أكّدت مصادر مالية مطّلعة أنّ الزيارة الأخيرة لبعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان في أيلول الماضي، تخلّلها نقاش مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وعدد من النواب حول مسألة الودائع، وكيف أنها تقف حجر عثرة أمام تنفيذ الاتفاق مع الصندوق الذي وقّعه لبنان في نيسان 2022.
وكشفت المصادر لـ»نداء الوطن» عن معطى بقي طي الكتمان طيلة الأشهر الماضية مفاده أنّ رئيس البعثة، وبعد عناد النواب وشعبويتهم في مسألة ردّ الودائع كاملة لأصحابها من دون تحديد الكيفية بشكل علمي أو واقعي قابل للتنفيذ، اقترح تشكيل لجنة تقصّي حقائق برلمانية لمعرفة كيف صرفت تلك الودائع، وعلى النتائج يبنى مصير المسؤولية عن سدادها، كلياً أو جزئياً، بين المصارف والدولة. لكن هذا الطلب جُوبه بالرفض النيابي ما فاجأ أعضاء البعثة، كما فاجأتهم حالة الإنكار المستمر لحجم الخسائر، مع إمعان مضحك في تسميتها «فجوة»!
ولفتت المصادر الى أنّ المجلس النيابي شكّل في 2020 لجنة لتقصي حقيقة خسائر القطاع المالي، لكنه يرفض الآن تكرار «التجربة العظيمة» في قضية الودائع التي يدور حولها جدل واسع في البلاد، وتحول دون إحراز أي تقدم يذكر في برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي المنتظر منذ نحو 4 سنوات.
ورأت المصادر أنّ مجلس النواب يتهرب من دوره ملقياً اللوم على الحكومة فقط، علماً أنّ في المجلس مشروع قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول) لا يجد طريقه للإقرار بادعاء وجود خلافات عليه. وكان مجلس النواب عدّل قانون السرية المصرفية مرتين، لكنه بقي دون طموحات صندوق النقد الذي يجدّد طلب تعديله. وفي البرلمان خلاف عميق أيضاً على مشروع القانون الذي يرمي إلى إعادة التوازن للنظام المالي. وقالت المصادر: «هذا غيض من فيض تقاعس البرلمان اللبناني عن القيام بدوره إن على مستوى اللجان أو على مستوى عدم انعقاد الهيئة العمومية في ظل غياب رئيس الجمهورية». والى ذلك أضافت المصادر: الاصلاح الضريبي الذي يطالب به صندوق النقد هو موضوع خلاف ولا يجد آذاناً صاغية في الحكومة والبرلمان. المطالبون بتقييم أوضاع المصارف يتجاهلون أن ذلك التقييم موجود في لجنة الرقابة على المصارف، ويمكن للحكومة والبرلمان طلبه ليبنى على الشيء مقتضاه بعيداً من إلقاء تُهم التقصير التي باتت «مكشوفة المآرب»، على حدّ تعبيرها.
ويذكر أنّ الاتفاق المبدئي مع الصندوق ينصّ على الحدّ من اللجوء الى الأصول العامة وايراداتها لإطفاء الخسائر وردّ الودائع. بينما يحاول نواب إلقاء كامل المسؤولية على الدولة التي عليها إعادة هيكلة الدين القديم والتزام سداده، والإقدام على دين عام جديد وزيادة إنفاقها الاجتماعي على سكان يرزح 80% منهم عند خطوط الفقر المتعددة الأبعاد، فضلاً عن إنفاق استثماري على بنية تحتية متهالكة. وفوق هذا كله عليها تحمل المسؤولية الأولى عن ردّ الودائع. ورأت المصادر شبه استحالة في هذه المعادلة.
وتختم المصادر: «اذا كان في استطاعة اللبنانيين اجتراح معجزة فسيكون صندوق النقد سعيداً جداً، ويتعلم من التجربة إذا نجحت، لكن من دون زجّه عنوةً الآن في محاولة يؤكد أنّ نجاحها من رابع المستحيلات» .