تبدو المتغيرات التي تصيب الأسواق التجارية واضحة، إن لجهة نوعية المنتج وكمياته ومصادره، وذلك تماشياً مع متغيرات القدرة الشرائية لدى المواطن، وتراجعها بشكل كبير مع انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار. فهيكلية السوق تتغيّر تدريجياً كما توجهات المستهلك الذي بات يستهدف بشكل أساسي المنتج الأقل تكلفة، وإن كان على حساب جودته.
لكن متغيرات السوق وتبدّل مزاج المستهلك وتراجع قدرته الشرائية، تُشعل حرباً بين الحين والآخر بين أهل القطاع الواحد من مستوردي منتجات منافسة. واليوم نشهد “حرباً” بين مستوردي اللحوم الحية ومستوردي اللحوم المبرّدة والمثلّجة. تقوم حرب المستوردين والتجار على إعلاء الصرخة من قبل مستوردي اللحوم الحية بأن لحوماً رديئة تدخل البلد مصدرها الهند لا تخضع للفحوص ولا يصرّح أصحابها بمنشأها. وهو ما نفاه المعنيون جملة وتفصيلاً، فما صحة الحديث عن غزو السوق اللبنانية باللحوم الهندية غير المطابقة؟ وهل يتم إخضاع اللحوم المستوردة من الهند للفحوص المخبرية قبل دخولها البلد؟
لحوم غير صالحة؟
لم يتردّد أمين سرّ نقابة القصّابين ومستوردي وتجار المواشي الحية ماجد عيد، في حديث إلى “المدن”، من تحذير المواطنين من أكل اللحوم الهندية. مؤكداً دخولها إلى البلد بكميات كبيرة وعدم مطابقتها للمواصفات الصحية، مستشهداً بقرار حظر دول أوروبية دخول اللحوم الهندية إلى اسواقها قبل أن تستأنف استيرادها وفق معايير صحية دقيقة، ويسأل ماجد “لماذا لا يُعلم التجار في لبنان ومراكز البيع واصحاب الملاحم المستهلكن بمصدر اللحوم الهندية؟ وإذا كانوا على ثقة بصحة اللحوم، لماذا لا يعلنون مصدرها للزبائن؟
سؤال مهم أتى الجواب عليه على لسان مصدر رفيع من وزارة الاقتصاد، ليقول عبر “المدن” إن وزارة الاقتصاد تفرض على اللحامين والمتاجر الكبيرة ذكر مصدر اللحوم إن كان هندياً أو برازيلياً أو بلدياً وسواه، لاسيما في السوبر ماركت، “لكن لا قدرة للوزارة على الكشف على كافة الملاحم”.
ونظراً لكون صلاحيات وزارة الاقتصاد تقتصر في هذا المنحى على متابعة الشكاوى والرقابة على الأسعار وغيرها من المهام، فإن مسألة إخضاع اللحوم المستوردة للفحوص المخبرية وتحديد مدى صلاحيتها تعود إلى وزارة الزراعة قبل دخولها إلى الأسواق. أما فيما خص اللحوم المتواجدة في الأسواق، فتعود مسألة رقابتها إلى صلاحيات وزارة الصحة، ومعها المراقبين الصحيين بالبلديات.
بالنسبة إلى وزارة الصحة، فقد أكد مديرها العام فادي سنان عدم تلقي الوزارة أي شكاوى أو تحذيرات في هذا الشأن، “وفي حال تلقي أي شكوى أو تحذير من اللحوم الهندية أو سواها ستتحرك الوزارة” على ما يقول سنان في حديثه إلى “المدن”.
أما وزارة الزراعة، فقد طمأن مدير الثروة الحيوانية فيها الياس ابراهيم، في حديثه إلى “المدن”، إلى أن كافة اللحوم المستوردة تخضع للمراقبة والفحوص المخبرية، وهي مطابقة للشروط الصحية.
حرب التجار
قبل الدخول بتفاصيل ومواصفات اللحوم المستوردة من الهند، استوقفنا تصريح ابراهيم بالقول “دائماً ما نتوقع حرباً بين قطاعين يستوردان المنتج نفسه لاسيما في قطاع اللحوم”، هذا الأمر يعيدنا إلى أرقام مستوردات اللحوم خلال العام 2021 و2022، فالارقام تشير إلى تراجع هائل في استيراد اللحوم الحية والمبرّدة في مقابل ارتفاع ملحوظ لاستيراد اللحوم المجلّدة، والتي تقل أسعارها كثيراً عن اللحوم الحية والمبردة.
