لا شك أن ما حصل في الأيام الماضية في المصارف ليس سهلاً، وهو يشكّل خطراً كبيراً على حياة موظفي البنوك الذين إنتقلوا من نعمة العمل في البنوك الى “النقمة” نتيجة “القرف” الذي يشاهدونه يومياً، بالإضافة الى التعب النفسي نتيجة الاحتكاك الدائم مع المواطنين، فهذا يريد سحب مبلغا وآخر يسأل عن وديعته “وفشّة الخلق بتطلع فيه”!.
أصحاب المصارف يدركون جيّداً هذا الأمر، فهم من أقفلوا أبوابهم في 17 تشرين الأول 2019 وهرّبوا الأموال الى الخارج وحجزوا الودائع، يتقاذفون المسؤوليات بينهم وبين مصرف لبنان، ويأتون اليوم ليتحجّجوا بالموظّفين لديهم للإقفال. هذا السيناريو يأتي بالتزامن مع إقرار الموازنة التي تتضمّن بنوداً خطيرة جداً، أبرزها تشريع الفرق بين الفريش دولار وبقية الاموال.
مخالفات الموازنة
المادة 109 من الموازنة تشير الى انه تخضع لاحكام ضريبة الدخل فوائد وعائدات وايرادات الحسابات الدائنة كافّة المفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير، باستثناء الحسابات المفتوحة باسم الحكومة والبلديات واتحاد البلديات والمؤسسات العامة لدى مصرف لبنان. وحسابات البعثات الدبلوماسية والقنصلية الاجنبية في لبنان. كذلك فوائد وعائدات الودائع وسائر الالتزامات المصرفيّة بأيّ عملة كانت بما فيها لغير المقيمين …
في المقابل تأتي المادة 85 في الموازنة لتتحدث عن اعفاء الودائع الجديدة بالعملات الاجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان من ضريبة المادة 51 من القانون رقم 2003/497 لغاية 21/12/2028، ويقول النص “خلافاً لأيّ نص آخر تعفى من ضريبة المادة 51 الفوائد الناتجة من الودائع بالعملات الاجنبيّة المودعة اعتباراً من 17/10/2019 ولغاية 31/12/2024 لدى المصارف العاملة في لبنان نقداً أو من خلال تحويل مصرفي من أحد المصارف العاملة في لبنان…. فماذا يعني ذلك؟.
تشريع التفرقة بالدولار
يؤكد المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المحامي الدكتور باسكال ضاهر أن “مجلس النواب يسعى الى تشريع التفرقة بين دولار “قديم” ودولار “جديد”، وآخر محاولة كانت في الموازنة من خلال المادتين 109 و85″، مشددا في نفس الوقت على أن هناك أموال “فريش” تدخل الى المصارف، وإلا لماذا هذه الحرب لتمرير التفرقة بين دولار قبلا والدولار الفريش؟.
يذهب الدكتور ضاهر أبعد من ذلك ليشدّد على أن سعي المصارف لاستقطاب الاموال “فريش” لن ينجح دون انتظام العمل بالقطاع المصرفي، ودون اعادة الودائع بعملتها الى اصحابها، فبغير ذلك لن تتمّ إستعادة الثّقة بالقطاع المصرفي لا سيما وانّ المودع الذي وضع “الفريش” سيسأل نفسه ما الذي يضمن ألاّ يتكرر المشهد معه وألاّ تقفل المصارف أبوابها؟، وبالتالي حكماً سيتملّكه الخوف ولن يضع هذا “الفريش” بل سيبقيه في منزله.
الدولار بلا سقف
“الدولار لا سقف له”. هنا يرى المحامي ضاهر أنّ “عملية التضخّم مقصودة وترمي الى تخفيض ديون الدولة، وخطّة التعافي ذكرت ذلك صراحة حين اوردت انّ التضخّم أدّى الى تقليص دين الدولة الذي وصل الى 36 مليار دولار”. في المقابل يشير الخبير في المحاسبة ربيع داغر الى أنّ “أغلب دين الدولة هو على السعر الرسمي أيّ 1515 وبالتالي يفترض أن يكون جزءا كبيرا منه قد أقفل”، مشددا على أنّ “الدولة لا “تفلس”، ولكن إذا كان لدينا شركة تعاني من “افلاس”، نبدأ أولا بجردة لموجوداتها، ومالها وما عليها، نصرف المحاسب القديم ونعين محاسباً جديداً، ونغيّر فريق العمل ونقوم بجردة لنتأكد أن كلّ الحسابات صحيحة، أمّأ في حالة الدولة اللبنانيّة ومصرف لبنان لم يحصل ذلك”.
الواضح أنّ الهدف من إضراب المصارف هو الضغط على المودعين للقول لهم “الكلمة الفصل لنا”، باختصار انّ البنوك حجزت أموال المودعين واليوم تأخذهم مع الشعب كرهائن… لتبقى العين على يوم الخميس، فهل ستفتح أبوابها كالمعتاد؟، واذا فعلت ماذا تكون استفادت من الاضراب؟ واذا لا، ما هو المخطّط من خلف كلّ هذا؟!.
الايام المقبلة كفيلة أن تكشف كل شيء!.