مجلس النوّاب يُعرقل إقرار موازنة 2024

يتضمّن مشروع موازنة 2024 التي تنكبّ لجنة المال والموازنة على دراسة بنوده، مواد ضريبية عدة، سعياً لتحقيق خزينة الدولة عائدات كفيلة بتغطية النفقات العامة للدولة علماً أن عجز الموازنة يبقى أكثر من 17 ألف مليار ليرة.

في المقابل أقدمت لجنة المال والموازنة على إلغاء أربع مواد ضريبية في مشروع قانون موازنة 2024 وهي المواد 16 و17 و20 و21 تتعلق بضريبة الدخل وبالسماح ببدل إضافي للإدارات مقابل خدمات سريعة.

تلك المعطيات تطرح علامات استفهام حول مصير مشروع موازنة 2024 وتأثير إلغاء مواد ضريبية على قدرة الدولة على تسديد نفقاتها؟

يقول نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، النائب غسان حاصباني لـ»نداء الوطن» إن موازنة 2024 مليئة بالمواد الضريبية وكأنها بديل عن قانون إصلاح ضريبي. وهذا طبعا غير دستوري، وكل هذه المواد قابلة للطعن لأنها تتطلّب قوانين مستقلة».

لكن بالرغم من ذلك، يقول «تناقش لجنة المال والموازنة هذه المواد للتأكّد من سلامة احتساب تبعاتها وآثارها على الخزينة والاقتصاد والشعب».

المخالفات على الأملاك مورد لا يُستهان به

ويرى حاصباني أن «للدولة طبعاً موارد عدة وليست الضريبة هي المورد الوحيد. فهناك رسوم جمركية وعائدات من خدمات المؤسسات المملوكة منها مثل الاتصالات والمطار والمرفأ وغيرها، كما أن المخالفات القائمة على الأملاك البحرية والبرية يمكن أن تكون مورداً لا يستهان به».

وقال «مع تطوّر الأحداث، وتباطؤ وتيرة اجتماعات لجنة المال والموازنة، وإشكالية التشريع لدى البعض في غياب رئيس للجمهورية، قد يقذف بالموازنة الى ملعب الحكومة حيث يمكنها أن تقرّها بموجب مرسوم، وهنا تكون كارثة الكوارث لأن هذه الموازنة إذا لم تتعدّل وتصحّح، فستكون نتائجها سلبية».

ويذكّر حاصباني بمخالفات «فرسان موازنة» وبنود ضرائبية في غير مكانها، تحتوي على طرق عدّة لاحتساب سعر الصرف ما سيؤدي الى ضياع كامل في احتساب بعض الضرائب والرسوم، كما أنها تتيح تحصيل بعض العائدات بالعملات الأجنبية ما يتطلّب مقاربة موحّدة وواضحة لسعر الصرف».

وحول اعتماد سعر «صيرفة» الأقرب الى سعر صرف الدولار الحقيقي، قال حاصباني «في نصوص الموازنة تارة يستخدمون مصطلح «صيرفة» وطوراً السعر الرسمي وأحيانا السعر الذي يحدّده مصرف لبنان وكلّ تلك العبارات خاطئة، إذ يجب اعتماد سعر واحد يُحّدد بآليات ينصّ عليها قانون النقد والتسليف بين مصرف لبنان ووزير المال».

لا إلغاء للضرائب وإنّما تنظيمها

وفي ما يتعلّق بوسيلة زيادة العائدات لتخفيف عجز الموازنة وكيفية سدادها، قال «لم يتمّ الكلام على إلغاء ضرائب في الموازنة، وإنّما على تنظيمها بشكل معقول ووضع نظام ضريبي متكامل لضرائب الدخل والأرباح والاستهلاك ضمن خطة اقتصادية ومالية متكاملة. لأن إدراج الضرائب عشوائياً ضمن الموازنة فقط بهدف «تسكير» العجز قد يؤدي الى عدم تحصيلها، وعدم الالتزام بها يؤدّي الى نتيجة عكسية. فتوحيد سعر الصرف، وتنظيم الضرائب والرسوم للتأقلم مع الاقتصاد هو الحل الأنسب».

قابلة حكماً للتنفيذ مع تعديلات أو من دونها

هذه الملاحظات أو الاعتراضات على بنود الموازنة، لن تعيق أو تحول دون دخول موازنة 2024 حيّز التنفيذ. هذا الأمر ذكّر به مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال للشؤون الاقتصادية سمير ضاهر خلال حديثه الى»نداء الوطن، إذ قال إنّها ستصبح حكماً قابلة للتنفيذ، أكانت معدّلة من قبل لجنة المال والموازنة أم لا، أكان بقانون أو بمرسوم. ويعود السبب كما أوضح الى «التزام الحكومة بالمهلة الدستورية هذه المرّة، إذ أرسلتها الى مجلس النواب قبل المهلة المحدّدة في العقد الثاني لإرسالها والتي تمتدّ من 15 تشرين الأول الى 31 كانون الأول. فالموازنة أرسلت الى مجلس النواب في 30 أيلول المنصرم أي قبل 1 تشرين الأول، ما يعني أنه إذا لم يصدرها مجلس النواب في نهاية كانون الثاني 2024 وهي المهلة الأخيرة له قانوناً، ستصدر حكماً استناداً الى المادة 86 من الدستور اللبناني، وسترسل تلقائياً الى المجلس تماماً كما أرسلت من مجلس الوزراء الى مجلس النواب، وتكمن أهمية تلك المسألة أنه لن يتمّ الإيجاز بالجباية والإنفاق العام المقبل وفق القاعدة الإثنتي عشرية. قال ضاهر: بالوضع الذي نحن عليه نواجه مشكلة دستورية، قوامها أن مجلس النواب اليوم هو هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعية».

