لم يتوقف الهدر والنهب بعد كل ما مررنا به وحصل لنا، وبعد كل الفضائح ما زال هناك اصرار وقح على اعتماد الوسائل نفسها والحجج نفسها والمسار نفسه. والأفظع هو الاستهتار بالأموال، ولبنان يحتاج إلى كل قرش، في بلد اعلنت كل مؤسساته الرسمية الإضراب بسبب عدم توافر السيولة لزيادة الرواتب.
ـ أولاً، اشترينا كمية 66000 طن من مادة (VLSFO very low sulfur fuel oil) بقيمة 62,019,344 دولارًا اميركيًا، اي انّ سعر الطن 940 دولارًا. وفي نظرة سريعة عند «العم غوغل» نرى انّ السعر العالمي هو في حدود الـ700 دولار يُضاف اليه 30 دولارًا بدل شحن لكل طن. فهل من يشرح لنا سرّ هذه الصفقة وأسعارها؟ ولماذا نصرّ على عدم اعتماد الشفافية في صفقات الشراء، بحيث يطلع الجميع على ظروف العقد ونوع الفيول والسعر الخ…؟.
– ثانيًا، كيف نمنح مناقصة لشركة متورطة في دفع رشاوى عالمياً. ففي مقال في وكالة «رويترز» في 2020 ( https://www.reuters.com/article/us-brazil-courtcase-idUSKBN28D2VD) انّ شركة Vitol دفعت مبلغ 164 مليون دولار غرامة بسبب ما توصلت اليه التحقيقات الاميركية، في انّها دفعت رشاوى في البرازيل ودول اخرى لزيادة حصتها من عقود الفيول. وهو ما اعترفت به الشركة نتيجة التحقيقات. وهذا يعيدنا إلى التساؤل عن المناقصات واجرائها وغياب الشفافية. والحجة الصادمة انّه لم تتقدّم الّا شركة واحدة للمشاركة في المناقصة. فكيف أُعلن عن هذه المناقصة وعبر أي وسائل؟
– ثالثًا، نصرّ على اتباع الطرق نفسها، و»التخبيص» نفسه في معاملاتنا الداخلية والخارجية، وبعد كل ما دفعته الدولة على مدى سنوات من غرامات وتعويضات بسبب أخطاء في العقود وسوء إدارة وإهمال، وهذه السياسة المعتمدة منذ 30 عامًا لتحميل الدولة غرامات وتعويضات مقصودة، نتحمّل مجدداً خسائر بقيمة 18 ألف دولار غرامة عن كل يوم تأخير في التفريغ لكل باخرة، وهناك اربع بواخر، وقد تصل الغرامات إلى المليون دولار، فلماذا لا نتعلم ان يتمّ تأمين المبلغ المالي وتوافر الاعتماد قبل استدراج العروض وفتح سوق المناقصات؟
– رابعًا، كان من الافضل دفع المبلغ نقدًا للشركة مباشرة والحصول على حسم، بدل الإصرار على فتح اعتماد لمدة 180 يومًا، وخصوصًا اننا في وضعنا الحالي لن يقبل أي مصرف بفتح اعتماد ما لم ندفع المبلغ نقدًا كاملاً، وبالتالي، لماذا الإصرار على فتح اعتماد وتجميد المبلغ ودفع رسوم اضافية للمصرف؟
هذه العقلية المستهترة بمال الدولة تدوم وتدوم، فأصبحت الفضائح طبيعية وغير صادمة، بل صارت هناك وقاحة زائدة في التفريط بمال الدولة بلا خجل. ألم يعلّمنا الانهيار الاقتصادي شيئًا؟ ألم نتعلم بعد ان نكون حريصين على كل قرش! وان نحمي كل قرش للدولة والناس!
ونعود إلى قصة إبريق الزيت، الشفافية ثم الشفافية، لأنّ كل قصة من هذا النوع تؤكّد لنا انّ العلاج الوحيد هو الشفافية، لو تأمّنت الشفافية لكانت المناقصة منشورة للجميع، مع دفتر الشروط! ولو توافرت الشفافية لكان العقد منشورًا مع نوعية الفيول والكمية والسعر وتواريخ التسليم وبنود التأخير بوضوح! ولو توافرت الشفافية لكانت المراسلات بين الوزارات ومجلس الوزراء ولجنة المناقصات منشورة بوضوح!
ولو توافرت الشفافية لكان الهدر والنهب أصعب، ولما كان الاستهتار بأموال الناس ليكون بهذه السهولة !!!!