متى ينهار النظام الرأسمالي العالمي؟ البورصات وأسواق المال وكعب أخيل

حتى نطّلع أكثر على الأبعاد والمخاطر لهذا الأخطبوط على اقتصاد دول العالم المجسَّد في شبكة البورصات العالمية، بحيث أصبحت مقولة “إذا عطست أميركا. أصيب العالم كله بالحمى والبرد” حقيقة واقعية في حياتنا، اقتصادياً ومالياً ونقدياً.  ينبغي لنا أن نعرض الثقل والأهمية للحركة والتدفقات المالية الهائلة، التي تتحرك في شرايين هذا الأخطبوط الرأسمالي المرعب وأوردته.

الحجم والحدود والتأثير مالياً واقتصادياً لشبكة البورصات العالمية

بلغت القيمة السوقية الإجمالية للشركات المدرجة في أكبر وأهم عشرين بورصة عالمية قبل جائحة كورونا عام 2020 نحو 87 تريليون دولار، زادت عام 2021 إلى نحو 95 تريليون دولار، ثم قفزت في العام التالي (2022) إلى ما يزيد على 118 تريليون دولار بنسبة زيادة 35.6% بسبب ارتفاع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والأدوية والرعاية الصحية من جراء انتشار وباء كورونا. وتضم هذه القيم السوقية الرأسمال والأسهم لنحو عشرة آلاف شركة من كبريات الشركات العالمية.

وإذا أضفنا إلى هذه البورصات العشرين الكبرى سائر البورصات الستين الكبرى، أو البورصات الـ79، التي تنتشر في سائر بلدان العالم، فإن هذه القيم السوقية قد تتجاوز 180.0 تريليون دولار، بخلاف تلك الشركات التي يتحرك رأسمالها خارج مقصورات البورصات في هذا البلد أو ذاك.

وإذا قارنا ذلك بحجم الناتج المحلي العالمي من السلع والخدمات حتى نهاية عام 2022 – والبالغ 102.0 تريليون دولار – فلنا أن نتخيل ما تملكه هذه البورصات العالمية الكبرى من قدرات هائلة على التحريك أو التدمير لاقتصاد هذا البلد أو ذاك، وخصوصاً تلك البلدان التي تفاخر بالاندماج في آليات عمل الاقتصاد الرأسمالي العالمي!!

والأهم الآن أن نعرف كيف تجري التداولات وأوامر البيع والشراء اليومية بين شرايين هذا الأخطبوط البشع، سواء داخل البورصات ذاتها، أو فيما بين البورصات وبين بعضها بعضاً؟

أولاً: حجم التداولات والتحركات اليومية ودلالتها، اقتصادياً ومالياً:

الحقيقة أننا لن نستطيع التعرف بدقة إلى هذه الحركة الجبارة إلا بعد الاطلاع على حركة التداولات اليومية في بعض أهم هذه البورصات العالمية، والتي تتحرك فيها كميات هائلة من الأموال عبر عشرات الملايين من أوامر البيع والشراء داخل شاشات هذه البورصات.

وهكذا، تشكل هذه البورصات، في تعاملاتها المتبادلة وتداولاتها اليومية، شبكة أخطبوطية رهيبة وغير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي للأمم والشعوب، بحيث أصبحت بحركتها وتدفقاتها شبه مستقلة عن سائر أطرافها، واستطاعت أن تخلق عالمها الخاص. فلنتأمل معا أرقام حركة التداول وبياناتها، وأوامر البيع والشراء في كل أنواعها في أهم خمس عشرة بورصة عالمية فقط، حتى نتخيل حجم هذه الحركة على المستوى العالمي، وضمن سائر البورصات الستين الرئيسة.

في بورصة نيويورك – وهي الأولى والأكبر عالمياً – نجد أن حجم التداول اليومي لأوامر البيع والشراء في كل الأوراق المالية والعملات الأجنبية يتراوح بين 63.1 تريليون و66.0 تريليون دولار يومياً، سواء بين أسهم الشركات المدرجة في تلك البورصة، أو بين التعاملات مع البورصات الأخرى على نطاق العالم. وقس على ذلك سائر البورصات، مثل “ناسداك”، وهونغ كونغ، وبورصة شنغهاي، وسائر البورصات الكبرى، كما يُظهرها البيان التالي:

حجم التداول الشهرى لأهم البورصات عام 2020

1- بورصة نيويورك = 1452 تريليون دولار (أي بمتوسط يومي محسوبا على 22 إلى23 يوم عمل: 63.1 الى 66.0 تريليون دولار يومياً).

