أنهى مجلس الوزراء إعداد مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع. المشروع يُحمّل الدولة مسؤولية أساسية في انهيار القطاع المصرفي، بسبب «تخلّف الدولة عن سداد التزاماتها الناتجة عن سندات اليوروبوندز»، من دون ذكر النموذج المصرفي السيّئ الذي أنشأه مصرف لبنان في التسعينيات، والذي حصّلت عبره المصارف التجارية أرباحاً هائلة عبر السنوات.
يبدأ تحميل الدولة المسؤولية من تحويل دَين مصرف لبنان على الدولة، المتّفق على قيمته لاحقاً بين وزارة المالية والمصرف المركزي، إلى سند دائم بفائدة تبلغ 2%. كما يتضمّن المشروع إنشاء صندوق استراداد الودائع، والذي يشمل أصول مصرف لبنان من إيرادات الديون السيادية (تتضمّن ديون المصرف على الدولة) والعقارات وحصص الشركات التي يمتلكها المصرف المركزي. والجدير بالذكر أنّ القانون يلحظ أنّ 75% من «عائدات تصفية» هذه الأصول تذهب إلى الصندوق، ما يعني أنّ القانون يطرح فكرة بيع هذه الأصول بشكل صريح.
إعادة الرسملة
يركّز القانون على إعادة التوازن والملاءمة إلى القطاع المصرفي عبر مرحلتين، الأولى تتعلّق بتقييم الخسائر والفجوة في مصرف لبنان والمصارف، بحيث يخضع مصرف لبنان وكل مصرف تجاري لتقييم مستقلّ لجودة الأصول (AQR) في أثناء شهر من نفاذ القانون، والهدف من ذلك تحديد حجم تدهور الأصول، وخصوصاً مطلوبات المصارف المتّصلة بالهندسات المالية والمعاملات «غير النظامية»، وتحديد حجم خسائر كل مصرف ورأسماله المتآكل.
أما المرحلة الثانية، فتتعلّق بإعادة الرسملة. فكل مصرف يظهر لديه عجز في رأسماله يجب، بحسب مشروع القانون، أن يقوم بخطة إعادة رسملة يحدّدها مصرف لبنان في أثناء ثلاثة أشهر من انتهاء التقييم المستقلّ لجودة الأصول. تتمّ عملية إعادة الرسملة عبر ضخّ رأس مال جديد مباشرةً في الشريحة الأولى (CET1)، أي في الجزء الأساسي من رأس المال القادر على امتصاص الخسائر فوراً، فيما يُعاد تصنيف الجزء من رأسمال المصرف الذي لم يتأثّر بالخسائر ليُحتسب ضمن الشريحة الثانية. ويُمنح كل مصرف مدّة تمتدّ حتى خمس سنوات ليُكمل عملية الرسملة بالكامل ويصل إلى المستويات المطلوبة من معايير «بازل 3» لناحية كفاية رأس المال وضمان القدرة على تغطية المخاطر.
وفي حال فشل أي مصرف في تلبية هذه المتطلّبات، تتّخذ بحقّه الهيئة المصرفية العليا الإجراءات القانونية وفق قانون إعادة تنظيم المصارف.
الودائع الصغيرة، وهي التي لا تفوق 100 ألف دولار، تُسدّد بالدولار النقدي على أربع دفعات سنوية متساوية، بدءاً من شهر بعد نفاذ القانون
العمليات غير النظامية
ينتقل مشروع القانون لتعريف العمليات غير النظامية ويحدّد آليات التعامل مع كل من أنواعها. إذ عرّف القانون خمس فئات من العمليات غير النظامية، وهي:
– الحسابات المشبوهة: حسابات يُشتبه بتضمّنها أموالاً غير مشروعة وفق قانون مكافحة تبييض الأموال. يتمّ تجميد هذه الحسابات، ونقل أرصدتها إلى حساب خارج ميزانيات المصارف، وتكوين مؤونات خاصة إلى حين إصدار قرار هيئة التحقيق الخاصة.