وقد هبطت مستوردات اللحوم الحية والمبردة في الأيام القليلة الماضية بنسبة 40 في المئة عن المثلجة، كما بلغ حجم المستوردات من اللحوم المثلجة لأول مرة في تاريخ لبنان ضعف المبردة. والسبب هو تدني أسعارها. علماً أن أسعار اللحوم الهندية المثلجة تقل كثيراً عن اللحوم الحية أو المبردة، فالكيلو المثلج لا يزيد سعره عن 2.7 دولارات، في حين تبدأ أسعار الكيلو من اللحوم المبردة أو الحية من 6 دولارات.
أمر آخر أثاره عيد في حديثه إلى “المدن” ما يسمى “الرول” الهندي. وهو عبارة عن بقايا لحم يتم جمعها من مصادر اللحوم في الهند، فيتم لفها بطريقة الرول ومن ثم بيعها. وهي أكثر الأنواع رداءة، حسب عيد. وإذ يحذر عيد من بيع هذه اللحوم في الأسواق باعتبارها غير صالحة للأكل النيء، يرى أن التجار رفعوا حجم مستورداتهم من اللحم الهندي لأنه متدني الأسعار ويحقق لهم أرباحاً طائلة.
وفي مقابل تحذير مستوردي اللحوم الحية أو المواشي، يؤكد نقيب مستوردي اللحوم غابي دكمرجيان في حديث إلى “المدن” أن المستوردات من الهند تتم كما سائر المصادر، فلبنان يستورد اللحوم من عدة دول منها الأورغواي والباراغواي والهند وغيرها، إنما أسعار اللحوم الهندية أقل بكثير من سواها. ويشدد دكمرجيان على أن لا ضرر على الاطلاق من اللحوم الهندية، فهي تخضع للفحوص المخبرية من قبل وزارة الزراعة قبل دخولها إلى البلد. أما عن التحذيرات من أكلها “فمن الطبيعي أن لا تؤكل نيئة لأنها مثلجة أو فاكيوم”.
لا تهاون بالرقابة
لم يُفاجأ مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة بالسجال الواقع بين التجار على خلفية اللحوم الهندية، لكنه حسم الحديث عن صحتها بالقول “إن كافة مستوردات اللحوم يتم فحصها على المرافئ بشكل دقيق جداً. وبصرف النظر عن تدني الأسعار، فإن وزارة الزراعة تؤكد ان كافة اللحوم التي تدخل البلد خاضعة جميعها للإجراءات الصحية، وليس هناك أي تهاون أو مراعاة لمستوردي اللحوم”. لكن المواطن باتت توجهاته اليوم نحو الأقل ثمناً، ففي ظل الوضع الاستثنائي وتراجع القدرة الشرائية بشكل كبير، بات المستهلك يسعى إلى المنتج الأقل ثمناً. وهذا الأمر ينعكس تراجعاً كبيراً جداً باستيراد اللحوم الحية واللحوم المبرّدة، وارتفاع استيراد اللحوم المثلجة.
لا بقايا لحوم
أما الحديث عن بقايا اللحوم، فالمقصود فيه هو اللحوم غير المصنفة، يوضح ابراهيم، أنها منتجات يتم استيرادها في كافة دول العالم وتستخدم باللحوم المطبوخة والمعلبات وغيرها. وهذا لا يعني انها غير مطابقة للمواصفات الصحية، واستيراد الرول لا يعني أنها لحوم غير صالحة للأكل، ويختم “لم يعد بمقدور كافة المواطنين شراء اللحوم الحية أو المبردة، والتي يقارب سعر الكيلو منها 300 ألف ليرة وأكثر، والوزارة لم تضع أي ضوابط أو عراقيل على استيراد أي نوع من أنواع اللحوم. لكنها في المقابل لم تتهاون يوماً بمسألة المواصفات والمعايير والشروط الصحية”. داعياً التجار إلى الكف عن حملات الحرب فيما بينهم فذلك لا ينتج عنه سوى تخويف المواطنين، والنتيجة ستكون سلبية على الجميع.