في العادة تضع الحكومات الموازنة العامة ويقرّها مجلس النواب من أجل إنتظام انفاق المال العام في الدولة. موازنة 2022 تأتي على وقع الإنهيار الكبير، وبينما يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار وضع مرافق الدولة مع أوضاع المواطن بظل تعدد أسعار الصرف، الا انها انتجت “سلّة” ضرائب كاملة متكاملة جاءت لتضيف على المواطن اللبناني مزيداً من الأعباء والنهب المُقَوْنَن ضدّه.
المادة 81
من يقرأ موازنة 2022 يدرك تماماً أنها تتضمّن مجموعة من المخالفات الدستورية الكبيرة، وأولها المادة 81 التي تعطي مهلة جديدة للمعتدين على الاملاك العامة البحرية رغم استفادتهم من جميع قوانين تعليق المهل منذ العام 2019.
هنا يشرح المحامي نجيب فرحات عبر “النشرة” أن “المادة تنص على تمديد مهلة الاستفادة من الحسم الكلّي على بدلات إشغال هذه الاملاك، رغم أنّه غير موجود أصلاً في المادة 11 من القانون رقم 64 /2017، أي أنها تُشرِّع حسم بدلات إشغال هذه الأملاك العامة كلياً، بحجة تمديد المهلة، كما أنها تتساهل بشكل كبير مع المُخالِف، الذي لم يَدْفع المبالغ المتوجِّبة عليه رغم تمديد المهلة، لا سيّما من خلال اعطائه فرصة جديدة بإنذار يوجَّه اليه للدفع ضمن مهلة شهر إضافية والاكتفاء بعدها بختم المكان بالشمع الأحمر، بدلاً من تطبيق الاحكام الحاليّة الواردة في البند “التاسع” من المادة 11 من القانون 64/2017، التي تفرض الغاء السماح بالإشغال وإخلاء العقار ووضع يد الإدارة عليه فوراً عند عدم الدفع”.
المادة 82
المادة 82 تنصّ على تحميل أصحاب العلاقة مصاريف أعمال التحديد والتحرير لعقاراتهم من خلال رسم يتراوح بين 1500 ألف ليرة لبنانية و10 ملايين ليرة لبنانية للعقار الواحد، مُقابِل عدم تخصيص الموازنة أيّ مبلغ مالي من الخزينة لهذه الأعمال عن السنة الحالية.
هنا يشرح نجيب فرحان أنه “بعد أن تأخَّرَت الدولة حوالي 100 سنة، منذ العام 1926، عن إنجاز أعمال المساحة في لبنان خصوصاً في المناطق الريفيّة النائية، تأتي اليوم لتَفْرِض على سكّان هذه المناطق دَفْع ثمن إهمالها المُزمِن لهم، وهم الأكثر فقراً في لبنان، في حين أن أبناء باقي المناطق اللبنانيّة التي حَصَلت فيها أعمال التحديد والتحرير سابقاً، مَسَحَت الدولة عقاراتهم مجاناً ودون أيّ كلفة مادّية”، مشددا على أن “هذا ما يُشكِّل مخالفة فاضحة لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون الذي ينص عليه الدستور اللبناني”.
المادتان 85 و109
يصل فرحات الى المخالفات في الموازنة وتحديداً في المادتين 85 و109 وهي ترمي الى تشريع هرطقات تعاميم مصاريف لبنان في الموازنة من خلال “إبتكارها” للتفرقة والتمييز بين وديعة “قديمة” وأخرى “جديدة”، ووضع ضريبة على “القديمة” رغم عدم وجود ما يُبرِّرها عليها، كون المصارف تحتجزها ولا تدرّ بالتالي أيّة أرباح وهو ما يُمهّد لقضمها تباعاً، وفي المقابل تُعفي من هذه الضريبة الودائع بالعملة الاجنبية المودعة إعتباراً من تاريخ 17/ 10/2019، مؤكدا أن ” هذا الأمر ينطوي على مخالفات دستورية كثيرة لا سيّما لمبدأ المساواة أمام الاعباء العامة وحماية الملكيّة الفردية والنظام الاقتصادي الحر”.