– الحسابات ذات الفوائد المفرطة: وهي حسابات تفوق قيمتها 100 ألف دولار نالت فوائد تفوق 2% سنوياً منذ العام 2015. ويتمّ التعامل معها عبر إعادة الفوارق بين الفوائد «المقبوضة» ومعدّل 2% الذي يحدّده مشروع القانون، مع إجراء قيد محاسبي عكسي لصالح المصرف، بمعنى أنه تُترجم إعادة هذه الفوارق في ميزانيات المصارف.
– تحويلات كبار المساهمين والإدارة: وهي تحويلات إلى الخارج حصلت بعد 17 نيسان 2019 تفوق 100 ألف دولار، أجراها كبار المساهمين أو المدراء وأقاربهم. وتُعالج هذه المعاملات عبر ضريبة استثنائية نسبتها 20% على التحويلات، تُقتطع من أي أموال جديدة تدخل لصاحب التحويل إلى القطاع المصرفي، أو من أحد حساباته الموجودة، وإذا لم تدخل له أموال جديدة يصدر «أمر قبض» من وزارة المالية بحقّه، وهو مستند رسمي يصدر عن وزارة المالية موجّه لتحصيل الضريبة المستحقّة على الشخص، كأي دَين ضريبي آخر مستحقّ للدولة. هذه الإجراءات تُطبّق أيضاً على التحويلات التي لا مبرّر اقتصادياً لها، وحصلت بعد 17 تشرين الأول 2019، وتفوق 100 ألف دولار.
– عمليات شراء الدولار بالليرة بعد 17 تشرين الأول 2019: شراء الدولار بمبالغ تفوق 100 ألف دولار على أساس سعر صرف غير نظامي، يتمّ التعامل معها عبر إلغاء العمليات وإجراء قيد عكسي في ميزانيات المصارف.
آليات سداد الودائع بحسب فئاتها
تُقسم الودائع المُكوّنة قبل 17 تشرين الأول 2019 إلى أربع فئات، هي: الودائع الصغيرة، المتوسطة، الكبيرة والكبيرة جداً. الودائع الصغيرة، وهي التي لا تفوق 100 ألف دولار، تُسدّد بالدولار النقدي على أربع دفعات سنوية متساوية، بدءاً من شهر بعد نفاذ القانون. أمّا الودائع المتوسّطة، وهي بين 100 ألف ومليون دولار، فيُسدّد 100 ألف دولار منها نقداً على أربع دفعات سنوية، والرصيد المتبقّي يُحوّل إلى شهادات مالية معزّزة بالأصول من فئة (أ) تستحقّ بعد 10 سنوات مع فائدة غير مركبة بنسبة 2%.
الودائع الكبيرة، بين مليون وخمسة ملايين دولار، يُسدّد منها 100 ألف دولار نقداً على أربع دفعات سنوية، والرصيد المتبقّي يُحوّل إلى شهادات مالية معزّزة بالأصول من الفئة (ب)، تستحقّ بعد 15 سنة، بفائدة غير مركّبة نسبتها 2%. وأخيراً الودائع الكبيرة جداً التي تفوق خمسة ملايين دولار يُسدّد 100 ألف دولار منها نقداً بالدولار على أربع دفعات سنوية، والرصيد المتبقّي يُحوّل إلى شهادات مالية معزّزة بالأصل من الفئة (ج)، تستحقّ بعد 20 سنة، بفائدة غير مركبة معدّلها 2%.
صندوق استرداد الودائع وشهادات الإيداع
بحسب مشروع القانون، يُنشئ مصرف لبنان صندوقاً مستقلّاً يسمّى «صندوق استرداد الودائع». هذا الصندوق لا يمتلك شخصية معنوية بل هو ذمّة مالية مستقلّة، ويحتوي على أصول مخصّصة لتغطية الشهادات، وتشمل:
– إيرادات السلع والمعادن الثمينة.
– محفظة العقارات التابعة لمصرف لبنان.
– حصص مصرف لبنان في الشركات.
– إيرادات الديون السيادية والخاصة المستحقّة له.
– الاحتياطات المتاحة والأرصدة النقدية.



