مطلَع الأسبوع المقبل، تبدأ لجنة المال والموازنة منُاقشة مشروع موازنة 2019، تمهيداً لعرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب. في الموازاة، يتوسّع الحديث عن استحقاق قطع الحساب، ليضع السلطة أمام اختبار جديد لتعهداتها بإعادة انتظام المالية العامة، والتي لا يُمكن أن تتحقق من دون إقرار الحسابات المالية للسنوات السابقة. لا يجوز إقرار أي موازنة (توقعات الواردات والإنفاق للعام المقبل) بلا قطع حساب (ما تحقّق من الواردات والإنفاق في العام السابق). هذه مسلّمة دستورية وقانونية تفتح باب الجدال على مصراعيه، وتقود نحو سؤال أساسي حول ما إذا كانت السلطة السياسية ستذهب الى ارتكاب مخالفة دستورية جديدة بإقرار الموازنة من دون قطع الحساب. ويتفرع عنه الأسئلة الآتية: لماذا لم تُحل الحسابات المالية التي أعدّتها وزارة المال من عام 1993 حتى 2017 وتسلمها ديوان المحاسبة الى مجلس النواب بعد؟ ولماذا لم تُحل الحكومة مشروع قانون قطع الحساب إلى البرلمان، فيما القانون ينص على أن تفعل ذلك قبل أول تشرين الثاني من السنة التي تلي سنة الموازنة (أي أنها كان يجب أن تحيل قطع حساب عام 2017 قبل تشرين الثاني 2018)؟ أما السؤال الأهم، فهو: هل يُمكن إمرار الموازنة بالاعتماد فقط على قطع الحساب لعام 2017 من خلال توافق سياسي يسمح بإصدار قانون يصرف النظر نهائياً عن إعداد حسابات المهمة وقطع الحساب ما بين عامي 1993 و2015؟كنعان
حتى الآن، لا جواب واضحاً لدى القوى السياسية بشأن المسار الذي ستسلكه الموازنة في مجلس النواب. فديوان المحاسبة «تسلم قطوعات الحسابات للسنوات العشرين الماضية قبل شهرين فقط، لكنه بدأ بدراسة قطع حساب 2017 ليتمكن مجلس النواب من إقرار موازنة 2019»، ما يعني تجميد إعداد قطوعات الحسابات السابقة حالياً. في هذا الإطار، يقول رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان لـ«الأخبار» إن «الديوان أنجز نحو 90 في المئة من قطع الحساب لعام 2017، وسيرسله الى المجلس النيابي في 20 حزيران ليتمكن مجلس النواب من إقرار موازنة 2019». وبرّر حمدان هذا التأخير «باعتكاف القضاة عن العمل وأيام العطل في الأسبوع المقبل». من جهته، يستغرب رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان هذا التأخير، قائلاً علينا أن «نسأل وزير المال، فنحن نتنظر منذ أكثر من شهر»، وخاصة أن «موازنة 2017 أعطت الحكومة مهلة عام لإنجاز قطع الحساب، فلماذا لم يصَر الى العمل عليها منذ ذلك الحين، والآن قد مرّ حوالى سنة ونصف سنة». وفيما يبرر البعض تأخّر الديوان بسبب النقص في عدد الموظفين والإمكانات، سأل كنعان «لماذا لم يأخذوا في الاعتبار هذا النقص وجهدوا في تأمين ما يلزم لمساعدة الديوان على تنفيذ ما هو مطلوب منه».
تخوّف من الضغط على ديوان المحاسبة كي يوافق على الحسابات تفادياً لمواجهة الحقيقة
مصادر نيابية بارزة تؤكّد أن على «السلطة اليوم أن تبحث عن ذريعة لإنجاز الموازنة من دون قطع حساب. فهي فعلت ذلك العام الماضي بحجة الحفاظ على صورة لبنان في مؤتمر سيدر». وقالت المصادر إن «الأمر سيكون صعباً، لكنه غير مستبعد، وخصوصاً أن هناك من يضغط في هذا الاتجاه، لأن قطع حسابات الأعوام الماضية سيفضح عمليات صرف الأموال دون حسيب أو رقيب». وفيما تخوفت المصادر، نتيجة ذلك من أن تذهب الدولة اللبنانية إلى «ما يُشبه التسوية. بمعنى الضغط على ديوان المحاسبة كي يوافق على الحسابات، تفادياً لمواجهة الحقيقة». وقالت إنه حتى الآن «ليسَ معروفاً كيف ستكون الوجهة في الهيئة العامة. فالقانون يسمح بمناقشة الموازنة والتصويت عليها، أما نشرها فلا يجوز إلا بعد إقرار قطع الحساب».