تُعتبر الاصول التي يملكها مصرف لبنان إن كانت عقارية او مؤسسات تجارية او احتياطيات من العملات الاجنبية والذهب، أصولاً تابعة (نظرياً) للدولة اللبنانية بما ان مصرف لبنان ملك للدولة. وكما يجري الحديث عن اقتراح ايداع احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية البالغ حوالى 9 مليارات دولار في عملية استرداد الودائع، يمكن التساؤل أيضاً حول امكانية بيع أصوله العقارية وأسهمه في المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري والتي يملك حصصاً كبيرة فيها، من اجل تمويل صندوق استرداد الودائع.
سبق وطرحت الفكرة
فكرة بيع تلك الاصول او الاسهم طُرحت قبل اندلاع الازمة في 2019 من اجل تقليص حجم الدين العام، وبما ان الاقتراحات اليوم تتمحور حول كيفية استرداد الودائع التي لا تتخطى الـ100 الف دولار عبر مساهمة البنك المركزي والمصارف، او التي تتخطى الـ100 الف دولار عبر عدة ادوات من بينها اصدار سندات بفائدة صفر في المئة لمدة 30 عاماً، فان بيع ما يملكه مصرف لبنان من اصول وعقارات اقتراح يستحق التعمّق به، خصوصاً ان مهمّة مصرف لبنان الاساسية لا تقتضي بان يتملّك مؤسسات تجارية على غرار شركة طيران الشرق الاوسط ولا ان يكون شريكاً في مؤسسات تجارية على غرار كازينو لبنان.
1261 عقاراً… 53 مليون متر مربع
تتضمن موجودات مصرف لبنان في أصوله الثابتة، محفظة عقارية تضمّ حالياً 1261 عقاراً خاصاً على مساحة تبلغ اكثر من 53 مليون متر مربع موزعة بين كافة المحافظات اللبنانية، بالاضافة الى العقارات التي تمتلكها الشركات التجارية التابعة للبنك المركزي. وتحتاج القيمة التقديرية لاصول البنك المركزي العقارية الى اعادة تخمين لان معظمها مسجّل بالقيمة الشرائية في تاريخ الاستحواذ وبالليرة اللبنانية، وهو الامر الذي قد يؤدي الى تعديل جذري في قيمة الاصول الثابثة.
الملكيات الأخرى
اما بالنسبة للشركات التي يملك مصرف لبنان أسهماً فيها والتي لا تدخل قيمتها السوقية ضمن حساب اصوله الثابتة فهي:
– شركة طيران الشرق الاوسط التي يستحوذ على 99% من اسهمها.
– شركة إنترا التي يملك مصرف لبنان 35 في المئة من أسهمها والتي تملك بدورها أسهما في شركات عديدة ابرزها كازينو لبنان (53%)، وبنك التمويل وغيرها بالاضافة الى محفظة عقارية كبيرة.
– شركة كازينو لبنان الذي يملك مصرف لبنان 10% من اسهمها.
لماذا إذاً لا يبدأ مصرف لبنان بيع عقاراته وحصصه في الشركات التجارية التي يملكها او يلجأ الى خصخصتها من اجل تقليص حجم فجوته المالية والمساهمة في استرداد اموال المودعين؟
طرح 25% من الميدل إيست
كشف مصدر في البنك المركزي انه في العام 2010 كانت هناك نيّة لدى مصرف لبنان لطرح 25% من اسهم شركة طيران الشرق الاوسط التي يملكها بنسبة 99%، في البورصة، ضمن آلية ملكية محددة تمنع تملّك غالبية الاسهم من قبل جهات معيّنة، وقد حصل البنك على موافقة سياسية آنذاك على هذا الطرح، وقام «سيتي بنك» بعملية تقييم اوّلية للشركة قدّرها بمليار دولار، إلا انه لم يتم السير بالطرح بسبب اندلاع الازمة السورية وتطور تداعياتها على لبنان، مشيراً الى ان طرح اسهم الميدل ايست في البورصة هو من اسهل القرارات التي يمكن ان يتخذها البنك المركزي في ما يتعلّق بأصوله لانه يملكها بالكامل. اما بالنسبة لانترا والكازينو فهما شركتان بمساهمين متعددين من ضمنهم مصرف لبنان، «علما ان التخلّص من ملكية تينك الشركتين كان واجباً وبحاجة لان يحصل منذ فترة طويلة «لانه من خارج المنطق ان يكون بنك مركزي يملك بنكاً آخر(بنك التمويل) ولو بصورة غير مباشرة، كما انه من غير المنطقي ان يتملّك بنك مركزي، كازينو!»
