مجلس الوزراء ليس سيّد نفسه… والرئيس والبرلمان تحت الإختبار

 

 

القلق السائد في المجتمع اللبناني، فعليّاً، هو “من الموازنة”، لا “على الموازنة”، فمجلس الوزراء المُتعهد للخارج بخفض عجز الخزينة، سارعَ “مستهلكاً أطول وقت ضائع” ومن دون رؤية اقتصاديّة، إلى تضمين الموازنة العامة ضرائب ورسوم تمسّ الفقراء وذوي الدخل المحدود، والتي بدأ تأثيرها يظهر قبل نفاذها، مُستهدفاً من خلالها جيوب العاملين والعاطلين من العمل على حدّ سواء، ومُستثنياً مكامن “النهب المُنظّم والهدر المُقونن والفساد المُغطَّى” المعروفة.

واقع الأمر، مجلس الوزراء “ليس سيّد نفسه” في إقرار الموازنة، ولكنه “سيّد نفسه” في الإبقاء على أكثر من 70 بالمئة من الإنفاق غير المُجدي من دون مسّ، وهذا ما أكّده وزير المال علي حسن خليل، يوم السبت 18 أيّار 2019، بقوله: (… وتمت مراجعة أرقام الإنفاق غير المُجدي وتخفيضه بنسبة بين 20 وحتى 35 بالمئة “بالنسبة للمحروقات مثلاً”).

فبعد المرحلة الأولى التي شهدت النقاشات المطوَّلة والمُستعَادة في جلسات السراي الحكومي ما يزال أمام الموازنة مرحلتان تؤكدان المعنى المقصود.

ما لفت في المرحلة الأولى، ويؤخذ على وزراء الفريق الرئاسي “الوازن”، أنّ وزراء الرئيس وتكتّل “لبنان القوي” لم يقدموا مقترحات تتوافق وتترجم دعوة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون إلى “ضرورة معالجة تداعيات الاقتصاد الريعي والانتقال إلى اقتصاد إنتاجي” يؤدّي إلى تغيير الوجهة الاقتصاديّة للبلد وتستفيد منه كل المناطق ويخلق فرص عمل ويؤمّن استمرارية واستقرار النمو، خصوصاً أنّ لبنان لم يصبح دولة نفطيّة بعد. فهل يُقدم الرئيس عون على اختبار فرصة تحقيق مطلبه “المزمن” بإمكاناته الشخصيّة؟

المرحلة الثانية: المرور بجلسة، وربما جلسات، ستُعقَد في قصر بعبدا، يُدلي خلالها رئيس الجمهوريّة بموقفه من الموازنة ويضع بصمته عليها ويُكمل حروفها، ولو من دون نقاط، فالرئيس صاحب الكلمة الفصل في تسهيل إصدار الموازنة، كما هي أو مُعدَّلة، وإحالتها إلى مجلس النوّاب.

المرحلة الثالثة: “التشريع بعد التشريح” في مجلس النوّاب “سيّد نفسه”، بدءاً من المناقشات داخل لجنة المال والموازنة وصولاً إلى الهيئة العامة المسؤولة عن وضع النقاط على حروف الموازنة لتصبح نافذة.

في البرلمان، اختبار آخر، حيث النوّاب أمام فرصة إثبات أنهم وكلاء الشعب حقاً، مهمَّتهم الدفاع عن حقوقه في وجه السلطات، أو تأكيد أنهم، بالممارسة، شركاء الوزراء، بإسم الشعب قولاً وضدّه فعلاً.

أمّا وفي حال لم يُصلح النوّاب ما أفسَده الوزراء، وتمّ تمرير الموازنة “التعسّفيّة لا التقشّفيّة”، فمن البديهي عزل وكالة معظم نوّاب “الأمّة” في أقرب استحقاق انتخابي. طبعاً إذا شعر من كان قد انتخبهم بالندم وأعلن التوبة.

سوء التنفيذ المعهود، لا يضمن إعادة النهوض بالاقتصاد الوطني، ولا يوفّر القدرة على تحدّي الظروف الإقليميّة والداخليّة السلبيّة، ولا يحرّر القرار المالي والاقتصادي من السلب والتسلّط، بل سيؤدّي حتماً إلى تحوّلات أخطرها “الطرد التعسفي”، عن سابق تصوّر وتصميم وزاري ونيابي، لـ “الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمالي والمعيشي” من مؤسسة المجتمع اللبناني.

كل ضريبة إضافيّة مقابل حماية وهميّة من انهيار مزعوم تعتبر “خوّة” رسميّة.

مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةموازنة 2019: “صفر” تسليح للجيش!
المقالة القادمةهل حماية المنتجات اللبنانية قرار “غبّ الطلب”؟