واعتبر سمير ضاهر أن «المسألة الأساسية التي تعمل عليها الحكومة هي الفارق بين الإيرادات والنفقات، وإذا لم تتمكّن الخزينة من توفير إيرادات، فسيتمّ تمويل العجز بالاستدانة، علماً أن اللجوء الى مصرف لبنان لتمويل العجز هو حلّ مخالف للسياسة النقدية والمالية المعتمدة حالياً».

إقتصاد الكاش 50%

وحول حقيقة الأرقام، قال ضاهر إن «الدولة تحقّق اليوم مردوداً من العائدات الأساسية وهي الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية التي يحتسب دولارها على سعر الصرف الحقيقي، مقابل خفض نفقات معينة بسبب إقفال بعض الدوائر العامة. وهذا ما يسمّى budget excecution. فنسبة 50% من الاقتصاد اللبناني اليوم غير رسمية informal economy وذلك نتيجة توسّع هامش اقتصاد الكاش وبالتالي عدم إمكانية إخضاع التداولات للضريبة مثل ضريبة القيمة المضافة».

إيرادات كبيرة لم تعد تجبى

وإذا ما قارنّا بين إيرادات خزينة الدولة اليوم وتلك التي تعود الى مرحلة ما قبل الأزمة، يقول سمير ضاهر «هناك مبالغ كبيرة من العائدات لم تعد تُستوفى اليوم مثل الضرائب التي كانت تفرض على فوائد الودائع المصرفية. وفي عملية حسابية بسيطة، يتبيّن لنا أن الدولة فوّتت عليها على سبيل المثال لا الحصر مردوداً من الضريبة على فوائد إجمالي الودائع المصرفية التي كانت بقيمة 180 مليار دولار. فإن معدّل الفائدة إذا ما احتسبناه بنسبة 5% (وطبعاً هو أعلى) من 180 نحصل على فوائد 9 مليارات دولار كانت تعود للمصارف، بالتالي فإن نسبة 10% ضريبة على هذا المبلغ تدخّل الى الخزينة نحو مليار دولار. اليوم تلك العوائد باتت صفراً في المئة، ما يرتّب على الدولة البحث عن إيرادات أخرى للخزينة. وكذلك الأمر بالنسبة الى الاتّصالات، فالإيرادات التي كانت تحقّقها كبيرة وتبلغ نحو 1,5 مليار دولار».

إيرادات الموازنة… ضريبية وغير ضريبية

تقسم إيرادات الموازنة الى نوعين يقول سمير ضاهر:

1-عائدات ضريبية وتشكّل نسبة 75% من الإيرادات. وتجزّأ بدورها الى ضرائب مباشرة (ضريبة على الدخل والأرباح) وتبلغ حصتها 70% من العائدات الضريبية وضرائب غير مباشرة (رسوم الـTVA على الاستهلاك ورسوم المعاملات العقارية…) وتبلغ حصتها 30% من محفظة الضرائب.

2-عائدات غير ضريبية وتشكّل نسبة 25% من الإيرادات، وتستحصل عليها الدولة من أرباح مرفأ بيروت والهبات والغرامات والتسويات…

وفي هذا السياق يقول سمير ضاهر إن «الضرائب على الدخل يجب أن تكون تصاعدية، فالمقتدر يجب أن يسدّد ضريبة أعلى من الفقير عندها تتحقّق العدالة الضريبية التي لا تزال غائبة».

مسؤولية السلطة التنفيذية كبيرة

من جهته اعتبر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين (ALDIC) المحامي د. كريم ضاهر أن «أرقاماً كثيرة في الموازنة تغيرت وفقاً للمصاريف الفعلية والا ستضطر الحكومة الى الصرف وفقاً للقاعدة الإثنتي عشرية وتصرف بسلفات خزينة، لأن مجلس النواب ليس سلطة تشريعية ولا يقرّ قوانين واعتمادات إضافية. من هنا تترتّب على السلطة التنفيذية مسؤولية كبيرة.