إستخدام سياسي
وبما انه من خارج مسؤولياته ومهماته ان يكون لدى مصرف لبنان أسهم في شركات تجارية، فان ملكيته لتلك الشركات كانت تصبّ في صالح الطبقة السياسية الحاكمة التي استفادت وتستفيد منها لغاية اليوم فارضة آفة المحاصصة وما تشملها من تعيينات ادارية في تلك المؤسسات، مما جعل خصخصة تلك الشركات او تطبيق الشراكة بين القطاع العام والخاص عليها امراً مرفوضاً سياسياً.
الوقت مناسب اليوم؟
ورأى المصدر ان الوقت مناسب اليوم للضغط من اجل شراكة مع القطاع الخاص او طرح اسهمها في البورصة، وليس بيعها، أوّلاً من اجل فكّ المحاصصة القائمة والتعيينات المعلّبة، وثانياً من اجل تأمين ايرادات مستدامة من خلال ارباح تلك الشركات، وليس ربحاً لمرّة واحدة من خلال بيعها.
كما شدد على ضرورة ادارة اصول مصرف لبنان العقارية وليس بيعها، على غرار ما قامت به البحرين وقطر وغيرها.
هي ملك للشعب اللبناني
واعتبر ان اصول مصرف لبنان، هي على غرار اصول الدولة، ملك للشعب اللبناني وليس للمودعين فقط، وبالتالي فان قرار بيعها من اجل تمويل صندوق استرداد الودائع أمر غير عادل ولا يصبّ سوى في صالح فئة من الشعب هي المودعون، في حين يحرم فئة اخرى من ايرادات مستدامة. مقترحاً ادارة تلك الاصول من اجل تمويل صندوق استرداد الودائع على ان تبقى ملكيتها للدولة. ولكنّ المصدر المصرفي ختم موضحا ان استخدام اصول مصرف لبنان لاي غرض يجب ان يبدأ أوّلاً بتحديد نسبة الخسائر التي سيتحمّلها البنك المركزي، ليقرر على أثرها التخلّي عن الاصول التي يملكها!
بدارو: من 5 مليارات إلى 15 ملياراً
من جهته، أبدى الخبير الاقتصادي روي بدارو عدم تأييده لاقتراح بيع ممتلكات مصرف لبنان من عقارات او أسهم في شركات تجارية بغض النظر عن هدف استخدام الاموال المتأتية عن عمليات البيع، وذلك قبل تغيير السلطة والطبقة الحاكمة وانتخاب رئيس للجمهورية والحكومة ومجلس نواب جديد، أوّلاً لان اي قرار بيع لاصول يحتاج الى وجود نمو اقتصادي يحسّن من قيمة الاصول ويزيدها أضعافاً. وثانياً بسبب عدم الثقة بالادارة الحالية من سياسيين ومصرفيين لاتمام اي عمليات بيع او خصخصة في ظلّ الفساد والمحاصصة وسوء الادارة القائم.
واوضح لـ»نداء الوطن» ان قيمة اية اصول، إن كانت أصول الدولة او ممتلكات مصرف لبنان، في حال كانت مقدّرة اليوم بـ5 مليارات دولار، فان قيمتها سترتفع عندما تستقرّ الاوضاع على الصعيد الرئاسي والحكومي والسياسي وتتحسّن عجلة النمو، الى 15 ملياراً! «وبالتالي لا يجوز التصرّف والتفريط بإرث الاجيال القادمة لصالح اعادة اموال مودعين قبل ان تتم غربلتها بين مشروعة وغير مشروعة وبين من حقق ارباحاً طائلة من الفوائد الخيالية والسمسرات». لافتاً الى ان المراحل التي يجب اتمامها قبل بلوغ نقطة بيع الاصول من اجل استرداد الودائع او اطفاء الخسائر متعددة، ولا يمكن تخطّيها لانها تشكل الاساس المتين والاصلاح المطلوب لاستعادة الثقة والنمو وبالتالي السير في مسار الانقاذ المطلوب على كافة الاصعدة، وهو ما يحتاج أوّلاً وأخيرا الى طبقة سياسية مختلفة تفرض الاصلاح الجوهري المتكامل وليس الاصلاح التجميلي كما يحصل حالياً».
وفيما اكد بدارو ان اقتراح بيع اصول مصرف لبنان من اجل المساهمة في تمويل صندوق استرداد الودائع، أمر وارد، رغم تحفّظه على واقعية استرداد الودائع واستبدالها بالتعويض عنها، شدد على ان البيع لن يكون مناسباً طالما ان الطبقة الحاكمة نفسها التي ساهمت بالانهيار ستدير عمليات البيع والادارة، «ونظراً لتاريخها الحافل بعدم الشفافية والفساد، فلا ثقة أيضاً باي جهة مستقلّة تعيّنها هذه الطبقة لاتمام تلك المهمّة».