مستقبل مشرق في مجال الطاقة يستهوي دولا نامية عديدة

من المعروف أن إفريقيا، قارة شاسعة المساحة ومتنوعة ذات إمكانيات اقتصادية كبيرة غير مستغلة، وفي الوقت نفسه لا يزال الفقر المدقع يودي بحياة مئات الملايين من الناس في القارة.

وفقا للبنك الدولي، لا يزال قرابة 600 مليون إفريقي يفتقرون إلى مصادر الكهرباء، وهذا الرقم يفوق مجموع سكان أوروبا.

لكن ليست إفريقيا المنطقة الوحيدة التي تعيش هذه الحالة، حيث يوجد نحو 840 مليون شخص حول العالم مضطرين للعيش دون الكهرباء. وفي السنوات الأخيرة، تم إحراز تقدم كبير في طريق ربط الملايين من قاطني المناطق الريفية بشبكات إمداد ثابت للطاقة لا سيما في عدد من الدول الإفريقية. وفي كينيا ارتفعت إمكانية وصول الناس إلى الكهرباء من 8% فقط في العام 2000 إلى حوالي 73% اليوم، والعمل لا يزال جاريا على وضع خطط تتيح ضمان الوصول الشامل للطاقة الكهربائية بحلول عام 2022. بينما في إثيوبيا يقدر عدد السكان الذين بإمكانهم التمتع بفوائد الكهرباء بـ45%، في ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بما كان عليه قبل عقدين من الزمن فقط، حين كان هذا المؤشر يساوي 5%.

وقد تم إحراز هذا التقدم إلى حد كبير بفضل انتشار مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا الأمر مفيد في ظل تشديد الخبراء على حاجتنا إلى حلول منخفضة الكربون في توفير الطاقة، بالمعنى الحرفي والمجازي.

وقال البروفيسور فيروز علم، الخبير في مدرسة الهندسة بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن، أستراليا (RMIT)، بهذا الصدد إن “إمداد الطاقة المستقر هو شرط أساسي للتنمية الاقتصادية والتحول الصناعي. تضخ الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية استثمارات كبيرة في قطاع صناعة الطاقة مع التركيز بشكل خاص على الحد من التلوث البيئي”.

ويتوقع أن يتضخم خلال العقود القادمة، الطلب على الطاقة في دول عدة. وعلى خلفية النمو السكاني السريع الذي تشهده إفريقيا، ستحصل القارة على نصف مليار شخص إضافي بعد مرور عقدين فقط، ومعظمهم من الشباب سيعيشون في المناطق الحضرية. وأشارت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الجديد حول إفريقيا، إلى أن “النمو السكاني في المناطق الحضرية يؤدي إلى نمو سريع للطلب على الطاقة لأغراض الإنتاج الصناعي والتبريد والتنقل”.

يبلغ المستوى الحالي للطلب على الكهرباء في إفريقيا 700 تيراواط/ ساعة حيث تستهلك جنوب إفريقيا ودول شمال إفريقيا أكثر من 70% منه. ولكن يتوقع أن تشهد دول إفريقيا جنوب الصحراء بحلول 2040 زيادة حادة في احتياجاتها من الطاقة ما سيؤدي إلى ارتفاع بمقدار ضعفين أو حتى 3 أضعاف في الطلب الإجمالي للقارة بحلول منتصف القرن الحالي.

يعتقد البروفيسور علم، أن العديد من تلك الدول الإفريقية ستكون في وضع جيد سيمكنها من الاستفادة من إمكانات الطاقة النووية إضافة إلى زيادة حصتها في مصادر الطاقة المتجددة. وتتيح سعة وحدة لتوليد الطاقة النووية التعزيز السريع للقدرات الإنتاجية إلى حد ما دون الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وأضاف علم في حديث لبوابة Sustainability Time: “يوفر قطاع صناعة الطاقة النووية العديد من المزايا الآمنة والتنافسية على المدى الطويل مقارنة بالوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة. علاوة على ذلك قد تكون الطاقة النووية أكثر ملاءمة للاستخدام الصناعي عند مقارنتها مع مشاريع الطاقة المتجددة المتقطعة”.

وأضاف البروفيسور موضحا: “رغم أن إنشاء محطة للطاقة النووية يتطلب رأسمالا كبيرا، لكن تكلفة إنتاج كل كيلوواط/ ساعة من الطاقة المولدة بها تعد الأدنى وتوفر مزايا تنافسية. كما  تحتاج الدول النامية إلى تنويع سلتها لمصادر الطاقة. ولا تمتلك العديد من الدول الساعية للطاقة النووية ما يكفي من المصادر المحلية للوقود الأحفوري أو مصادرة الطاقة المتجددة القابلة للاستخدام، لتغطية طلبها المتنامي باستمرار على الطاقة. وهذا ما يدفع بعضها للنظر إلى الطاقة الذرية كحل”.