2- ناسداك = 1262 تريليون دولار (أي بمتوسط 54.9 إلى 57.4 تريليون دولار يومياً).

3- هونغ كونغ = 182 تريليون دولار (بمتوسط 7.9 إلى 8.3 تريليونات دولار يومياً).

4- بوصة شنغهاى = 536 تريليون دولار (بمتوسط 23.3 إلى 24.4 تريليون دولار يومياً).

5- بورصة اليابان = 481 تريليون دولار (بمتوسط 20.9 إلى 21.9 تريليون دولار يومياً).

6- يورونكست = 174 تريليون دولار (بمتوسط 7.6 إلى 7.9 تريليونات دولار يومياً).

7- بورصة شنتشن الصينية = 763 تريليون دولار (بمتوسط 33.2 إلى 34.7 تريليون دولار).

8- سوق لندن للأوراق المالية = 219 تريليون دولار (بمتوسط 9.5 إلى 10.0 تريليونات دولار يومياً).

9- بورصة مومباي (2021) = غير مبين.

10- السوق المالية الوطنية الهندية (2021) = غير مبين.

11- سوق تورنتو (2020) = 97 تريليون دولار (بمتوسط 4.2 إلى 4.4 تريليونات دولار يومياً).

12- السوق المالية السعودية (تداول) 2020 = غير متاح.

13- البورصة الألمانية = 140 تريليون دولار (بمتوسط 6.1 إلى 6.4 تريليونات دولار يومياً).

13- بورصة كوريا = 277 تريليون دولار (بمتوسط 12.1 إلى 12.6 تريليون دولار يومياً).

14- بورصة ناسداك نورديك أوروبا = 72 تريليون دولار (بمتوسط 3.1 إلى 3.3 تريليونات دولار يومياً).

هذه التداولات اليومية – عبر أوامر البيع والشراء للأوراق المالية والأسهم والسندات والمضاربة على العملات الأجنبية (سواء داخل البورصات نفسها، أو بين البورصات العالمية وبعضها البعض)، سابحة في الفضاء الإلكتروني، ومن خلال ومضات كهرومغناطيسية، في تدفقات افتراضية أحياناً وحقيقية أحياناً أخرى، مقارنة بناتج محلي عالمي من السلع والخدمات لم يتجاوز في نهاية عام 2022 نحو 102.0 تريليون دولار فقط – هذه التداولات تكشف مقدار الخلل البنيوي الذي يتسم به النظام الرأسمالي العالمي في طبعته الراهنة؟!

ووفقا لبنك التسويات الدولية، فإن حجم التعامل اليومي للأموال في الأسواق الدولية زاد من 80 مليار دولار في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين إلى 880 مليار دولار عام 1992، ثم إلى 1260 مليار دولار عام 1995 .

وبحلول عام 2000 كان حجم التعامل في المشتقات المالية والعملات في البورصات العالمية تجاوز 350 تريليون دولار، أي بواقع 2.0 تريليون دولار يومياً. وبهذا أصبحت حركة الاقتصاد المالي مستقلة وتغذي نفسها بنفسها بعيداً عن الاقتصاد العيني، أو متجاوزة له، وهذا هو جوهر الخلل الهيكلي الذي سيودي بالاقتصاد الرأسمالي كله، ما لم يُعَد تصحيح ذلك الخلل البنيوي.

وهنا أول التناقض القاتل والمهدد لبنية النظام الرأسمالي العالمي كله، فلا يمكن تحليل عوامل الصعود والانهيار والسقوط للنظام الرأسمالي العالمي من دون التوقف ملياً عند دور البورصات وأسواق المال المنتشرة في ربوع العالم الرأسمالي وتأثيرها في عوامل النحر والتعرية اللذين يتعرض لهما هذا النظام.

وتكشف متابعة الأزمات الدورية المتلاحقة والمتقاربة في الاقتصاد العالمي (1982-1987-1992-1997-2000-2008- 2015 -2018) تصدعات كبرى في بنية هذا النظام، وبقدر ما تترعرع وتنتعش البورصات وأسواق المال مع حالة الفوضى وانتشار ممارسات الفساد، وعمليات النصب والتلاعب من جانب شركات كبرى بالنتائج الحقيقية لأعمالها، كما كشفه التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الكونغرس الأميركي عام 2008 للتعرف إلى أسباب تلك الأزمة العاصفة، وأصدرت تقريرها في كانون الثاني/يناير 2011.

