ظهرت دراسة أصدرها مركز مبادرة سياسات الغد، أن بيانات التصدير من لبنان والاستيراد إليه فيها نسبة مرتفعة من التزوير. الدراسة امتدّت على 26 سنة ومنذ 1997 حتى 2022 شملت أكبر عشرة شركاء تجاريين (أكبر عشر دول يصدّر إليها لبنان أو يستورد منها)، وقارنت البيانات المصرّح عنها في لبنان مع البيانات المصرّح عنها في دول المقصد أو المورد. وقدّرت بأن التزوير في بيانات التصدير يصل إلى 46% مقابل 22% لبيانات الاستيراد. وهذا يعني أن تهريب رؤوس الأموال بالعملات الأجنبية لم يتوقّف طوال السنوات الماضية، بالتزامن مع التهرّب الضريبي.تُظهر أرقام «مرصد التعقيد الاقتصادي» و«أرقام الجمارك اللبنانية» أن مجمل ما استورده لبنان بين 1997 و2022 يبلغ 380 مليار دولار، وأن مجمل الصادرات يبلغ 77 مليار دولار. ويمثّل أكبر عشرة شركاء تجاريين مع لبنان ما بين 60% و70% من مجمل التصدير والاستيراد. وبالمعاينة التفصيلية لهؤلاء الشركاء التجاريين. استنتجت الدراسة التي نفّذها الباحثان سامي عطالله وسامي زغيب، إلى أن هناك تفاوتاً ناتجاً من سوء التصريح، أو بما معناه «التزوير»، في البيانات المعلنة تقدّر قيمته بنحو 7.1 مليارات دولار في ما خصّ صادرات لبنان و28 مليار دولار للاستيراد.
سجّل أعلى مستوى لمعدّل سوء التصريح في الصادرات في 1997 بنسبة 106%، وأدنى مستوى 13% في عام 2020. وعلى سبيل المثال، فإنه في عام 2010 صرّح المصدرون، للجمارك اللبنانية، أن مجمل قيمة بضائعهم الصادرة إلى سويسرا بلغت 502 مليون دولار، إنما أظهرت البيانات السويسرية الرسمية أن الاستيراد من لبنان بلغ 182 مليون دولار. هذا يعني أن هناك تفاوتاً (تزوير) قيمته 320 مليون دولار. وفي 2010 أيضاً، صرّح المصدّرون أن مجموع الصادرات إلى الأسواق العشرة الأولى، بلغ 2 مليار دولار، بينما تبيّن من الأرقام الرسمية في البلدان التي تلقّت هذه الصادرات أن مجمل ما وصلها قيمته مسجّلة بنحو 918 مليون دولار فقط.
وفي الحالة السويسرية أيضاً، تبيّن أن سوء التصريح لا ينحصر بسنة واحدة، بل يمتدّ على 19 سنة من أصل 26 سنة عاينتها الدراسة. والأمر نفسه بالنسبة إلى صادرات لبنان إلى الإمارات العربية، إذ إنّ هناك سوء تصريح يمتدّ على 3 سنوات، وفي الكويت وكوريا سوء التصريح محصور بسنتين.
والمعاينات التفصيلية للسنوات تحدّد أيضاً السلع التي جرى التلاعب بأرقامها. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسة أنه في عام 2021 شكّلت «الأحجار الكريمة» الحصّة الأكبر من التفاوت بين صادرات لبنان إلى سويسرا والإمارات. حجم التزوير مع سويسرا بلغت قيمته 30 مليون دولار، ومع الإمارات 140 مليون دولار. كذلك، يقدّر أنه من بين البضائع التي زوّرت بياناتها في عام 2019 هي المشتقات النفطية والغاز، التي كان لها الحصة الأكبر من التفاوت لجهة ما هو وارد إلى لبنان من أميركا بقيمة تزوير بلغت في تلك السنة 490 مليون دولار. وفي 2019 شكّلت قيمة «الأحجار الكريمة» المصرّح عنها للجمارك اللبنانية الحصّة الأكبر من سوء التصريح في التصدير إلى الإمارات. ويقدّر حجم التزوير إلى الإمارات بأنه يشمل سلعاً بقيمة 398 مليون دولار، علماً بأن الاستيراد من الإمارات يسُجل أعلى نسبة تزوير في 9 سنوات من أصل 26، والصين 7 سنوات من أصل 26، وسويسرا 5 سنوات من أصل 26.
تفسّر الدراسة التفاوت أو التزوير، في البيانات الرسمية للاستيراد والتصدير على أنه بالاتجاهين. فالهدف من التزوير يتعلق بالتهرّب من الرسوم الجمركية أو لأهداف أخرى مثل تهريب الرساميل المدعومة الكلفة أو سواها. في السياق ذاته توضح الدراسة أن نسبة التفاوت بأرقام التصدير أعلى من نسبة التفاوت بأرقام الاستيراد لأن بيانات الاستيراد الرسمية تسجّل لدى سلطات الجمارك في الدولة التي صدرت إلى لبنان، أما بيانات التصدير الرسمية، فتسجل لدى السلطات الجمركية اللبنانية. ما لم تذكره الدراسة هو أن «نفخ» أرقام التصدير مربوط أيضاً بتهريب رؤوس الأموال والأصول إلى الخارج خاصة عندما يتبيّن أن أرقام التلاعب هي في بيانات البضائع مثل «الأحجار الكريمة». أما تزوير بيانات الاستيراد، فلا ينحصر فقط بالتهرّب الضريبي، بل هو مربوط أيضاً بالاستفادة من الدعم، وذلك يمكن الاستدلال عليه من أن الحصة الأكبر من أرقام الاستيراد التي تم التلاعب بها هي في بيانات المشتقات النفطية والغاز.