في 6 كانون الأول من العام 2023، أعلنت جمعية المصارف، في بيان، أنّ «أحد عشر مصرفاً لبنانياً رفعت إلى وزارة المال، مذكرة ربط نزاع، بواسطة المحاميين ايلي اميل شمعون وأكرم عازوري، طالبت الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها الى مصرف لبنان، لكي يتمكّن الاخير من تسديد التزاماته الى المصارف اللبنانية، لتتمكّن بدورها من اعادة اموال المودعين».وبناء على ذلك يكون مضى اكثر من شهرين على تقديم المذكرة، من دون أن تجيب عليها وزارة المال (باسم الدولة اللبنانية) سواء بالقبول أو بالرفض. فهل عدم الاجابة يضعف من موقف الدولة اللبنانية، وما هي الاجراءات القانونية التي يمكن أن تتخذ بعد انقضاء المدة التي يفترض بوزارة المال أن تجيب فيها؟
مالك: عدم الجواب يُعتبر بحد ذاته ربط نزاع
في الميزان القانوني يجيب الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك «نداء الوطن» على هذه الاسئلة بالقول: «من الثابت على ان مذكرة ربط النزاع التي تقدمت بها جمعية المصارف، يجب أن تكون قد تبلغتها الدولة اللبنانية أصولاً، ويفترض أن تتم الاجابة عليها ضمن مهلة شهرين من تاريخ تبلغها. أما وقد تبلغت من دون أن تتقدم بالجواب، فهذا يعتبر بحد ذاته ربط نزاع ويمكن على أساسه لجمعية المصارف ان تقاضي الدولة او من تراه مناسباً أمام تحقيق مطالبها». ويختم: «ربط النزاع تحقق بعد مرور شهرين على تاريخ الابلاغ ويمكن اللجوء الى القضاء المختص من أجل تحصيل حقوق الجمعية وسواها من الاشخاص المدّعين».
مرقص: كان على الدولة الإجابة لأنها خصم شريف
من جهته يشرح المحامي بول مرقص (رئيس مؤسسة justicia في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ) لـ»نداء الوطن»، أن «عدم الجواب لا يؤثر بالضرورة في حقوق الدولة اللبنانية التي يمكن لها ان تتريث لحين تقديم اي مراجعة قضائية بوجهها فتجيب عليها ساعتئذ، الا ان الدولة وكونها خصماً شريفاً، ويفترض ان تكون قدوة في التعاملات والاخلاقيات، كان يجب عليها أن تجيب على مذكرة ربط النزاع». يضيف: «أما وقد انصرمت مدة الشهرين دون اجابة فان القانون يعطي المصارف حق المراجعة القضائية بوجه الدولة، على اعتبار انه وان لم يرد جواب صريح من قبل الدولة فان عدم الجواب يعتبر بمثابة جواب ضمني، وعند السكوت تجوز اقامة المراجعة القضائية امام مجلس شورى الدولة».
ضاهر: المصارف تحاول سبغ مشروعية على دين غير مشروع
في الميزان القانوني ايضاً يعتبر المحامي باسكال فؤاد ضاهر عبر «نداء الوطن» أنه «كان على وزارة المال ان تردّ وفي حال لم تقم بذلك خلال فترة شهرين، بحسب ما ينص القانون، يعتبر قرارها هو الرفض الضمني للمذكرة ويطعن به امام مجلس شورى الدولة»، لافتاً الى أنه «اذا ردت الدولة اللبنانية قبل مدة الشهرين ورفضت يعتبر القرار رفضاً صريحاً، وبما انها لم ترد خلال شهرين بات بيد المصارف قرار يعتبر رفضاً ضمنياً وليس مكتوباً ويمكن ان يطعن به امام مجلس شورى الدولة لابطاله».
ويؤكد ضاهر أن «عدم الرد لا يضعف من موقف الدولة، ومن حقها اختيار الرد عبر الرفض الضمني، ولا سيما أن الديون التي تطالب بها المصارف بصفتها كما لو انها قيّمة على مصرف لبنان، بحكم المواد التي تذرعّت بها عند تقديم المذكرة، وهي لا تستقيم، ولكنها تعتبر نفسها قيّمة على مصرف لبنان والاخير قاصر عن القيام بمهامه وتحل مكان الحاكمية وتقيم الدعاوى عنه، وهذا فعل شواذ لم يمر على القضاء اللبناني منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية».
ويشدد على أن «العبرة هي ان المصارف تحاول سبغ مشروعية على دين غير مشروع. لأن مصرف لبنان عندما يقرر اعطاء الدولة قرضاً او ديناً، يجب ان ينتظم الى احكام المادتين 90 و91 من قانون النقد والتسليف، ولكن في الحقيقة لم يحصل عقد ولا اي اجراء آخر كما أن الدستور اللبناني يفرض في المادة 88 ان يكون هناك قانون يجيز الدين… كل هذه العناصر غير موجودة».
ويختم: «وصف الدين غير مشروع ويتحمل مسؤوليته اشخاصه، ومن المفترض ان يرد مجلس شورى الدولة الدعوى للاسباب التي ذكرتها».
على ماذا الإستناد؟
تجدر الاشارة الى أن مذكرة ربط النزاع ادعت انها ترتكز في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته ألفاريز أند مارسال (Alvarez &Marsal)، وعلى التدقيق المحاسبي الذي اصدرته اوليفر وايمن Oliver Wyman، بناء على طلب من الدولة اللبنانية. وبعد سرد مفصّل للطريقة التي أدّت الى تجميع الخسائر في مصرف لبنان، من خلال استخدام الدولة للاموال، تزعم المصارف انها اموال المودعين التي اودعتها في مصرف لبنان بارادتها، او بقوة التعاميم والقرارات التي كان يصدرها المركزي وهي مُلزمة للمصارف. لخّصت المصارف المُدّعية مطالبها بمطالبة الدولة بتسديد دينها الى مصرف لبنان والبالغ حوالى 16 مليارا و617 مليون دولار، ومطالبة الدولة بتسديد حوالى 51 مليارا و302 مليون دولار، لتغطية خسائر مصرف لبنان الظاهرة في ميزانيته لسنة 2020 تطبيقاً لقانون النقد والتسليف، سيما المادة 113 منه، وتغطية زيادة العجز في مصرف لبنان عن السنتين 2021 و2022، من خلال اتباع طريقة الاحتساب التي تزعم المصارف انها من تقرير ألفاريز أند مارسال في تحديد الخسائر حتى العام 2020».
وألمحت المذكرة، حينها، باللجوء الى «مراجعة القضاء الاداري لإلزام الدولة اللبنانية تنفيذ موجباتها القانونية تجاه مصرف لبنان، في حال عدم تجاوبها مع هذه المطالب».