مثل كل شيء في لبنان… Haircut مُبطّن

موضوع الـ Haircut ليس جديداً على لبنان، ونحن نسمع صدى هذه الكلمة والمشروع المخيف، منذ مؤتمرات «باريس 1 و2 و3». وقد ورد هذا الإقتراح في السابق من قبل المنظمات الدولية والبلدان المانحة لإعادة الهيكلية المالية والنقدية. هذا الكابوس أصبح اليوم حقيقة، لكن مثل كل شيء في لبنان، ليس رسمياً، إنما يُطبّق عملياً بطريقة مُبطّنة.

بالأرقام، نشهد اليوم بالنسبة الى ما يتعلق بالودائع، أكانت بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، تطبيق الـ Haircut المبطّن، على كل الودائع منذ العام 2019 وحتى تاريخه. وقد بدأ تطبيق هذا المشروع المبطّن غير الرسمي من خلال التعميم 151 الذي سَعّر الصرف بحسب الدولار بـ 3900 ليرة، فيما كان سعر السوق السوداء حينئذ يزيد عن الـ 8 آلاف ليرة. فكان في هذا الوقت الـ Haircut المبطّن يبلغ نحو 50 % أو 60 % من الودائع بالدولار المصرفي. لكن وفق قيَم محددة. ثم تواصل ارتفاع سعر صرف السوق السوداء إلى قيَم مخيفة: بنحو 30 ألف ليرة اليوم، والتعميم 151 حُدّد بـ 8 آلاف ليرة. هذا يعني أن الـ Haircut أصبح حسب هذا التعميم 73 % من الخسائر المصرفية المباشرة على الأموال المسموح تحويلها.

ثم صدر التعميم 161 الذي يسمح بشراء الدولار بالليرة اللبنانية نقداً بحسب سوق منصة «صيرفة»، وبمبالغ محددة أيضاً. فهنا أيضاً يُطبّق الـ Haircut المبطّن بنحو 70 % من الخسائر. أما التعميم 158 فهنا أيضاً يُعطي مبالغ محددة بالكاش (بالدولار والليرة)، وبخسائر تُراوح بالنسَب المباشرة عينها (بين 70 % و75 %).

أما الـ Haircut الثاني الذي حصل على الودائع بالليرة اللبنانية، فهنا الخسارة الأولى تبدأ بقيمة الودائع بالعملة الوطنية التي خسرت أكثر من 95 % من قيمتها ومن قوة شرائها، وهذه الحقيقة المُرّة التي علينا أن نواجهها ونقبلها، فيما الخسارة الثانية من هذه الودائع بالليرة اللبنانية تحصل بصَرف هذه الودائع المصرفية بالكاش. هنا أيضاً يخسر المودع من جديد بقيمة 35 % ما تبقّى من هذه الودائع المتهالكة.

أما الـ Haircut الثالث فيتعلق ببيع الشيكات، وهنا الخسارة المباشرة والتي تقارب الـ 87 % من قيمة الشيك والوديعة. والسؤال الكبير هو: مَن يشتري هذه الشيكات المفقودة قيمتها واستعمالها؟ ولأيّ غاية؟

لا شك في أنه ما قبل الأزمة، ثمّة 50 مليار دولار من الديون في السوق في المصارف التجارية، لذا فإنّ حاملي هذه الديون لهم مصلحة بشراء بعض هذه الشيكات لإقفال ديونهم بأقل من 87 % من قيمتها الأساسية. لكن هناك أيضاً جهات عدة ومجموعات منظمة مجهولة وغامضة تشتري هذه الشيكات بطريقة هائلة، بهدف مبطّن وهو وضع اليد على القطاع المصرفي والمصارف بعد إعادة هيكلتها، لأنه برأيهم سيتملّكون أسهماً ضخمة ووازِنة للقطاع المصرفي الجديد من خلال مشروع الـ Bail-in أو استبدالها بحصص وازنة.

في النهاية، نذكّر بحزن أنّ الـ Haircut المبطّن يُطبق يومياً على كل الودائع والمودعين. فالخسائر تُراوح بين 70 % و95 %. أما الكلفة المعيشية فقد ازدادتبأكثر من 20 ضعفاً، حيث سُرقت وهُدرت أموال وجنى عمر اللبنانيين، واستفادت الأيادي السود مرة أخرى والإقتصاد الأسود.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةاستعدوا لارتفاعات جنونيّة بالأسعار بسبب التضخّم العالمي!
المقالة القادمةلبنان أسرع من اليونان في التعافي