ولكونها مصدرا منخفض الكربون وموثوقا للطاقة الوفيرة، تتمتع الطاقة النووية بمزايا عديدة يمكن أن تجعلها جذابة بالنسبة للدول النامية الحريصة على تعزيز قدراتها الصناعية وانتشال الملايين من سكانها من براثن الفقر. ومن خلال إضافة الطاقة النووية إلى محفظة الطاقة الخاصة بها ستستطيع تلك الدول تنويع وسائل توليد الطاقة المتوفرة لديها بغية تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة بحكم طبيعتها مثل الطاقة الشمسية. إضافة إلى ذلك، تعد الطاقة النووية مصدرا منخفض الكربون حيث تنبعث منها نسب منخفضة جدا من غازات الاحتباس الحراري لكل كيلوواط/ساعة من الطاقة المنتجة.

لهذا السبب يرى البروفيسور علم أن الاعتماد على الطاقة النووية يشكل حلا ينفع للطرفين أي اليشر والبيئة على حد سواء في الدول النامية. ونظرا إلى تعقد التكنولوجيا النووية وبعدها عن متناول العديد من الدول النامية ذات الوسائل الصناعية والتعليمية المحدودة، بإمكان تلك الدول اللجوء إلى التعاون الدولي.

وأشار البروفيسور إلى أن “البرامج التي يقدمها القطاع الخاص بالاقتران مع برنامج التطور النووي التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن أن توفر سبلا قوية وشفافة لنقل المعرفة وتعزيز القدرات النووية لدة البلدان النامية. وتظهر التجربة أنه لن يحدث أي نقل للمعرفة أو تطوير فعال للقدرات إلى حين قيام دولة ما بوضع برنامج وطني شامل ومستدام لتنمية الموارد البشرية في القطاع النووي وما لم تكن الدولة البائعة أو الموردة للطاقة النووية حريصة ومستعدة تماما للمشاركة في برنامج تنمية الموارد البشرية في بلد مستفيد”.

في وقت يتراجع فيه استخدام الطاقة النووية في بغض الدول المتقدمة مثل ألمانيا، يشهد القطاع توجها تصاعديا في دول أخرى. وهناك حاليا 54 مفاعلا نوويا قيد الإنشاء في 18 دولة، تنتمي 14 منها على الأقل إلى فئة الدول النامية ذات الدخل المتوسط. علاوة على ذلك أبدت مجموعة واسعة من البلدان في آسيا (18) وإفريقيا (16) وأوروبا (12) وأمريكا الجنوبية (6) رغبتها أو اهتمامها بإنشاء محطات لتوليد الطاقة النووية وتشغيلها قريبا. ولكي يحدث ذلك، تحتاج هذه البلدان إلى كوادر مهنية ومؤهلة وذات كفاءات لضمان مستويات عالية من الأمان في جميع الأوقات خلال صناعة الطاقة النووية.

وقال البروفيسور علم: “لقد قام بعض موردي وبائعي التكنولوجيا النووية بتطوير نماذج جيدة لنقل المعرفة وبناء القدرات النووية استنادا إلى النماذج التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويتميز هؤلاء البائعون والموردون بطابع شامل وشفاف. على سبيل المثال تقدم شركة روساتوم النووية الروسية المملوكة للدولة أحد هذه النماذج”. بالفعل عرضت “روساتوم” على عملاءها في الخارج عددا من نماذج كهذه، ومن بينها مراكز العلوم والتكنولوجيا النووية (CNST) التي تجمع في نشاطها بين بناء مفاعلات بحثية وإنشاء مجمعات مختبرية وغيرها من المرافق مثل مراكز الطب النووي.

وتابع البروفيسور قائلا: “لكن قد تظهر هناك بعض المخاطر التي تنطوي عليها المسألة إذا لم يكن البلد البائع أو المورد يتمتع بسجل حافل في نقل المعرفة النووية وبناء القدرات النووية في الدول النامية. مع ذلك، يمكن تقليل هذا النوع من المخاطر إلى أدنى درجة إذا تم إشراك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العملية واستشارتها بشكل مناسب”.