ثانياً: نقاط ضعفها ومصدر انهيارها وانفجارها داخلياً وخارجياً

عبر هذه الشبكة الأخطبوطية الهائلة في مجال البورصات وأسواق الأوراق المالية من جهة، ومن خلال السيطرة على النظام المصرفي ونظم الإقراض والاقتراض العالمي من جهة أخرى، خلال الأعوام المئة الأخيرة، تمكنت الولايات المتحدة وتحالفها الغربي الأوروبي من الهيمنة على تلك الأسواق وتوحيدها تحت السيطرة الأميركية، فأصبح الحديث عن العولمة، في كل تجلياتها المالية والمصرفية والتجارية، ضرورة وحتمية رأسماليتين.

ويكشف التحليل التاريخي للأزمات العاصفة، التي مرت فيها البورصات العالمية الكبرى وانعكاساتها على سائر بورصات العالم وخسائرها المدمرة لاقتصادات كثير من الدول والحكومات والمستثمرين والشركات، عن وجود خلل بنيوي في آليات عمل هذا الجهاز الرأسمالي الضخم والكفيل وحده بتفجير هذه المنظومة من أساسها.

وعلى رغم تكرار حالات الخسارة والانهيار في الأسعار في البورصات المالية في فترات دورية مرتبطة بما تتعرض له عادة دورة الإنتاج والتشغيل وآليات العرض والطلب في أسواق السلع والخدمات من ناحية، أو في أسواق المال من ناحية أخرى، وعمليات المضاربة الواسعة والتلاعب الخفي، مثلما جرى في أثناء أزمة الكساد العظيم Great Depression في الولايات المتحدة عام 1929، والتي انعكست في مجال الأسوق المالية والبورصات، وخصوصاً في نيويورك ولندن، وأدت إلى إفلاس مئات الآلاف من الشركات الصناعية والتجارية والمالية، كما أدت إلى انهيار قيم عملات 56 بلداً رأسمالياً، وتدهور التجارة العالمية، وانتشار البطالة.

بحيث بلغ عدد المتعطلين في الولايات المتحدة وحدها في عام 1931 نحو 20 مليون شخص يمثلون نحو 30% من القوى العاملة في ذلك البلد، كما انخفضت الأجور المدفوعة عام 1929 بنسبة 60%، والانخفاض المقدر في الإنتاج القومي في الدول الصناعية الكبرى في أثناء الأزمة بنسبة تتراوح بين 45% و60%، وبلغ عدد المتعطلين في هذه الدول عموماً أكثر من 100 مليون عامل. كل ذلك كشف الدور السلبي العميق للبورصة في ذلك الحين.

عمّقت البورصات أزمة الاقتصاد الرأسمالي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بسبب انتشار ممارسات المضاربة والمقامرة على أسعار الأسهم والسندات المتداولة فيها.

صحيح أن الأزمة كانت بدأت في سوق السلع والخدمات، لكنها (بتأثير المضاربة واسعة النطاق التي سبقتها في بورصة نيويورك وغيرها من البورصات الكبرى في لندن وزيوريخ، على وقع الأرباح الكبيرة التي تحققت للمضاربين والمستثمرين في تلك البورصات) أدت إلى تعميق حالة الانهيار.

وهكذا تحولت البورصات من وسيلة لدعم الاستثمارات وتوظيف المدخرات والفوائض إلى كابوس حقيقي، وسوف نرى أن تحولاً عميقاً سوف ينشأ بالتدريج في هيكل الاقتصاد الرأسمالي وبنيته بسبب النمو غير المتلائم وغير العقلاني بين قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي من ناحية، والقطاعات المالية، مثل البنوك والبورصات وعمليات الرهن العقاري وظهور أدوات مالية جديدة في أسواق المال، من ناحية أخرى، بحيث برزت في العقود الأربعة الأخيرة منذ منتصف الثمانينيات أدوات جديدة، مثل : المشتقات المالية Derivatives، والاختيارات OPTIONS، والعقود الآجلة والمستقبلية FORWARD، وغطاء الضمان، ومقايضات سعر الفائدة (7)، وهى كلها من “افتكاسات” المؤسسات المالية في الولايات المتحدة والبورصات العالمية، وخصوصا الأميركية.