المادة 102
تفرِض هذه المادة رسمًا جديدًا بقيمة 50 الف ليرة لبنانية على الدعاوى الجزائيّة وما يَرتبِط بها لمصلحة صندوق تعاضد القضاة، هذا الرسم كان رفضه ولم يَقبَل به مجلس النواب سابقاً في جلستة المنعقدة بتاريخ 13 و14 تشرين الاول 1999 عملاً بمبدأ مجّانية الدعاوى الجزائيّة، وأعطى صندوق تعاضد القضاة بدلاً من ذلك زيادة على رسوم الدعاوى المدنيّة والاحكام والمعاملات التنفيذيّة، وهو ما صدر بموجب القانون رقم 146 / 1999 تاريخ 29 /10/ 1999. هنا يشير نجيب فرحات الى أن “هذه المادة تَمْنَح صندوق التعاضد هذا الرسم والزيادات على الرسوم التي كان قد أخذها كبديل عن هذا الرسم في العام 1999، وهذا يُخالِف مبادئ العدالة الضريبية والاستقامة في التشريع، فضلاً عن مخالفة هذا الرسم لمبدأ مجانّية الدعوى الجزائيّة المُعترَف به من مجلس النواب نفسه عند اقراره للقانون 146 /1999”.
المواد 29، 30 و33
من الإنتهاكات الدستورية الفاضحة في مشروع قانون الموازنة المواد 29 و30 و33 التي تُكرِّس فَرْض ضريبة الدخل على رواتب التقاعد خِلافاً لقرار المجلس الدستوري رقم 23 / 2019 تاريخ 12/ 9/ 2019، والذي قضى بعدم دستورية فَرْض هذه الضريبة لعدّة أسباب منها بحسب نجيب فرحات، “مخالفة مبدأ المساواة، طالما أن تعويضات الصرف لا تزال مُعفاة من الضريبة، فيكون بذلك قد حَصَل تمييز غير مبرَّر بين المتقاعد الذي اختار الراتب التقاعدي وبين المتقاعد الذي اختار تعويض الصرف، ولأنّه لا يجوز فرض الضريبة مرّتين على الراتب التقاعدي كوْن الدولة تستوفيها عند المنبع من خلال طريقة احتسابها لهذا الراتب على أساس نسبة 85% منه وليس 100%، بحيث تكون نسبة الـ15% التي جرى حَسْمها هي الضريبة على الراتب التقاعدي.
واضاف: “المجلس الدستوري في قراره المذكور أدّى إلى إلزام مجلس النواب بالعمل سريعاً جداً على إصلاح هذا الخلل بشكل يتوافق مع الدستور، إلا أنّ المواد 29 و30 و33 من مشروع الموازنة عَمِلَت بما يُناقض ذلك القرار تماماً في مُخالَفَة فاضحة لأحكام المادة 19 من الدستور، التى أَنشَأَت المجلس الدستوري وللمادة 13 من قانون انشائه رقم 250 / 1993 المعدَّل والتي تنص على أن “تتمتَّع القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بقوّة القضيّة المُحكَمة وهي مُلزِمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية”.
في الخلاصة، ينعقد مجلس النواب الاثنين المقبل لاستكمال مناقشة الموازنة التي تتضمّن جملة مخالفات دستورية تشرّع نهب المواطن والاجهاز عليه في سرقة موصوفة بمخالفات لا تعد ولا تحصى، وتؤكد مصادر وزارة المالية لـ”النشرة” أن “موضوع الدولار الجمركي هو أحد الأمور المطروحة وعلى سعر 15 الف ليرة والهيئة العامة مجتمعة هي المفترض أنّ تتخذ القرار بهذه المسألة”.
فهل تقرّ الموازنة وما تضمنته من مجازر بحق الشعب اللبناني؟!.