وفيما إذا كانت البنود الضريبية المدرجة في الموازنة بغاية الأهمية لتحقيق عائدات، قال «لا أعتقد. لأن الحكومة تعدّ قوانين أسمتها إصلاحية سترسلها الى مجلس النواب، إما بالموازاة مع الموازنة أو خلال فترة زمنية ليست بعيدة، فيستعجلون الانتهاء من إنجاز القوانين المسمّاة إصلاحية. من الناحية الضريبية هناك مثلاً قانون الضريبة الموحدة على الدخل يجدر إصلاحه، وقانون المحاسبة العمومية، قانون الإجراءات الضريبية والضريبة على القيمة المضافة، كي لا يكونوا كفرسان موازنة في قانون الموازنة ويحصل الطعن بها أمام المجلس الدستوري».

وتبقى للحكومة بحسب كريم ضاهر المصادر التي تدرّ إيرادات لها أهمّها البنود والمذكورة في الفصل الثالث من الموازنة مثل الرسوم غير المباشرة والقضائية، والرسوم على الوكالات الحصرية والسجل التجاري والمشروبات ورسوم الاستهلاك الداخلي. ولكنّ الأهم تلك التي يُسمح لها أن تحصّلها بالعملة الأجنبية مثل ضريبة غير المقيمين التي أدرجت، وعلى الرواتب والأجور وغيرها».

الحكومة برأي المحامي كريم «مستعدة لتقديم تنازلات لتأمين مصاريفها. فبدعة الرسم السريع للموظفين العامين تدبير موازٍ يسمح للعاملين بزيادة إيراداتهم، بدلاً من زيادتها على الرواتب فتعتبر وكأنها bonus للموظفين. وبرأيي يجب تفعيل المكننة بدلاً من ذلك لوضع حدّ للفساد وكي لا يكون موظفو الدولة على اتصال مباشر مع المواطنين والمكلّفين». نظام ضرائبي تنازلي ضد الفقراء

أصدرت «كلنا إرادة» و»المفكرة القانونية» و»مبادرة سياسات الغد» و»الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين» ورقة حصلت «نداء الوطن» حصرياً على نسخة عنها بعدما وزّعت على النواب، حول مسودة موازنة 2024 تحت عنوان «النهج الترقيعي والهياكل الضريبية التنازلية كبدائل عن الإصلاح الحقيقي».

واعتبرت الورقة أن مشروع موازنة 2024 يديم نظاماً ضريبياً تنازلياً، في حين يهدّد الاقتصاد النقدي المهيمن فعالية تحصيل الإيرادات. فعبء المساهمة الضريبية يقع بشكل غير متناسب على دافعي الضرائب أنفسهم أي الشرائح الأكثر فقراً والأكثر التزاماً بالقانون.

في حين يتمّ إعفاء الأثرياء والعاملين في القطاع غير الرسمي. معتبرة أن الضرائب المباشرة تساهم بنحو نصف إيرادات الموازنة.

مثال على فرسان الموازنة

بالنسبة الى المادة 16 والتي تتعلّق بقيمة التحسين على عقار بعد تنفيذ تخطيط ووضع طريق قيد الاستعمال، والمادة 17 حول مقدار التحسين بالنسبة الى كلّ عقار (والمفصلتين في الكادر الأول)، فهما استناداً الى الورقة تدخلان ضمن ما يسمّى بفرسان الموازنة.

ومن الأجدى إجراء التعديلات بموجب قوانين خاصة لتفادي الوقوع في علّة فرسان الموازنة أي مخالفة مبدأ التخصّص الذي يعني عدم تضمين الموازنة نصوصاً تشريعية لا تمتّ الى الموازنة بصلة، بما معناه أحكام وقوانين لا تتعلّق مباشرة بتنفيذ الموازنة كون قانون الموازنة يشكّل وحدة كاملة منسجمة. وسبق للمجلس الدستوري أن أبطل مواد عدة من الموازنات السابقة لهذه العلّة لا سيما في قراره رقم 2/2018.

شرعنة الرشوة والفساد

– المادة 20 التي ألغتها لجنة المال والموازنة وتتعلق باستحداث رسم خدمات سريعة وعاجلة في الإدارات العامة تحت مسمّى «الخدمات العاجلة المدفوعة الأجر»، اعتبرت الورقة أنه يقوّض المؤسسات ويعيق هيئات الرقابة ويمنع المساءلة ويكسر مبدأ المعاملة العادلة بين المواطنين بدلاً من إصلاح الإدارة العامة، ويشرعن الرشوة والفساد.

تشريع الهيركات من الودائع

أما المادة 21 والتي تسمح لدافعي الضرائب بتسوية ضرائبهم عن الفترات السابقة بالعملة الأجنبية وتحديداً «اللولار» أي على أساس 50% من سعر صرف الدولار على منصة «صيرفة» 40% سابقاً، فاعتبرت الورقة أنها تقنّن مفهوم «الحسابات القديمة» وتشرّع الهيركات على الودائع في غياب أي إطار لإعادة هيكلة البنوك. وهذا ما يصبّ في صالح المصارف التي تعمل على تخفيض مطلوباتها، وتشكّل إحدى الأدوات غير العادلة وغير المدروسة في إطفاء الودائع.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةالمصارف تتصرّف… بلا حسيب أو رقيب!
المقالة القادمةإنخفاض الطلبيات في تشرين الأول