قبل انتهاء ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان، كان التوقّع العامّ السائد بين اللبنانيين يفيد بأنّ سعر صرف الدولار سيحلّق إلى ما فوق 150 ألفاً وربّما أكثر. ومع تداول الأيام والأسابيع، تحوّل الـMainstream صوب التساؤل: كيف استقرّ سعر الصرف بهذا الشكل؟ لاحقاً، تكوّنت قناعة لدى الناس تفيد بأنّ سعر صرف الدولار سيواصل ثباته عند 89 ألفاً ولن يتزحزح، وأنّ الحاكم الجديد بالوكالة وسيم منصوري استطاع أن يفرض هذا الثبات والاستقرار.
اليوم، يتحوّل السؤال إلى مكان آخر أكثر إيجابية، وقوامه: متى سيبدأ سعر صرف الدولار بالهبوط التدريجي؟
ينطلق طارحو هذا السؤال من مسلّمة تفيد بأنّ سياسة منصوري النقدية كانت ناجحة. وقد استطاع أن يجمع في غضون أشهر قليلة (قرابة 4 أشهر) نحو 400 مليون دولار، أي ما معدله 100 مليون دولار شهرياً، من دون أنّ يتحرّك سعر الصرف في السوق الموازي صعوداً قيد أنملة ومع إصراره على عدم تسليف الدولة أيّ دولار… وبالتالي فإنّ ذلك يعني في ما يعني أنّ:
1- سياسة حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري، كانت على مدار الأشهر الأربعة ناجحة جداً بخلاف السياسة السابقة التي اتّسمت بكثير من “الشطحات”، التي أوصلت سعر الصرف في مرحلة من المراحل إلى قرابة 140 ألف ليرة للدولار الواحد.
2- أنّ طلب المصرف المركزي على الدولار كان منظّماً وهادئاً.
تقول مصادر مطّلعة في مصرف لبنان لـ”أساس” إنّ مجرد طرح هذا السؤال (لماذا لم يهبط سعر الصرف بعد؟) هو دليل صحّة. بل هو دليل على أنّ الرأي العام اللبناني راضٍ كلّ الرضى عن سياسات “المركزي” الحالية.
تؤكّد المصادر أنّ هذا الجوّ الإيجابي الذي ينتشر بين اللبنانيين يهيّىء الأرضية من أجل هبوط فعليّ في سعر الصرف، خصوصاً إذا ترافقت تلك الأجواء مع انطلاق منصة “بلومبرغ” التي ستبدأ بدفع سعر صرف الدولار إلى الهبوط إلى ما دون 90 ألفاً، وذلك نسبة إلى حجم الارتياح الذي حقّقه المركزي على مدى الأشهر الـ4 الماضية، فاستطاع بذلك أن يفرض المزيد من التحكّم بالليرة اللبنانية والدولار على السواء.
لكنّ المصادر تحذّر في المقابل من أنّه لا يمكن الإفراط في التفاؤل في حال لم يترافق كلّ ما سلف ذكره مع “مواكبة سياسية” تتمثّل بتنفيذ الإصلاحات التي اتُّفق عليها، وتأتي على رأسها قوانين “الكابيتال كونترول” و”الانتظام المالي” و”هيكلة المصارف” و”الموازنة العامة”.
تؤكّد المصادر أنّ بداية ظهور تلك الإصلاحات بشكل جدّي ستدفع كلّها صوب ارتياح السوق، وتقدّر هذه المصادر أنّ سعر صرف الدولار سيكون عندها بين هامشَي 50 و90 ألفاً، ولن يكون أكثر من ذلك.
نسأل مصادر مصرف لبنان عن حجم الدولارات المتداولة في السوق، فتؤكّد أن “لا إحصاءات دقيقة قادرة على حصر هذه الأرقام، خصوصاً في ظلّ شلل القطاع المصرفي والتحوّل نحو اقتصاد الكاش”، وأنّ كلّ جهة لديها تقديراتها.
على سبيل المثال، فإنّ صندوق النقد الدولي يذكر في أحد تقاريره أنّ حجم كتلة الدولارات الموجودة في السوق قد يصل إلى ما بين 6 إلى 7 مليارات دولار (يبدو أنّها متطابقة مع رقم التحويلات من الخارج باعتبار أنّها للاستهلاك اليومي)، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أنّ المتداول منها بين أيدي الناس ربّما لا يزيد على 2 مليار دولار، فيما البعض يقدّر أنّ الدولارات المخبّأة في المنازل داخل خزائن حديدية قد تصل إلى نحو 10 مليارات دولار لكنّها غير متداولة في السوق.
لا تستبعد مصادر مصرفية وصول سعر صرف الدولار إلى قرابة 30 ألف ليرة في حال نُفّذت الإصلاحات وأُعيد انتظام عمل القطاع المصرفي وضُبط “اقتصاد الكاش” وكُوفح التهريب عبر المنافذ (المرفأ والمطار والحدود).
تعتبر تلك المصادر أنّ أسهل وسيلة لاحتساب سعر الصرف هي بقسمة كتلة الليرات اللبنانية على حجم كتلة الدولار… وهذا يعني أنّ كتلة الدولار بالسوق في حينه لن تكون أكثر من 1.8 مليار دولار في حال اعتمدنا رقم الكتلة اللبنانية الحالية (54 تريليوناً ÷ 1.8 مليار دولار = 30 ألفاً للدولار الواحد).
يدلّ كلّ هذا على أنّ هبوط سعر صرف الدولار مجدّداً ليس حلماً، بل ليس مستحيلاً في حال ترافق مع الإصلاحات المطلوبة، أو ترافق مع عمل ملتزم وجدّي كذاك الذي تُظهره حاكمية مصرف لبنان الحالية، وهذا ليس صعباً ولا مستحيلاً… فهل هناك من يتّعظ؟