فلنتأمل معاً هذا التحول الدراماتيكي خلال العقود الأربعة الأخيرة، والتي أدت إلى تلك الظاهرة الشاذة في العالم، فبينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2010 نحو 51 تريليون دولار، كانت التعاملات المالية بأدواتها المتعددة (من المشتقات المالية، والتعاقد المستقبلي، والمضاربة على العملات الدولية وغيرها) بلغن تريليونَي دولار يوميا.

وكان من نتائج ذلك الانهياراتُ المتعددة والمتقاربة في الاقتصاد العالمي، والتغير في آليات عمل الدورة الاقتصادية Business Cycles .

فبدلا من أن يتراوح (انتعاشاً وركوداً وكساداً) بين خمسة عشر وعشرين عاماً أصبحت تدور بين 7 أعوام و10 أعوام، وأحياناً كثيرة تقل عن ذلك، مثل أزمات (1982-1987 -1992- 1997- 2000-2008 – 2016 ). وضربت الأزمات الدورية دولاً ومجموعات من الدول مثل : المكسيك (1994 )، وجنوب شرق آسيا (صيف 1997)، والأزمة الروسية الكبرى (1999)، والأزمة التركية (2000)، والأزمة الأرجنتينية (2001)، وهو ما عُرف باسم اقتصاد الفقاعة Bubble Economy(9) .

فإذا تأملنا مسار الانهيارات التاريخية المتكررة لهذه البورصات في العالم أجمع نجدنا أمام مصير محتوم بالنهاية المأسوية لهذا النموذج الرأسمالي:

1- انهيار الخميس الأسود في الرابع والعشرين من / تشرين الأول/أكتوبر 1929 في بورصة نيويورك، والذي عُرف بالكساد العظيم، وتبعه الاثنين الأسود في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، وتلاه “الثلاثاء الأسود” يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر (أي في اليوم التالي مباشرة)، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع في يوم واحد، لكنها لم تجد مشترين ففقدت قيمتها، ونشر الوضع الاقتصادي الذعر لدى المستثمرين في البورصة، وبادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين، وفقد مؤشر داو جونز في الاثنين الأسود 12.8% من قيمته، وفي اليوم التالي هوى المؤشر بنسبة 23%.

2- انهيار عام 1962 والذي يُعرف بالهبوط السريع لأسواق المال الأميركية، في إبان حكم الرئيس جون كنيدي، وامتد الانهيار من كانون الأول/ديسمبر 1961 إلى يونيو/ حزيران 1962.

وحدث بعد أن حققت هذه الأسواق نمواً متصاعداً لعقود منذ أزمة عام 1929 لتأتي مرحلة تصحيح وضع السوق، وتُعرف لدى المتداولين في البورصات بفترة تعقب بلوغ مؤشرات الأسهم مستويات مرتفعة جداً، تليها مرحلة بيع واسعة لجني أرباح ارتفاع الأسعار. وخسر مؤشر ستاندرد أند بورز 22.5% من قيمته، وهبط مؤشر داو جونز بنسبة 5.7%، وهو ثاني أكبر هبوط للمؤشر الثاني في تاريخه، ولم تتعافَ الأسواق الأميركية إلا مع اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية.

3- انهيار عام 1987 الذي عُرف باسم الاثنين الأسود في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1987، وتكبدت أسواق المال العالمية فيه خسائر ضخمة، بحيث انطلقت موجة الهبوط الشديد من هونغ كونغ وسائر الأسواق الآسيوية، وانتقلت إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة. وخسر مؤشر داو جونز 508 نقاط، وفقد أكثر من 22% من قيمته.

ويرجع انهيار السوق إلى المضاربات وبرامج الإتجار التي كانت متبعة لشراء الأوراق المالية وبيعها، إذ بدأت صناديق الرواتب وصناديق الاستثمار وصناديق التحوط تستخدم تقنيات الحاسوب في تنفيذ عمليات شراء كميات هائلة من الأسهم وبيعها، وأدى هذا الأسلوب إلى تسريع انهيار الأسواق، فالانخفاض السريع في أسعار الأسهم تترتب عليه عمليات بيع أوتوماتيكية ضخمة عبر الحاسب، ويضاف إلى هذا العامل التقني أن الاقتصاد الأميركي انتقل في آخر عام 1985 وبداية عام 1986 من مرحلة النمو السريع والتعافي من الركود المسجل عام 1980 إلى تباطؤ النمو.

