رغم المحاولات المكثفة لإعادة انتظام العمل بـ”النافعة“، لا يزال المعنيون منشغلون بتبديد “شبهات” الفساد التي تلف عمل هذا المرفق، الذي يرفد الخزينة بملايين الدولارات سنوياً، عبر قرارات إدارية ومسلكية مختلفة، كان آخرها الأسبوع الماضي. وتمثّلت القرارات الأخيرة بإخضاع المعاملات وإنجازها لنصوص قانون السير الصادر عام 2012، ما يعني عملياً تعليق تراخيص نحو 450 معقباً للمعاملات لم يعطهم القانون دوراً، إلا من ضمن وكالة قانونية تنظم باسم وسيط مباشر. فماذا في تفاصيل هذا القرار؟
معقبو المعاملات
لمهنة معقب المعاملات نظام داخلي صادر منذ العام 1966 رقمه 33\66 يعطي الحق حصراً لمصلحة تسجيل السيارات الترخيص لهم، مشترطاً عند إنجاز أي معاملة وجود وكالة قانونية من صاحب العلاقة. كما أن هذه المهنة نُظمت في نقابة مرخصة بموجب قرار صدر في العام 1994 عن وزير العمل ورقمه 186\01. إلى أن صدر قانون السير الأخير في عام 2012، فحصر إنجاز المعاملات بصاحب العلاقة أو بواسطة وكالة قانونية يمنحها لمن ينوب عنه، أو عبر مشغل بريدي، فألغيت عملية مهمة المعقّب. ولكن رغم ذلك استمر وزراء الداخلية المتعاقبين منذ أكثر من 12 عاماً بمنح الأذونات الإستثنائية للمعقبين حتى نهاية العام 2022. في ذلك العام صدرت مطالعة عن مجلس شورى الدولة بناء لشكوى مقدمة من أحد المعقبين، اعتبرت تمديد مفاعيل تراخيص ممارسة المهنة باطلة ومنعدمة الوجود القانوني.
منذ عام 2023 يعمل معقبو المعاملات من دون سند قانوني، علماً أن هؤلاء وفقاً لنقيب أصحاب مكاتب السوق عفيف عبود، تقدموا بالمستندات المطلوبة من مصلحة تسجيل السيارات من أجل التجديد لتراخيصهم، وقد سجلت بهيئة قلم الإدارة، إلا أن بطاقات التجديد لهم لم تصدر.
التحذير الأول للمعقبين كان منذ حوالى العام، حين نبهتهم المصلحة إلى لا شرعية وجودهم في حرم النافعة، على أثر تكاثر الشكاوي من عمليات الابتزاز التي يمارسها بعضهم ممن يهيمنون على مواعيد المنصة المستحدثة، للحد من زحمة المعاملات المتقاطرة على النافعة، كأحد تداعيات توقفها القسري عن العمل. إلى أن تبلغ المعقبون يوم الجمعة الماضي بقرار المصلحة تطبيق قانون السير الرقم 243 ولا سيما المادة 387 المتعلقة بمهنتهم. ووفقاً لمصدر مسؤول من المصلحة، فإن رئيسها اشترط على المعقبين الذين التقاهم من مختلف مراكز المحافظات، تطبيق القانون لناحية الاستحصال على وكالات قانونية من أصحاب العلاقة، أو أن تكون وكالتهم من ضمن عقد البيع لدى كاتب عدل. طالباً منهم “تحديد تعرفة موحدة لقاء خدماتهم، على أن تبلّغ إلى وزير الداخلية وتخضع لموافقته المسبقة”.
التعرفة الموحدة
التعرفة الموحدة قد تكون عصية على التطبيق وفقاً لعبود، الذي يشرح لـ”المدن” أن ما يحددها هو نوع الخدمة التي سيقدمها الوكيل للزبون، ولعوامل الوقت والجهد والمسافات التي سيقطعها الوكيل. ولفت إلى أن “هذه الخدمة اختيارية، وبإمكان أي شخص أن ينجز معاملته بنفسه، ولكن اللبناني عادة اعتاد على الغنج، ويميل إلى الاستعانة بوسيط لمثل هذه المهمات. منبهاً إلى أن “مقاربة هذا الملف لا يمكن أن تنفصل عن بعده الإنساني، خصوصاً أن بعض المعقبين بلغوا أعماراً لا تسمح لهم بمزاولة مهنة مختلفة”، لذلك اعتبر أنه يجب ان تكون هناك فرصة لتنظيم عملهم من دون قطع أرزاقهم.
