لطالما عُدّ موسم البطاطا من المواسم الذهبية التي يعتمد على عائداتها قسمٌ كبيرٌ من مزارعي عكّار من سنةٍ إلى أخرى. ما يحصل هذه السنة مع هذا الموسم الأساسي لم يحصل في أي سنة خلت. فلقد امتنع العديد من مزارعي سهل عكّار مرغمين عن زراعة البطاطا هذه السنة، وبنسبة أكبر بكثير من السنة الماضية، وذلك بعدما باتت أكلاف زراعتها تضاهي مردودها وتزيد. فبحسب المزارعين الذين أقلعوا عن البطاطا فإنّ كلفة الطن الواحد لهذا الموسم بين سماد ورش وريّ باتت بحدود الألف دولار، ومن يستطيع أن يضمن بأنّ هذا الطن عندما يتمّ قطافه سوف يأتي بأكلافه؟ هذا التغيّر الكبير والمتصاعد بأكلاف المواد الأولية لزراعة البطاطا مردّه إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، الأمر الذي حرم العديدين هذه السنة من زراعة موسم لطالما كان مصدر حبّ وشغفٍ لديهم. المزارعون الذين لم يستطيعوا زراعة البطاطا هذه السنة انقسموا إلى قسمين: القسم الأول لم يزرع بطاطا ولا غيرها من المواسم، لأن لا إمكانية لديه بالدولار، في حين أنّ القسم الآخر لجأ إلى زراعة القمح والشعير، لأنهما لا يحتاجان إلى سماد وكيماويات ولا حتّى إلى ريّ كما تحتاج البطاطا وبالتالي فإن أكلافهما أقلّ بكثير إذا ما قورنت مع تكاليف زراعة البطاطا. يؤكّد المزارع سالم علي لـ»نداء الوطن» أنه لم يستطع زراعة البطاطا وهذا يحصل معه للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً. ويضيف: «تحوّلت عن البطاطا وزرعت طنّين قمح بكلفة لا تتعدّى 300 دولار. للأسف، كل سنة ترتفع الأكلاف وإذا ما استمرّت الأوضاع على هذه الحال فإنه سيأتي يومٌ لا محالة، لن نستطيع فيه أن نزرع لا بطاطا ولا غيره».
في مقابل هؤلاء، ثمة مزارعون آخرون زرعوا أراضيهم بالبطاطا ويعتريهم خوف بألّا تكون الأسعار هذه السنة جيدة فتؤدي بهم بالتالي إلى مزيد من الخسائر. وأكد المزارع أحمد حسن أنّ «العديد من المزارعين يعيشون حالة تخبّط حقيقي. فهم لا يعرفون إلا زراعة البطاطا منذ زمنٍ طويل، وكنا في حيرةٍ هذه السنة، في النهاية اتّخذنا القرار وزرعنا وهناك من استدان لكي يزرع على أمل أن يعوّض في نهاية الموسم». وبين من زرع البطاطا ومن استعاض عنها بالقمح، ثمّة من لا يزال ينتظر ويدرس أموره جيداً قبل اتخاذ القرار الكبير بالزرع، إضافة إلى أنّ البعض قرّر أن لا يزرع وترك الأرض على ما هي عليه لأنه وحسب قوله «إن زرعنا أو ما زرعنا خسرانين… فخلّي خسارتنا محدودة أفضل». وتنتج عكّار وحدها أكثر من 160 ألف طن من البطاطا سنوياً، وهي تزرع بشكل رئيسي في مناطق السهل، حيث يزرع أكثر من 35 ألف دونم من أراضيها بهذا الموسم. ولطالما كان الإنتاج المحلي العكاري من البطاطا وفيراً ويكفي السوق المحلية ويتم تصدير أكثر من 60% منه إلى الخارج لا سيّما إلى دول الخليج، ذاك الموضوع الذي أصبح يؤرّق المزارعين مع توقّف التصدير إلى الخليج أو محدوديته. فامتناعُ قسم من المزارعين عن زراعة البطاطا هذه السنة سيؤدّي إلى تراجع الإنتاج المحلي، فهل سيفتح ذلك الباب واسعاً أمام الاستيراد الذي يتخوّف منه المزارعون كل موسم؟
بعد مرور ما يقارب الأشهر الأربعة على زراعتها ستنضج حبّات البطاطا؛ وإذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه من ضعف التصدير والإستيراد من الخارج بشكل رسمي أو غير رسمي، فإنّ من زرعوا البطاطا هذه السنة سيتجدّد موعدهم مع صرخات الوجع التي تتكرّر موسماً تلو الآخر.