4- انهيار عام 1997 في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1997 حينما شهدت البورصات العالمية موجة هبوط حاد ناتجة من الأزمة الاقتصادية في جنوبي شرقي آسيا، بحيث سجل مؤشر داو جونز ثامن أكبر خسارة يومية منذ نشأة البورصة الأميركية في عام 1896، وبلغت نسبة هبوط المؤشر 7.18%، كما انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 7%، وستاندرد أند بورز بنسبة 6.68%. وشملت آثار الانهيار – التي وُصفت بأنها لم تكن كبيرة – الأسواق الأوروبية والآسيوية، إذ هبطت بورصة هونغ كونغ بنسبة 6% وبورصة لندن بنسبة 2%.

5- انهيار عام 2001، وكان لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 على نيويورك وبعض المدن الأميركية آثار اقتصادية واسعة طالت البورصات العالمية وأدت إلى تراجعها بنسبة كبيرة، إذ تم تأجيل فتح بورصة نيويورك عقب ارتطام الطائرتين ببرج التجارة العالمية قبل أن يتم إغلاق بورصة وول ستريت وإغلاق مقرها تخوفا من هجمات محتملة.

كما أُغلقت بورصات عالمية أخرى نتيجة السبب نفسه. واستمر إغلاق بورصة وول ستريت إلى بداية الأسبوع التالي، وتكبدت البورصات العالمية في اليوم التالي للهجمات خسائر كبيرة، إذ هبطت بورصة ألمانيا بنسبة 8.5%، وإسبانيا بنسبة 4.6%، ولندن بنسبة 5.7%، كما تضررت بورصات أميركا اللاتينية، إذ انخفض مؤشر بورصة البرازيل 9.2%، والأرجنتين 5.2%، والمكسيك بنسبة 5.6%، قبل أن يتم وقف التداول للحد من الخسائر.

6 – الانهيار المؤلم فى السوق السعودية عام 2006 وخسارة أكثر من تريليون ريال سعودي. بتاريخ 25 شباط/فبراير 2006، وصلت سوق الأسهم السعودية إلى أعلى إغلاق في تاريخها، بقيمة سوقية تفوق 653 مليار دولار (2.45 تريليون ريال)، أي ما يقارب السوق السويسرية صاحبة المركز العاشر. وفي اليوم التالي 26 شباط/فبراير بدأ الانهيار. وفي نهاية 2006 كانت السوق المالية السعودية (تداول أو تاسي) خسرت 65% من قيمتها، وإجمالي قيمتها السوقية هبطت إلى النصف، إلى 326.9 مليار دولار (1.22 تريليون ريال) (10).

7- انهيار 2008 حينما تعرضت أسواق المال العالمية لهزة عنيفة في الثاني والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر بعد تداعي الأسواق الأميركية المتأثرة بتداعيات أزمة القروض العقارية وشبح الركود الاقتصادي، وبدأ الانهيار في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2008 بانهيار بنك “ليمان براذر”، وبعده عدد كبير من البنوك الأميركية، إذ هبط مؤشر داو جونز لخمس جلسات متوالية، وفقد 18% من قيمته، وهوى مؤشر ستاندرد أند بورز أكثر من 20%، واستمر الانهيار عدة أيام. وفي الرابع والعشرين من الشهر نفسه تكبدت البورصات العالمية خسائر قياسية، إذ تراجعت مؤشراتها نحو 10%. وعلى رغم عودة الأسواق العالمية

إلى الاستقرار النسبي (بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي خفض نسبة الفائدة بمقدار 0.75%) فإن الخسائر الكبيرة، التي سببتها الهزة، استمرت في التفاعل، كما أن الأسواق العالمية ظلت حذرة يسودها القلق من تكرار التجربة، ولا سيما مع استمرار شبح الركود المخيم على الاقتصاد الأميركي.

