كثيرة هي المواد “المُجحفة” بحق المواطنين والواردة في مشروع موازنة 2024، ومنها ما يضمر “خبثاً” بحق المودعين وأموالهم المُحتجزة لدى المصارف. والمادة 22 من مشروع الموازنة المذكورة خير دليل على تعمّد السلطة السياسية ممثلة بوزارة المال، تذويب الودائع العالقة في المصارف بالتعاون والتواطؤ مع السلطة النقدية والمصرفية.
تجيز المادة 22 من مشروع موازنة 2024 للمكلّفين بالضرائب تسديد ما يتوجب عليهم من ضرائب من حساباتهم المصرفية العالقة في المصارف، والتي تعتبرها المصارف اليوم دولاراً مصرفياً، أي لولار. أما سعر اللولار المقترح في مشروع الموازنة فيبلغ 40 في المئة من سعر الدولار المحدد في منصة صيرفة (حالياً) والذي يمكن أن يطرأ عليه تغييرات في المرحلة المقبلة.
مضمون المادة 22
قبل توضيح مخاطر المادة 22 من مشروع موازنة 2024 نورد نصها الحرفي، وهو التالي: “يجاز للمكلفين بالضرائب والرسوم التي تحققها وتحصلها مديرية المالية العامة وضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون تسديد الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة عليهم عن الفترات السابقة لتاريخ 15 تشرين الثاني 2022 من حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ18 تشرين الاول 2019، وذلك على أساس 40 في المئة من سعر الدولار الأميركي على منصة صيرفة. وتتحدد دقائق هذه المادة عند الاقتضاء بموجب قرار يصدر عن وزير المالية بعد استطلاع رأي حاكم مصرف لبنان”.
أما الأسباب الموجبة لتلك المادة، فمن أجل “مساعدة المكلفين على تسديد الضرائب والرسوم المتوجبة عليهم من حساباتهم المصرفية”.
بهذه المادة تقترف وزارة المال تجاوزين بحق المودعين، الأول أنها أعطت لنفسها وللحكومة من بعدها حق التصرف في تحديد سعر الدولار المصرفي العالق في المصارف منذ 4 سنوات، في حين تتخلف السلطتان السياسية والنقدية عن وضع حلول وتنفيذ إصلاحات في سبيل إعادة وتحرير أموال المودعين بقيمتهم الحقيقية.
أما التجاوز الثاني فيعود إلى إقرار وزارة المال بشكل غير مباشر بأن أموال المودعين العالقة في المصارف لم تعد موجودة، ولا طائل من المطالبة بها، دافعة بالمودعين إلى استخدامها في سداد متوجبات ضريبية لصالح الخزينة العامة.
هيركات 60 في المئة
ويكمن خُبث وزارة المال في مشروع موازنة 2024 وتحديداً في المادة 22، في تحديد قيمة الدولار المُراد سحبه من الودائع العالقة في المصارف وسداده لوزارة المال بدل رسوم وضرائب. فقد حددت قيمة “اللولار” بـ40 في المئة من سعر منصة صيرفة (المفترض حالياً 85500 ليرة) أي ما قيمته نحو 34200 ليرة.
ما يعني أن وزارة المال تكون بذلك قد فرضت “هيركات” على الودائع بقيمة 60 في المئة من دون وجه حق، تحت عنوان سداد الرسوم والضرائب والغرامات. ومن أين لوزارة المال أيضاً الحق بتحديد سعر الدولار المصرفي أو الدولارات المودعة قبل تشرين الأول من العام 2019؟ وعلى أي أساس حددت قيمة 40 في المئة من دولار منصة صيرفة؟ لماذا لا يتم سداد الدولارات المودعة بسعر المنصة، خصوصاً أن السلطة ومصرف لبنان يسعيان اليوم إلى توحيد سعر الصرف على أساس سعر المنصة، إن صيرفة أو بلومبرغ لاحقاً.
توضع المادة 22 من مشروع الموازنة في سلة القرارات والتعاميم الهادفة إلى تذويب ما تبقى من ودائع وأموال مودعة لدى المصارف منذ ما قبل تشرين الأول 2019. وتأتي مكّملة للتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان في الأشهر والسنوات السابقة، والتي تقتطع من الودائع نسباً عالية لاسيما بموجب التعميم 151 وتحديد سعر اللولار عند 15 الف ليرة، في وقت يبلغ فيه سعر صرف الدولار الحقيقي في السوق 89000 ليرة.
وحسب خبراء قانونيين، فإن العديد من مواد مشروع موازنة 2024 مخالفة للقانون وغير دستورية، ومن السهل تقديم مراجعات بها لدى مجلس شورى الدولة لإبطالها. وهو ما يُتوقع القيام به فيما لو أقرت موازنة 2024 بشكلها الحالي.