للنقد والتسليف يجب ان يكون هدفه الأساسي هو حماية الودائع، لا ان يكون مظلة تسمح بنهب الودائع وهدر حقوق الناس. ونكرّر انّ الهدف الرئيسي لإنشاء المصرف المركزي هو منع الاستغلال والممارسات الملتوية، بحيث يكون المصرف المركزي الحامي للودائع والمنظم للقطاع المصرفي.
انّ دور المصرف المركزي هو إنشاء شبكة حماية لخلق جو ثقة وأمان تريح الاعمال وتُعيد استقطاب المستثمرين، لا ان يكون متواطئاً مع المصارف ضمن شبكة مصالح شخصية ادّت الى تعتير الناس وخراب الاقتصاد.
ولا يعود للمصرف المركزي كما فعل سابقاً، رسم السياسات المالية ومنح القروض ومنح الدعم المالي للدولة الخ… فما حصل في العقود السابقة كان حماقة بلا حدود (إن لم نقل جريمة) بإعطاء حاكم صلاحيات غير منطقية سمحت بالنهب والتعتير، وبخاصة انّ الهيئات الرقابية على أنواعها، من مفوض الحكومة إلى اللجان الرقابية وغيرها، لم تمارس دورها في الإشراف على الصلاحيات المذكورة.
بالإضافة الى ذلك، يجب تحديد فترة زمنية لمنصب الحاكم في قانون النقد والتسليف مع منع التجديد له، لأنّ امتهان المناصب في لبنان يلعب دوراً ضخماً في تسهيل الفساد وخراب البلد ويسهّل التجاوزات والتستر عليها.
هذا من جهة، اما من جهة اخرى، فإنّ أيه تعديلات مطروحة لن تفيد، اذا لم يتمّ إقرار قانون جديد لتحقيق الشفافية المطلقة عامة وبخاصة في المصرف المركزي، لأنّ الاموال في المصرف المركزي هي ملك الشعب، لا يجوز لأية مجموعة ان تتصرف بها كما حدث سابقاً.
عند استلام النائب الاول وسيم منصوري منصب الحاكم بالإنابة، تعهّد بالشفافية الكاملة، ليتبين في ما بعد انّ الشفافية تعني تقريراً يتضمن أرقاماً عامة لا إفادة منها. يعني نفس مسار الحاكم السابق، الذي كان يحتفظ بالتقارير لنفسه. فتقارير لجنة الرقابة وتقارير شركات التدقيق العالمية كانت لا تُرسل إلّا إلى الحاكم، وهو وحده يقرّر كيف سيستعملها.
هذه جريمة بحدّ ذاتها، وكل من سمح بحصولها مشارك بالجرم. فهل يُعقل ان يكون ممكناً للحاكم المركزي ان يخفي المعلومات عن الناس حول اموالهم، فيما هذه المعلومات يجب ان تكون متوافرة ومُتاحة يوماً بيوم؟ يجب على قانون النقد والتسليف ان ينظّم بوضوح تطبيق الشفافية في المصرف المركزي، ويتضمن مواد للمحاسبة في حال عدم تطبيقها. ونعني بالشفافية المطلقة منح access لحسابات المصرف الممكننة للإطلاع من دون تغيير مضمون لا نشر تقارير دورية.
كما تفرض الشفافية ان يكون هذا القانون وكل القوانين التي تتمّ مناقشتها، كما كل محاضر مناقشات اللجان النيابية بالتفصيل، متاحة للعموم على مواقع الكترونية، ليظهر موقف وعمل كل نائب، وتكون المداولات علنية ومعروفة للناس، لأنّ الشعب هو صاحب المصلحة الاولى، وهي امواله. وهكذا يُصبح من الصعب على المسؤولين ان يسنوا قوانين على مقاسهم.
من جهة أخرى، يجري الحديث عن رغبة مصارف اجنبية دخول السوق اللبناني، فيما المصارف الحالية تعرقل هذا الطرح بانتظار ان تسدّد الدولة ما اخذته، كي لا تتحمّل اي خسائر. وهنا بتنا على ثقة انّ حجة الخسائر غير حقيقية، والّا كانوا كشفوا اوراقهم بشفافية كاملة ليثبتوا هذه الخسائر.
لا يريدون ان يظهروا الحقائق والإجابة عن الاسئلة التي سألناها مراراً، لكي لا يتوضح كم استفادوا من هذه الازمة. فلا نرى اي صاحب مصرف تراجعت احواله كما حصل مع مودعيه، بل على العكس يعيشون برفاهية مستمرة.
المصارف لا تشعر بوجع الناس وبالتدمير الذي سببته للاقتصاد اللبناني، وهي تستمر بسياسة التطنيش وتمنع اقامة قطاع مصرفي سليم عبر إعادة ما تبقّى من الودائع. انّ جرائمهم مستمرة بحق الشعب والاقتصاد الذي من المستحيل ان يستقيم في ظل قطاع مصرفي هجين. انّ الاستمرار بسياسة التعنت وأكل حقوق الناس جريمة فظيعة تهدّد شعباً بكامله.