8- انهيار عام 2015 حينما اجتاحت موجة هبوط حاد البورصات العالمية في 24 آب/أغسطس 2015، خسرت فيها الأسهم أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وذلك بسبب انهيار سوق الأسهم الصينية وحدوث مؤشرات على تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وخسارة النفط 6% من قيمته. وأدى انهيار الأسواق العالمية إلى التخوف من اندلاع أزمة اقتصادية عالمية جديدة، تنطلق شرارتها هذه المرة من الصين وليس من أميركا. وفقد مؤشر داو جونز ألف نقطة، وهوى مؤشر ستاندرد أند بورز الأوسع نطاقاً بنسبة 2.5%. وفي أوروبا هوت مؤشرات الأسهم أكثر من 4.7%، أما أسواق الأسهم الآسيوية فلامست أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام من جراء مخاوف المستثمرين من أن يؤدي التراجع الكبير للاقتصاد الصيني إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي واندلاع حرب عملات. كما تراجعت بورصة ألمانيا بنسبة 6.79%، ونظيرتها الفرنسية 6.57%، وفقدت بورصة لندن أكثر من 5% من قيمتها لتتراجع إلى أقل مستوياتها منذ عام 2011، كما أغلق مؤشر بورصة شنغهاي منخفِضاً بنسبة قاربت 9% لتنحدر إلى أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 ، وانخفض مؤشر الأسهم اليابانية أكثر من 4% في نهاية التداول.

9 – انهيار عام 2018: في 5 شباط/فبراير، ووفقاً لوكالة “رويترز”، أنهى داو جونز جلسة اليوم السابق منخفِضاً 2.54%، بينما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقاً 2.12%، ومؤشر ناسداك المجمع 1.96%.

وتكبّدت الأسهم الأوروبية أكبر خسائرها الأسبوعية في أكثر من عام الأسبوع السابق بفعل ارتفاع عوائد السندات في إثر توقعات بتشديد السياسة النقدية، لتمحو قدرا من المكاسب التي حققتها في كانون الثاني/يناير حين اتجه المستثمرون إلى شراء الأسهم بفضل التفاؤل بشأن النمو العالمي، بحسب الوكالة، وهبطت المؤشرات الثلاثة الرئيسة للأسهم الأميركية، وتكبد مؤشر داو جونز الصناعي أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية منذ يونيو/حزيران 2016 بعد أن أثارت قفزة لعوائد السندات موجة مبيعات في بورصة وول ستريت.

والمصيبة أنه في كل مرة كانت الأسواق المالية العربية تخسر مئات المليارات من الدولارات، كما حدث في يوم الاثنين الأسود في بورصة نيويورك عام 1987، ومن قبله يوم الاثنين الأسود الشهير في الكويت عام 1983 عندما بلغت الخسائر في سوق المناخ للأوراق المالية قرابة 22 مليار دولار، أو كارثة سوق الأسهم السعودية بتاريخ 26 شباط/فبراير 2006، والتي أشرنا إليها في السطور السابقة وأدت إلى خسارة أكثر من 1.12 تريليون ريال سعودي من رؤوس الأموال، فيما عُرف بكارثة يوم الثلاثاء الأسود يوم 14 آذار/مارس 2006.

كما خسرت البورصات الخليجية نحو 37 مليار دولار من قيمتها السوقية في جلسة 19 كانون الأول/ديسمبر 2020 بسبب تفشي وباء كورونا المتحول (أو ميكرون)، وجاءت هذه الخسارة مع اتجاه دول الخليج العربي إلى فرض إغلاقات صارمة للأنشطة الاقتصادية بسبب هذا الوباء.

10- أما البورصة المصرية فتعرضت مراراً وتكراراً منذ نشأتها الجديدة عام 1992 لخسائر متكررة، وآخرها في شهر نيسان/أبريل عام 2021، بحيث خسرت خلال ثلاثة وعشرين يوماً فقط خسائر ضخمة من رأس المال السوقي بمقدار 73 مليار جنيه.

وأرجع عدد من الخبراء (البورصجية) أسباب هذا الهبوط إلى عوامل خارجية أثارت مخاوف المستثمرين الأجانب، أبرزها: عدم استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة، وقضية سد النهضة، والتأثر سلباً بجائحة كورونا، بالإضافة إلى العوامل الداخلية، وأبرزها فقاعة الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي وصلت إلى مستويات سعرية تفوق السعر والقيمة العادلين للسهم نتيجة المضاربات والصعود الكبير لمؤشر إيجي أكس 70 طوال عام كامل من شهر شباط/فبراير عام 2020 حتى شهر شباط/فبراير عام 2021.

