موظفو «أوجيرو»، كغيرهم من موظفي المؤسسات العامة، مستمرون بالإضراب المفتوح إلى حين إلغاء الحكومة المواد التي تمسّ بحقوقهم. بحسب دراسة أعدّوها، فإن إقرار هذه المواد سيعني خفض المدخول الشهري للموظفين ما بين 25 و60 في المئة!
بحسب المادتين 54 و61 من مشروع قانون الموازنة، فإن العاملين في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، سيخسرون كل التعويضات التي تتعلق بالساعات الإضافية وبدل الاختصاص ومنح الإنتاج (Bonus)، إضافة إلى الشهر 14 وما فوق.
وبحسب بيان اتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المستقلة، الصادر بعد اجتماع الاتحاد السبت، فإنه “نظراً إلى عدم عودة الحكومة عن الإجراءات التي تمس بلقمة عيش العمال وحقوقهم ومكتسباتهم وتعويضاتهم”، فقد تقرر “استمرار الإضراب والإقفال التام إلى حين إلغاء المادتين المذكورتين وكل ما يشكل خطراً على حقوق ومكتسبات العمال”.
هيئة أوجيرو واحدة من هذه الهيئات التي بدأت الإضراب منذ الخميس الماضي، فتوقفت الأعمال في كل الأقسام الإدارية والتنفيذية، إضافة إلى أعمال الصيانة والـ Call Center، في محاولة تؤكد مصادر النقابة أنها تهدف إلى منع المس بالحقوق التي اكتسبها العمال منذ عشرات السنين.
عندما أراد وزير الاتصالات محمد شقير، في لقائه مع موظفي أوجيرو يوم الثلاثاء الماضي، ثنيهم عن إضرابهم، ووجِه بإصرار منهم على السير قدماً بالإضراب لأنه الأداة الوحيدة التي يملكونها لمواجهة عملية قضم رواتبهم. وعبثاً حاول القول إن كل هذه الإجراءات لم تُبتّ بعد، داعياً إلى انتظار ما ستؤول إليه المناقشات أولاً، إلا أن الرفض كان سيد الموقف، انطلاقاً من أن التراخي في المطالبة بالحقوق لن يؤدي إلا إلى خسارتها. وإذ أعلن شقير أنه يؤيد مطالب العمّال، إلا أنه كان صريحاً بقوله إنه لن يستطيع أن يضمن عدم إمرار التعديلات المقترحة إذا كانت الأغلبية معها.
عندما يتحدث موظفو أوجيرو عن الحقوق التي اكتسبوها، فهم يتحدثون عن مكتسبات حصلوا عليها منذ إنشاء شركة راديو أوريان من قبل الفرنسيين، واستمروا بالحصول عليها، التزاماً بقانون العمل اللبناني، مع انتقال الشركة إلى الدولة في عام 1972.
بعد 45 عاماً، تأتي «حكومة إلى العمل» بموازنة تريد منها أن تلغي حقوق الموظفين. وهم إذ يحصلون على دعم مجلس إدارة الهيئة، الذي أعلن رئيسه عماد كريدية أنه لا يمكن إلا أن يكون إلى جانب الموظفين المقهورين الذين يدافعون عن حقهم، فإن اجتماعاً يعقد اليوم بينه وبين نقابة الموظفين لبحث كيفية التوفيق بين الحفاظ على حق العمال بالإضراب، وعدم الإضرار بمصالح الناس.
صحيح أن الإجراءات الحكومية تشمل كل المؤسسات العامة، إلا أن أوجيرو تواجه ضرراً إضافياً يتعلق بعدم دمج بدل الاختصاص (بين 5 و50 في المئة من الراتب) في أساس الراتب كما حصل مع المؤسسات الأخرى (باستثناء هيئة إدارة المرفأ). وهذا يعني أن إلغاء هذا البدل سيصيب أوجيرو وإدارة المرفأ تحديداً، فيما لن يكون بالإمكان إلغاؤه بالنسبة الى المؤسسات الأخرى، لكونه جزءاً من الراتب.
كذلك، توضح مصادر النقابة أن أوجيرو لم تحصل عملياً على سلسلة الرتب والرواتب، بل ما حصل أن مجلس الإدارة قرر زيادة أربع درجات لكل العاملين، كبديل من الساعات الإضافية التي حسمت منهم (تم تخفيض الحد الأعلى للساعات الإضافية من 75 إلى 35 ساعة)، علماً بأن هذا الخفض لم يشمل المديرين وأصحاب الدرجات العليا (من الدرجة الثامنة)، إذ حافظ هؤلاء على ساعاتهم الإضافية بقرار من مجلس الإدارة، الذي يسمح له نظام الهيئة بإعطائهم بدل أتعاب إضافية. وبالرغم من ذلك، فإن المدخول الشهري لم يرتفع بعد سلسلة الرتب والرواتب بالنسبة الى الأغلبية الساحقة من الموظفين (استبدلت الساعات الإضافية بالدرجات الأربع).
وإذا كانت منحة الإنتاج (Bonus) قد حددت، بحسب نظام أوجيرو، بـ 15 في المئة للموظفين و33 في المئة للمهندسين، فإن إلغاءها سيعني إلغاء ما يزيد على راتب شهر سنوياً، وهو حسم سيضاف إلى إلغاء بدل الاختصاص والشهر الـ 14 والساعات الإضافية (يتضمن مشروع الموازنة اقتراحاً بأن لا يتخطى مجموع المقبوضات الشهرية ضعف الراتب الأساسي، ما يعني إمكانية عدم قبض الساعات الإضافية).
وبحسب دراسة أعدتها نقابة عمال أوجيرو، يتبين أن الإجراءات المقترحة في الموازنة، ستؤدي في حال إقرارها، إلى انخفاض المدخول الشهري للمهندسين بنسب تصل إلى 62 في المئة. أما حملة الماجستير فسينخفض مدخولهم الشهري 58 في المئة، فيما سينخفض مدخول حملة الليسانس 53 في المئة. أما بالنسبة الى من لا يقبضون بدل اختصاص، فإن الانخفاض سيكون معدله 36 في المئة.
في المقابل، فإن أكثر السيناريوات تفاؤلاً، والذي يفترض عدم المس ببدل الاختصاص، أو إدخاله في أساس الراتب أسوة بالمؤسسات الأخرى، سيعني إلغاء الشهر الـ 14 ومنحة الإنتاج والساعات الإضافية، فتصل الخسارة عندها إلى 25 في المئة من المدخول.
تؤكد مصادر نقابة أوجيرو أنه حتى مع هذا السيناريو، فإن نسبة انخفاض المدخول بالنسبة الى الأغلبية الساحقة من الموظفين (باستثناء المناصب العليا التي تتقاضى بدلات شهرية مرتفعة) ستكون كفيلة بتهديد قدرة الموظفين على تسديد التزاماتهم المالية. وبالرغم من أن لا إحصاء لعدد الحاصلين على قروض مختلفة من البنوك، إلا أن الترجيحات تشير إلى أن معظم العاملين ملتزمون بدفعات شهرية ثابتة، سبق أن حددت على أساس المدخول الشهري الإجمالي، ومنها قروض الإسكان (يفترض أن تزيد الدفعات الشهرية على ثلث الراتب). وبالتالي فإن خفض الرواتب سيساهم في زيادة أعداد المتخلفين عن الدفع. فهل تتحمل الحكومة هذه الخضّة؟