يرفض مزارعو التبغ تسليم محاصيلهم، بحجة استغلال الريجي الأوضاع الراهنة، وتحديد سعر الكيلو بين 5 و 5,5 دولارات، وهو سعر اعتبروه غبناً وإجحافاً في حقهم. ويبدو أنهم سيتمرّدون مرة ثانية على «الريجي»، إذا تواصل استغلالها لهم وشراء محاصيلهم بأبخس الأثمان.
بدأت الريجي باكراً عملية تسلّم محاصيل التبغ من قرى الجنوب استباقاً للتوترات، غير أنّ ما تسلّمته من محاصيل قرى الشريط الحدودي لم يتعدّ 10 أطنان، بدل 80 طناً، لأنّ عدداً كبيراً من المزارعين تمنّع عن تسليم الإنتاج، إما بسبب التوتر على الشريط الحدودي أو بسبب السعر.
وتراجعت نسبة زراعة التبغ بشكل كبير، فبعدما كان عدد المزارعين 18 ألفاً لا يصل اليوم إلى 5 آلاف مزارع، هذا التراجع يعيده عضو تجمّع مزارعي التبغ في الجنوب خليل ديب إلى «سرقة الريجي تعب المزارع».
وحدهم مزارعو التبغ صامدون في عيتا الشعب وحولا وعيترون ورميش وراميا وغيرها، يخافون على محاصيلهم، فقد أكلت من أجسادهم أياماً طويلة، ظنّوا أنّ الريجي ستنصفهم بالسعر، لكن الصدمة كانت عكسية.
عشرات القتلى سقطوا في صفوف مزارعي التبغ نتيجة الألغام والقنابل العنقودية التي خلّفتها إسرائيل وراءها، ودفعوا أثماناً باهظة، ومع ذلك لم تنصفهم الدولة، حتى في زمن الأزمة الراهنة، يقول ديب وهو أحد مزارعي التبغ أيضاً إن ما يدفعه المزارع، تكاليف على ما يسمّونه «شتلة الصمود»، كبير جداً، من شراء مياه إلى حراثة وأسمدة وأدوية وخيطان وكلفة يد عاملة، يفترض أن يكون سعر الكيلو 12 دولاراً، «ما تدفعه الريجي مجحف جداً».
أسهم التمرد الذي قاده ديب قبل عامين دفع بالريجي لرفع ثمن الكيلو من دولار واحد إلى ستة دولارات، على أن تدعم الدولة شتلة الصمود بدولارين، وما حصل هو انقلاب على المزارع في زمن الحرب، يقول ديب، مؤكداً أنّ عملية التسليم المفترضة للتبغ أصابت بخيبة، نسبة كبيرة من المزارعين فلم تسلم محاصيلها، وكما يشير «ليضِع الموسم، لن يكون أغلى من المنازل والأرواح»، في دلالة واضحة على حجم الغضب السائد حالياً.
تحاول الريجي وفق ديب «الانقلاب على المزارع، فتفرض أسعاراً غير منطقية، تراهن على تبعية المزارع في أغلب الأحيان، ولكنها لن تنجح». بحسبه، آلاف الرخص المخصّصة للتبغ وهمية وتعود الى محازبين، هؤلاء «يضمّنونها» اليوم للسوريين الذين بدأوا زراعة التبغ أيضاً، فيما تراجعت أعداد مزارعيها اللبنانيين، ويعقّب قائلاً: «غالبية المزارعين خفضوا المساحات المزروعة من 50 دونماً الى 4 دونمات، وهذا يهدّد زراعة التبغ».
ولا شك في أنّ انعكاسات الحرب في القرى الحدودية من ميس الجبل الى حولا وعيتا الشعب وتولين وشقرا ورميش وغيرها، أثّر بشكل أو بآخر على زراعة التبغ ومزارعيها، فهؤلاء يواجهون حرباً ضروساً من الريجي عليهم، يناضلون لتحسين سعر كيلو التبغ، فتضربهم بسعر متدنٍّ لا يفيهم تعبهم، وهذا بحسب ديب، «سيدفع الى تمرّد جديد، وكما أذعنت الريجي في المرة الماضية، سترضخ مجدّداً، لأنّ لا غنى عن تبغ الجنوب»، ويشير إلى أنّها حاولت استيراد التبغ من تركيا، ولكنها صعقت بسعره، وقد وصل الى 4,5 دولارات بجذعه.
ما يحصّله مزارعو التبغ اليوم من انتاج بالكاد يسدّ حاجاتهم، يدفعون نصفه سداد ديون، والنصف الآخر لضمان استمرار الحياة، وهذا ما دفع ديب للقول: «إنّ استمرار محاربة التبغ سيقضي على شتلة الصمود نهائياً». ويرى أنّ «تأخر تسليم المحاصيل اليوم سينعكس حكماً على جودتها، ويزيد خسارة المزارعين»، ويدعو الدولة الى دعم مزارعي التبغ «ولو لمرة ليصدق المثل؛ شتلة الصمود».