إلا أن اشتراط تحديد التعرفة على ما يتبين لم يولد من عبث، بل جاء على خلفية المبالغ التي ذكر أن المعقبين يفرضونها على أصحاب المعاملات، بعد استيلائهم على كافة المواعيد المتاحة عبر منصة مصلحة تسجيل السيارات. وهذا ما خلق أجواءً أشاعت وجود نوع من تقاسم الأرباح مع موظفين يسهلون لهم المهمة، إلى جانب الحديث عن صندوق لعناصر قوى الأمن المكلفين إدارة شؤون النافعة، مقابل تسهيل عمل المعقبين. هذا الأمر يرفضه المصدر المعني في المصلحة ويضعه في إطار”الإفتراءات”، التي يقول “أنها إذا كانت صحيحة فهناك مرجعان لملاحقتها، واحد إداري والآخر قضائي”، مضيفاً “إذا كانت هناك سمسرة ما فنحن نريد أن نعرف من يسمسر”.
بحسب عبود، هناك مجموعة مستفيدة من الظرف القائم، تشيع أجواءً حول صعوبة إنجاز المعاملات داخل النافعة، للحفاظ على أدوارها الوسيطة، بينما الوقت الذي تستغرقه المعاملة في النافعة، كما يؤكد، يرتبط باحترام الدور، وهو ليس طويلاً عند حجز موعد عبر المنصة، وخصوصاً بعدما سمحت وزارة الداخلية بتسجيل عقود السيارات لدى كاتب العدل من دون كشف ميكانيكي.
الضغط على المنصة
العقبة الأساسية كما يبدو تبقى في حجز الدور عبر المنصة، وهي ليست متاحة سوى لأول 100 محاولة، بما يتناسب مع الإمكانيات المتوفرة لتشغيل النافعة في المرحلة الحالية، ما يجعل المواطنين يلجأون إلى خدمات المعقبين الذين يبدون أكثر خبرة في الالتفاف على هذه الإجراءات.
ويقر المصدر المعني في مصلحة تسجيل السيارات بالمقابل، أن المنصة تستقبل عدداً محدداً من المعاملات، وهناك نقص بعديد الأشخاص الذين ينجزون المعاملات، إلا أنه يعتبر أن الزحمة على خدمات النافعة تتفاوت بين وحدة وأخرى، وهي قد تراجعت بالنسبة للسيارات السياحية وكذلك الأنقاض، في مقابل ارتفاع أعداد المعاملات المطلوب إنجازها بالنسبة للدراجات الهوائية، والتي ارتفع عددها من نحو 650 دراجة في العام الماضي إلى 15 ألف في العام الجاري، بالإضافة إلى تراكم المعاملات بالنسبة لتسجيل وسائل النقل من شاحنات وبيك أب وفانات ورابيد وغيرها. واشار إلى أن إنتاجية النافعة توازي حالياً ما كانت عليه في العام 2019، ولكن بطاقة بشرية لا تتجاوز الـ60 في المئة من طاقتها السابقة.
هذا الضغط في مصلحة تسجيل السيارات مرشح للتزايد مع فتح باب تقديم طلبات الحصول على رخص القيادة مجدداً، وخصوصاً أن العدد المقدّر لمحتاجي هذه الرخص، قد يفوق ثلث عدد من بلغوا سن الـ18 خلال ثلاث سنوات من توقف منح هذه الرخص، والمقدر رسمياً بنحو 240 ألفاً.
رخص السوق
وإذا كان تقديم طلبات الرخص ليس متاحاً بعد، يبقى متوقعاً بدءاً من منتصف شهر أيلول المقبل، بعد استكمال الخطوات الإصلاحية التي بدأتها المصلحة، لا سيما بالنسبة لتحديد اللجان الفاحصة ولجان السوق، وتحديد مكاتب السوق المؤهلة، وتأهيل مدارس السوق التي أصبحت إفادتها بموجب قانون 2012 إلزامية للحصول على الرخصة، وتحديد المسارات وتأهيلها، وتوضيح أنواع المناورات بالقيادة التي سيخضع لها طالبو الرخص، ومكننة الأنظمة التي ستخضع لها هذه التراخيص.
علماً أن تقديم الطلبات سيتم عبر منصة تربط مكاتب السوق الخاضعة لدورات تدريبية بمصلحة تسجيل السيارات، مما يجعل عملية تقديم الطلبات وحتى نتيجة امتحان القيادة معزولين عن التدخل بشري، ودائماً حسب تأكيدات المصدر المعني في مصلحة تسجيل السيارات، الذي يتحدث أيضاً عن تخلف هيئة إدارة السير عن مواكبة هذه الخطوات الإصلاحية في المصلحة، ولا سيما من ناحية البت في الإشكاليات العالقة مع شركة “إنكربت” المشغلة لمعظم خدمات النافعة، أو في إطلاق دفتر شروط لإعادة تلزيم هذه الخدمات. علماً أن المهلة المتبقية من الفترة الممدة لعمل “انكربت” تنتهي ببداية العام المقبل.