ودخول بعض الأسهم في عمليات جني الأرباح، بالإضافة إلى الاتجاه نحو تحجيم آلية الشراء بالهامش، الأمر الذي أثر في حجم السيولة في السوق نتيجة خروج استثمارات من سوق المال من دون ضخ أخرى جديدة، الأمر الذي انعكس على أسعار الأسهم وقيم الأسهم والسندات، كما أشاروا إلى حقيقة، مفادها أن سوق المال المصرية تعاني ضعفاً، بصورة عامة، الأمر الذي أثّر في أداء المؤشرات التي تسير في اتجاه هابط على المديين: قصير الأجل ومتوسط الأجل. ونُصح المتعاملون في البورصة المصرية بالابتعاد عن الأسهم التي تفوق قيمتها السوقية تقدير القيمة العادلة، وشراء الأسهم التي تقل قيمتها السوقية كثيراً عن القيمة العادلة ، وهي إحدى آفات العمل في البورصات عموماً، والبورصة المصرية خصوصاً.

وهنا يبدأ البورصجية طرح حلول لخسائر المقامرين والمضاربين في البورصة، لكنها تمثل إهداراً لحقوق المجتمع والدولة، مثل: المطالبة بطرح حوافز ضريبية جديدة لجذب المتعاملين، ومنها إعفاء ضريبي لمدة محددة عن الاستثمار البورصة، وإعفاء للشركات لتشجيعها على القيد، وجذب طروحات جديدة لجذب مستثمرين جدد إلى سوق المال من خلال برنامج الطروحات الحكومية، والبدء بالشركات الكبرى مثل بنك القاهرة لجذب سيولة جديدة، مع طرح البنك بسعر مغرٍ يحقق عائداً للمستثمرين، مشيراً في هذا الصدد إلى التجربة الناجحة لطرح الشركة المصرية للاتصالات، والتي جذبت شريحة كبيرة من المستثمرين. ويمكن تكرار التجربة نفسها في بنك القاهرة، الذي يتمتع بأداء مالي قوي وثقة المستثمرين.

وهكذا يبدو أن المدخل لخسائر البورصة هو بيع الأصول والممتلكات الحكومية، وتصفية المقدرات الباقية للدولة المصرية، والتي أبقتها صامدة في مواجهة العواصف والأنواء، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على مصر والبلدان العربية في الخامس من حزيران/ يونيو 1967.

من هنا، نؤكد أن هذه الأسواق المالية تتحرك في شكل موجة متصاعدة، لكنها تتعرض لانخفاضات متفاوتة المدة والشدة خلال الزمن، وتتحول عملية التداول في السوق المالية إلى ظاهرة اجتماعية في مراحل معينة، الأمر الذي يعني ضخ سيولة إضافية في السوق، وارتفاع أسعار الأسهم فوق كل الحدود المنطقية.

وتتحول بالتالي قضية المضاربة في السوق إلى الشغل الشاغل للناس. وأمام هذه الأرباح الخيالية (التي يشعر البعض بأنها في متناول يديه، أو يكون البعض الآخر حققها في الواقع)، يبادر الكثيرون إلى ضخ مزيد من السيولة أيضاً في السوق المالية، الأمر الذي يزيد في تصاعد الأسعار إلى حدودها القصوى والنهائية حين يتم ضخ كل السيولة المتاحة في السوق. وعندئذٍ، لا يبقى سوى وقت قليل لحدوث الانهيار، ومعه تنهار أحلام كثيرين.

ومع تنوع صور المعاملات والتداولات وأشكالها في البورصات والأسواق المالية، ترتفع احتمالات الخطر والخسائر، وخصوصاً إذا شاب ذلك عمليات تلاعب كبرى تحدث في صالات المتداول، وتصبح الأموال والاستثمارات للشركات والأفراد معلقة على لحظة انفجار الفقاعة.

مصدرالميادين - عبد الخالق فاروق
المادة السابقةمنصة بلومبيرغ وعلاقتها بالمصارف: مصير الدولار وسوق السوداء
المقالة القادمةحملة مكافحة الإنترنت غير الشرعي مستمرة والتعرفة الجديدة كافية لإنقا القطاع