مجلس الدولة الفرنسي يفتي في حال شغور حاكمية ومجلس المركزي بالـ”الموظّف الواقعي”؟!

شغل رياض سلامة منصب حاكم مصرف لبنان منذ العام 1993 وتم التجديد له لست ولايات، آخرها كان في أيار 2017 لمدّة ست سنوات تنتهي في أواخر تموز الجاري، فالملاحقات الدولية بحق الحاكم أقفلت الابواب بشكل نهائي على التجديد له لولاية سابعة وهنا باتت الابواب مشرّعة أمام احتمالات عديدة في ظلّ إعلان نواب الحاكم عن ضرورة تعيين حاكم جديد وتلميحهم بالاستقالة كذلك، في ظلّ صعوبة أن تلجأ حكومة مستقيلة الى تعيين حاكم… فمن سيتسلّم كرة النار؟.

يعيش لبنان منذ أشهر شغوراً في موقع رئاسة الجمهورية، ولم يكن أحد ليتوقّع أنّه سينسحب أيضاً على حاكميّة مصرف لبنان، وهنا خطورة الأمر فالمكانة الماليّة العطاة لهذا المنصب، الذي يجمع الثقة المالية بالدولة تدفع بتخلخل هذا الموقع لينسحب على الثقة الائتمانية بالبلد. اليوم وقع رئيسا مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمعنيون بهذا الملف بمأزق لأنهم يقومون بتنحية سلامة حين بدأت الملاحقات ولجأوا الى البحث عن بديل أو عن حلّ للأزمة.

حالة الشغور مستجدة

في نهاية تموز تنتهي ولاية سلامة، والسيناريوهات لما بعده عديدة أولا أن تعمد حكومة تصريف الاعمال على تعيين بديل للحاكم، وهذا ليس مستغربا في ظل المخالفات التي ارتكبها ميقاتي في ظل حكومة مستقيلة، ثانيا استلام النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري أو استقالة نواب الحاكم دون تعيين بديل للحاكم.

“لم يكن يخطر على بال مشرّع قانون النقد والتسليف أننا سنصل الى مرحلة أن تكون فيها الدولة غير قادرة على تعيين حاكم للمصرف المركزي”. هذا ما يؤكده المحامي الدكتور باسكال ضاهر، لافتا عبر “النشرة” الى أن قانون النقد والتسليف يفرّق بين ما يسمى Administration وDirection. في الأولى لا يحلّ مكان الحاكم الا “حاكم” أو بالحالات الاستثنائية الطارئة مجلس مركزي متّحد وضمن النطاق الضيق أما بالـDirection يحلّ مكانه النائب الاول أو الثاني أو الثالث أو الرابع… فما الفرق بين Administration وDirection؟.

مضمون قانون النقد

يشرح الدكتور ضاهر أن ” قانون النقد والتسليف في المادة 17 منه اعتبرت أن تأمين ادارة المصرف المركزي مرتبطة بشخص الحاكم وهي تكون من خلال معاونة نائب حاكم أول وثاني وثالث، لذلك فان فعل الادارة يفترض وجود حاكم إنما من الممكن أن تستمرّ ضمن حدود ضيّقة بكامل اعضاء المجلس المركزي، أما الـDirection فهي تتعلق بتسيير أعمال المصرف اليوميّة وبكل ما له علاقة باتخاذ القرارات الجوهريّة، وهذه يستطيع أن يقوم بها نائب الحاكم الأوّل او الثاني”، مشيرا الى أنه “وبحال شغور موقع حاكم مصرف لبنان فإن المجلس المركزي مجتمعاً يسيّر أمور المرفق العام على غرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية فإن الحكومة يمكنها أن تسيّر أمور البلاد بكل ما هو غير متّصل بالصلاحيات غير اللصيقة بشخص الرئيس وعلى مستوى أنها مستقيلة”.

الحلّ؟!

بتاريخ 06 تموز 2023 أصدر نواب حاكم مصرف لبنان بياناً شدّدوا فيه على ضرورة تعيين حاكم عملا بالمادة 18 من قانون النقد مؤكّدين انهم سيضطرون الى اتّخاذ الاجراء الذي يرونه مناسباً للمصلحة العامة، البعض قرأ في هذا البيان لهجة عالية النبرة أو نوعاً من التهديد بالاستقالة. هنا يشير الدكتور ضاهر، الى أنه “في حال استقالة كل الاعضاء في ظلّ شغور موقع الحاكم نكون قد دخلنا بحالة شاذة وسيكون أثرها سلبي جدّا، لا سيما وان هذا الامر لم يحصل منذ بدء عمل نظام المصارف المركزية حول العالم”. لافتا الى أنه في حال الوصول الى هذا الوضع قد يكون الحلّ في اعتماد نظرية “الموظّف الفعلي او الواقعي”، التي أوجدها مجلس الدولة الفرنسي وأخذ بها مجلس شورى الدولة اللبنانية، والتي تستند مبدأ استمرارية المرفق، وهذه النظرية تسمح لأيّ مواطن له خبرة وصفة وعلم بأن يحلّ محل الموظّف الاصيل لتسيير أمور المرفق العام، ويحق لهذا المواطن أن يتقاضى التعويضات التي منحها للموظف الاصيل”، معتبرا أنّه “بذلك نكون أوجدنا الحل لمعضلة الحدّية بالاطراف السيّاسية، وحينه لن يكون هنالك حرج من اتفاقهم ضمنيًّا على اسم له مؤهلات ليعمل بصفة حاكم “كموظف واقعي”، والسماح له بالممارسة وتطبيق مفاعيل هذه النظريّة الى حين انتخاب رئيس للجمهورية”.

تعيين حاكم ضرورة

يضيف ضاهر: “دخلنا في مرحلة الاستثناء غير المستقيم، واصبحنا نقارب الحلول بعدد من النواحي بهدف اقتراح الحل الامثل المتصل بحالة الشذوذ التي نعيشها، وبالتالي ينبغي على الحكومة أن تعيّن حاكما للمصرف المركزي حتى ولو كانت مستقيلة، وذلك نظرا لاهميّة ودور هذا الموقع في النظام المالي، وقد يكون على مجلس النواب ان يعدّل بصورة موقتة نص قانون النقد والتسليف وجعل التعيين الذي سيحصل من الحكومة قائما لفترة مرتبطة بانتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق فيما بعد على اسم حاكم اصيل”.

إذاً، رُغم كلّ ما يقوله قانون النقد والتسليف تبقى السيناريوهات القادمة “َضبابية”، ولا شكّ أيضا أن التعامل مع الشغور في حاكميّة مصرف لبنان كما تم التعاطي في حالة الشغور مع موقع رئاسة الجمهورية سيدمّر البلاد والعباد أكثر بكثير مما هي مدمرة اليوم… فحذاري!.

مصدرالنشرة - باسكال أبو نادر
المادة السابقةرحلة عالمية محفوفة بالمطبات لتنظيف الشحن البحري
المقالة القادمةأرقام مصرف لبنان: أكثر من نصف الميزانيّة أصبحت مزوّرة