ولدى الحديث عن التكنولوجيات النووية، توصف على نطاق واسع المفاعلات النووية الصغيرة المدمجة (SMRs) التي تبلغ قدرتها 300 ميغاواط أو أقل من ذلك، بأنها أنسب الأدوات بالنسبة للدول منخفضة الدخل لتطوير معرفتها في المجال النووي وجني الفوائد من التكنولوجيا النووية السلمية. تعتبر المفاعلات الصغيرة المدمجة حلا أكثر مرونة بالمقارنة مع المفاعلات التقليدية كبيرة الحجم، لأن تكلفتها أقل بكثير ويمكن تصنيعها مسبقا على دفعات ثم نشرها بسهولة نسبية في مواقع محددة.

وفوائدها قد تكون كبيرة للدول النامية ذات الموارد المحدودة حيث يمكن تجميع تلك المفاعلات وتفكيكها خلال فتر قصيرة، وهي تتطلب تكاليف رأسمالية أقل ولديها احتياجات أقل في ما يتعلق بإعادة التزويد بالوقود علما أن بعض النماذج التي لا تزال قيد التطوير حاليا، يمكن أن تعمل لمدة تصل إلى 30 عاما دون الحاجة إلى استبدال اليورانيوم المستخدم فيها. إضافة إلى ذلك، بفضل متطلباتها الأقل للتبريد وحجمها الصغير، لا تخضع المفاعلات من نوع SMRs  للقيود المتعلقة بالمساحة ما يعني أنها قابلة للنشر في المناطق المكتظة بالسكان والمواقع النائية على حد سواء.

علاوة على ذلك، فإنه في الدول النامية حيث توفر شبكات الكهرباء الفعالة كميات كبيرة من الطاقة يمكن نشر المفاعلات النووية المدمجة صغيرة ومتوسطة الحجم بسهولة أكبر مقارنة مع المحطات التقليدية. وأشار خبيران في أحد المقالات الجديدة حول الموضوع: “يمكن نشر هذه الأنواع من المفاعلات بسرعة وتتطلب قدرا أقل من رأس المال البشري للبناء والتشغيل (وبإمكان المورد توفير بعضها) ويمكن تعديل حجمها طبقا للقيود التي تفرضها عليها الشبكة المحلية”.

وأضاف الخبيران أن “أنواعا عدة من المفاعلات المدمجة صغيرة ومتوسطة الحجم مصممة للعمل طوال سنوات عديدة بين فترات إعادة تزودها بالوقود، ويمكن نقلها بأمان وتتسم بقابلية عالية للنشر، وهي عوامل يمكن أن تسهم في الجهود الرامية إلى التغلب على التصور الشائع السلبي بشأن الطاقة الذرية. كما يمكن استخدام المفاعلات النووية الصغيرة المدمجة بالاقتران مع أنظمة أخرى لتلبية الاحتياجات غير المتعلقة بالطاقة مثل إنتاج الطاقة الحرارية لمحطات تحلية المياه وتوفير الحرارة للعمليات الصناعية وشبكات التدفئة المركزية”.

وشارك البروفيسور علم هذا التقييم قائلا: “بالنسبة لدولة ذات احتياجات أقل للطاقة يمكن أن تصبح المفاعلات النووية الصغيرة المدمجة بديلا ناجعا عن محطة الطاقة النووية الكبيرة (NPP).  مع ذلك، تجلب محطات الطاقة النووية الكبيرة المزيد من الفوائد الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل لأن إدارتها أريح من ناحية الخدمات اللوجستية والتشغيل والأمان والتحكم بالرأي العام. من جهة أخرى، إذا تم تريد المفاعلات المدمجة هي مزودة بوسائل الأمان “المحصنة من الفشل” التي تتيح لها التوقف عن العمل تلقائيا في حالة تعرضها لعطل ومنع تسرب المواد المشعة إلى البيئة المحيطة، فستكون أكثر جاذبية”.

ويمكن أن تساعد تدابير مثل تطبيق قواعد صارمة وإجراء مشاورات مناسبة والالتزام بالشفافية من قبل صانعي السياسات على زيادة ثقة الناس بمشاريع الطاقة النووية في الدول النامية. وقال البروفيسور علم بهذا الصدد إن “مشاركة أصحاب المصلحة يمكن أن تضمن التنمية الآمنة والمستدامة وتشغيل وصيانة وإصلاح المنشآت النووية فضلا عن إظهار الالتزام الصارم بمختلف المتطلبات والقواعد. تسهم مشاركة الأطراف المعنية في بناء المصداقية والثقة والشفافية عند تطوير المشاريع النووية ما يؤدي إلى تهدئة المخاوف ومباعث القلق غير الضرورية والمضللة بشأن سلامة الطاقة النووية”.

مصدرروسيا اليوم
المادة السابقةرئيس بيلاروس: إتفقت مع روسيا على إعادة تمويل دين بقيمة مليار دولار
المقالة القادمةبوتين يفتتح طريقا سريعا للسيارات في القرم